عملي يبعدني عن زوجتي وأولادي.. فماذا أفعل؟

0 337

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعمل في شركة أجنبية في بلدي في مجال خدمات الآبار البترولية بطريقة المداومة 5 أسابيع، أعمل كل أسبوع، ثم 4 أسابيع إجازة على حسب العقد المبرم، وفي منصبي هذا من المفروض أن يشتغل فيه عاملان بالمداومة، لكني أشتعل بمفردي، ولا أحد يخلفني أثناء إجازتي.

هذا الأمر جعلني أستمر في عملي في كل مرة أكثر من 5 أسابيع، وأحيانا إلى 8 أسابيع بدون انقطاع لإتمام العمل، وتفاديا لوقوع أي انقطاع في العمل.

مديري في العمل يعلم تمام المعرفة بطبيعة العمل، ويجبرني على العمل في أيام إجازتي في البيت عن طريق الكمبيوتر، وأحيانا السفر إلى العمل، هذا التصرف منه جعلني أنفر من عملي، مع العلم أنه يعطيني أمرا حتى لو كنت في إجازتي.

ناقشته كثيرا في الأمر، لكن رده أنه يجب على أن أتفهم طبيعة العمل، ولا نية له في توفير من يخلفني، هذا الأمر جعلني كثير القلق حتى وقت الإجازة حيث إني لا أقدر على برمجة إجازتي والتصرف قيها كما أشاء.

مع العلم أني متزوج ولأسرتي الحق في الاستمتاع بإجازتي، الآن في هذه الحالة واقتراب الحج والعمرة لم أستطع برمجة دوري للحج والعمرة؛ لأنه أصلا لا أحد يخلفني في العمل.

أفيدوني بارك الله فيكم بنصحكم لي، وما رأي الشرع في تغيير الشركة لأجد عملا خيرا منه؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو رتاج حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت، وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر أمرك، وأن يوفقك في أمر دينك ودنياك، وأن يوسع رزقك، وأن يعينك على القيام بحق أهلك عليك وإتقان عملك، كما نسأله تبارك وتعالى أن يجعل لك من لدنه وليا ونصيرا، وأن يجعل لك مخرجا مما أنت فيه، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – فإنه مما لا شك فيه أن الناس جميعا يحرصون على العمل بغية الحصول على الرزق الطيب الحلال المبارك، وكلما كان الرزق موفورا وموسعا كلما كان الناس أكثر استقرارا وسعادة، وذلك نظرا لأن الدخل المرتفع يحقق كثيرا من متطلبات الحياة، ويوفر نوعا من الرفاهية للأسرة بما فيها الزوج والزوجة والأولاد، وهذا أمر يطمح فيه كل إنسان ويطمع فيه كل أحد، إلا أن هذا المال، وهذا الدخل المرتفع القصد منه إسعاد الناس، وأن يكونوا من فضل الله تعالى مستمتعين بنعم الله -عز وجل- متعة تجعلهم يشعرون فعلا بفضل الله تعالى عليهم وإحسانه إليهم.

أما أن يتحول جمع المال إلى وسيلة حرمان للإنسان من متطلباته الضرورية، بل حرمان أهله منه، فهو بذلك يتحول من نعمة إلى نقمة، ولعل هذا الوضع الذي أنت فيه أشبه ما يكون بما أقوله، فرغم أنك تعمل عملا إضافيا على عملك الأصلي، ومما لا شك فيه أنك تتقاضى عليه راتبا آخر، وهناك من يفرح بذلك، ولكن هذا إذا لم تكن لديه أسرة، ولم يكن لديه أولاد، وذلك كأن يكون شابا من الشباب الذين لم يتزوجوا، فقد يكون هذا الأمر مناسبا له، أما الوضع الذي أنت فيه فإنه مما شك فيه أنه يمثل خطورة عظيمة على حياتك وحياة أسرتك، فزوجتك وأولادك لهم عليك حق، وهذا الحق لا يسقط بأي حال من الأحوال، ولا يقبل العقل أن يعمل الإنسان كالمكينة والآلة، ولا يعطي نفسه حظها من الراحة، ولا يعطي أسرته حقها من الاستمتاع به، فليست القضية قضية جنسية أو شهوانية، وإنما القضية قضية تربية وتوجيه، أبناؤك في حاجة إلى توجيه وإلى تربية وإلى تعليم وإلى إرشاد ونصح، أما الذي أنت عليه الآن فإنه مما لا شك فيه يشكل خطورة عظيمة على مستقبلك الصحي، وعلى مستقبل أسرتك أيضا.

ولذلك أرى لا بد من وقفة مع نفسك صادقة وجادة، هذه الوقفة تتمثل في محاولة مراجعة هذا المسؤول مرة أخرى، وإقناعه بأن هذا الأمر يؤثر على نفسيتك، وقد يؤثر على إنتاجيتك في المستقبل، وأن هذا الأمر يمثل نوعا من الانتحار البطيء، وأنك بذلك ستفقد نفسك قبل أن تفقد عملك.

حاول معه واجتهد في إقناعه بالبحث عن بديل آخر ليحل محلك في أيام العطلات حتى يكون الوضع طبيعيا، وإذا أغراك بأنك تأخذ راتبا إضافيا، فقل له (أنا لا أريد، أنا أريد زوجتي وأريد أسرتي وأولادي وأهلي، وأريد أن أؤدي حق ربي علي، لأني مسلم أولا وآخرا ومسؤول عن أسرة وزوجة وأولاد).

إن اقتنع بوجهة نظرك ووفر لك عاملا آخرا يعمل معك ما دام العمل يقتضي ذلك، فأعتقد أننا بذلك قد حللنا المشكلة، ووصلنا إلى حل طيب مناسب، ولكن هب أنه لم يقتنع بوجهة نظرك، وظل يساوم كما ساوم من قبل، فالذي أراه - بارك الله فيك – إنما هو البحث عن فرصة عمل أخرى حتى وإن كانت براتب أقل، لأن حفظك لأسرتك من الضياع وقيامك بتربيتها وتوجيهها وإرشادها خير من ملء الأرض ذهبا، بل خير من الدنيا وما فيها، وبذلك عليك أن تحاول مرة أخرى مع صاحب العمل أو مع المسؤول المباشر، فإن اقتنع بوجهة نظرك ووفر عاملا آخرا معك، فأرى أنك تظل على ما أنت فيه على بركة الله تعالى.

أما إن ساومك وأصر على ما هو عليه، ولم يقدم حلا إيجابيا لمشكلتك أرى أن تبحث عن عمل آخر، ولكن بهدوء ودون أن تخبره، حتى وإن كان - كما ذكرت – دخله قليل، فإن وجدت ذلك فقل له: (أنا مضطر لأن أترك العمل لأنك ما أعطيتني فرصة أن أواصل العمل معك، وإنما أنت الذي اضطررتني أن آخذ قرارا، وأن أترك العمل، وأبحث عن عمل آخر، وأنا شاكر لك واسمح لي).

ولعل هذا الحل في ذاته أن يحل المشكلة، عندما يجدك جادا في طلب البديل، فلعل ذلك أن يدفعه إلى توفيره من الآن، أما إن ظل الأمر كذلك فأرى أنه لا بد من ترك هذه الشركة؛ لأننا نجمع الأموال لإسعاد أنفسنا، ونجمع الأموال لإنفاقه على أنفسنا، فجمع المال ليس غاية، وإنما وسيلة لتحقيق الأمن والأمان والاستقرار، وهذا العمل الذي أنت فيه لا يحقق ذلك، لأنه يحرم أبناءك منك، وأبناؤك في أمس الحاجة إلى توجيه وتعليم وإلى عطف وحنان ومتابعة.

فعليك - بارك الله فيك – بما سمعت، وتوجه إلى الله بالدعاء لعل الله أن يشرح صدر هذا المسؤول فيقبل توظيف أحدا آخر معك، وبذلك تحل المشكلة، واعلم أنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، فأوصيك بصلاة ركعتين بنية قضاء الحاجة والتوجه إليه بعد هذه الصلاة، وأكثر من الصلاة على النبي محمد - عليه الصلاة والسلام – واعرض عليه أمرك، فإن قبل فبها ونعمت، وإن لم يقبل فيكون الحل الآخر، ولا تقل له بأني سأبحث عن عمل أو غيره، ولكن اجعل الباب مفتوحا وابحث في نفس الوقت عن عمل، وذلك مخافة أن تترك العمل فلا تجد عملا آخرا فقد تندم، ولعل الفرصة تفوتك خاصة، ونحن في زمن نسبة البطالة فيه مرتفعة، وفي بلاد البطالة فيه تصل إلى عنان السماء.

أسأل الله أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك لكل خير، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات