فقدي لوالديّ صغيرًا جعلني أعيش حياة قلق ومخاوف .

0 496

السؤال

السلام عليكم..

أنا شاب عمري 18سنة, تربيت في بيت خالي بسبب وفاة والدي ووالدتي, وخالي عنده أولاد, ولكني لا أتكلم مع أحد إلا قليلا جدا, وأحب أن أجلس وحدي دائما في أحد زوايا الحجرة, وتكون الحجرة مظلمة, وأحب أن آكل وحدي, وإذا أكلت مع أولاد خالي أكون محرجا جدا.

أخاف أن أتكلم مع الناس, وعندما أمشي في الشارع أحس أن الناس كلهم ينظرون إلي؛ لذلك لا أخرج إلا للمسجد أو المدرسة, وليس لي أصدقاء, وأذهب للمدرسة وحدي, وعندما أكون في المدرسة أخاف أن أتكلم مع أحد, وفي حصة الألعاب جميع زملائي بلا استثناء يلعبون, أما أنا فأرفض الخروج من الفصل, وأجلس وحدي.

في البيت أحب النوم لأهرب من الدنيا, ولا أنام مادا جسدي - كأولاد خالي -, بل أنام منكمشا, وأحيانا أنام على بطني, فالمهم أن تكون المخدة على رأسي.

أحس دائما أني واقف وحدي في صحراء واسعة لا نهاية لها, فهل أنا إنسان جبان, فأنا أشعر بالاختلاف, وأني شخص غير طبيعي, فماذا أعمل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

فأعتقد أن مشكلتك الأساسية التي أدت إلى هذا الانزواء والانطواء وعدم التفاعل مع العالم الخارجي بصورة إيجابية، ومشاعرك السلبية التي أدت إلى تقليل قيمتك لذاتك؛ ناتجة من مفاهيم سلبية ترسخت لديك: أنك قد عشت في بيت خالك بعد وفاة والدك، فبدأت تبنى لديك هذه المشاعر السلبية.

وللخروج من هذه الحالات - أيها الفاضل الكريم– يجب أن تكون إيجابيا, هذا مهم جدا.

أنت شاب في بدايات سن الشباب، ولديك طاقات نفسية وجسدية ومعرفية كثيرة جدا، فيجب أن تنهض بنفسك، ولا تقلل قيمة ذاتك, فأنت لديك سمات الآخرين, ويمكنك أن تعيش الحياة بقوة, وحتى تنجح في حياتك فيجب أن تضع شروطا صارمة على نفسك في إدارة وقتك، ولا تتبع مشاعرك وهوى النفس في التراخي والانعزال والنوم، فهذا ليس صحيحا - أيها الفاضل الكريم-.

الله تعالى استودع فينا طاقات عظيمة لنتغير، ولنكون إيجابيين، ولنكون فعالين، فأنا أريدك أن تضع جدولا يوميا بسيطا جدا وتحدد فيه كل الأنشطة التي يجب أن تقوم بها، وهذه الأنشطة يجب أن تكون مختلفة ومتباينة، فتخصص وقتا للصلاة، ووقتا للدراسة، ووقتا للترفيه عن النفس، ووقتا للقراءة غير الأكاديمية، ووقتا للعب، ووقتا للزيارات، فهذا كله يمكن أن تقوم به، بل يجب أن تقوم به.

وأرجو أن تبني قناعة قوية أنك من خلال الأفعال والتنفيذ وعدم اتباع المشاعر السلبية التي تدعوك للتقاعس والانزواء والتفكير السلبي، تستطيع فعلا أن تتغير تماما.

فيا أيها الفاضل الكريم: هذا هو الذي أنصحك به، وهذه هي الركيزة الأولى لعلاجك.

من المهم أيضا أن تضع هدفا في حياتك، فتصور نفسك بعد أربع أو خمس سنوات من الآن، فمن المفترض أن تكون قد أكملت دراستك الجامعية بتفوق، وأقدمت على الزواج، ودخلت سوق العمل، وهذه هي الحياة، فيجب أن تعيش لهدف، وأن تعيش على أمل، وأن تسعى، فهذه الثلاثة يجب أن تمشي مع بعضها البعض: (الهدف – الأمل – السعي).

وأنصحك أن تكون لك رفقة طيبة، فأنت من رواد المساجد والحمد لله تعالى - أسأل الله تعالى أن يزيدك في ذلك حرصا - فعليك أن تبني علاقات، وسع من نسيجك الاجتماعي، وأنا متأكد أنك في المدرسة تستطيع أن تكون على صلة حميمة وطيبة مع بعض الشباب، وكذلك في المسجد، ومع أبناء الجيران، فالدنيا طيبة وجميلة جدا - أيها الفاضل الكريم – فلا تضيقها على نفسك، فهي واسعة جدا, وجميلة جدا.

غير مفاهيمك السلبية, وكن أكثر ثقة في نفسك، فأنت لست فاشلا، فلماذا تلصق بنفسك الفشل؟ لا، أنا أدعوك أن ترفع همتك، ولديك القدرة على ذلك - إن شاء الله تعالى -.

لا بد أن تخصص وقتا كاملا للرياضة، ولا بد أن تعطي الرياضة حقها؛ لأن الرياضة تقوي النفوس والأبدان، وتعطي الإنسان فعلا شعورا بكينونته وكيانه الداخلي الإيجابي، فاحرص على ذلك.

في هذه المرحلة أنا لا أرى ضرورة تناول علاج دوائي بالنسبة لك، لكنك إذا طبقت البرامج التي ذكرتها لك - وأنا آمل كثيرا أن تقوم بذلك – فإذا لم يحدث تحسن حقيقي فهنا أعتقد أنك ربما تكون محتاجا لأحد الأدوية المحسنة للمزاج والمضادة للقلق والمخاوف، وهذه الأدوية كثيرة جدا ومتوفرة، وإن قابلت طبيبا نفسيا فسوف يكون أفضل.

أما موضوع حب الظلام والعيش في الظلام: فهذه أحد الخرافات التي اكتسبناها من مجتمعاتنا، خاصة بعض الروايات التي تكتب, والدراما, والأفلام التي ربطت الظلام بالسوداوية, وبالفكر السلبي, وبالاكتئاب النفسي، وهذا كله كلام لا أرى له أساسا أبدا - أيها الفاضل الكريم – فليس هنالك ما يدعوك أن تجلس في الظلام أبدا، وأن تجعل نفسك متوائما مع الظلام؛ لأن الظلام يريحك، ولأنك تريد أن تعاقب نفسك وتكون في حالة اكتئابية، فهذا ليس صحيحا، فأرجو أن تصحح هذا المفهوم.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وأسأل الله لك العافية, والتوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات