شعوري بالنقص جعلني أعيش حالة من السوداوية

0 528

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه رسالة أكتبها بنزف من دمعي وحبر من ألمي، وأرسلها مستغيثا -بعد الله- بعملاق الطب النفسي الدكتور العلامة محمد عبد العليم، ذلكم الرجل الخلوق المتواضع الذي رأيت فيه فسحة من أمل تلوح في نفقي المظلم.

دكتوري العزيز محمد عبد العليم: أرجو منك أن تولي رسالتي عناية خاصة، وإني لأعلم أنك تعامل كل رسائل المستشيرين بنفس القدر من العناية الفائقة، فجزاك الله خيرا.

قصتي تحتاج إلى كتب حتى أسردها، ولكني سأحاول قدر الإمكان الاختصار فيما هو مفيد ومفصلي في حالتي، أبلغ من العمر (22) عاما، طولي (152) سم، وهذا جزء من مشكلتي المعرفية والفكرية؛ حيث أنني أشعر بالنقص، وأشعر أنني أقل من الآخرين، ولكن ليت الأمر متوقف على الطول، بل مشكلتي أكبر من ذلك بكثير، ويمكن تلخيصها بالنقاط التالية:

1- قصر القامة: تعرضت للاستهزاء من القريب قبل الغريب في طفولتي وحتى اللحظة، أرى الاستهزاء بأعين البعض، ولو كانوا أناسا على هامش الحياة، فإنني أتأثر بنظراتهم تأثرا كبيرا.

2- أزمة عاطفية وعقدة من الجنس الآخر ، أرغب بإقامة علاقات عاطفية مع النساء بنوايا مشروعة، ولكنني أخشى رفضهن لي بسبب مشاكلي الشكلية والنفسية، وفي ذات الوقت أمتلك عزة نفس تمنعني من الإقدام عليهن خشية الرفض، وأنا طالب جامعي أراقب الفتيات اللواتي يعجبنني، وأتبع خطواتهن حتى أشعر بالارتياح.

3- بعد مراجعتي لفترة طويلة لطبيب نفسي شخص حالتي بالآتي: الشيزوفرينيا، الانفصام في الشخصية ثنائي القطبية ناتج عن الشيزوفرينيا، التجنبية، التشنج، الارتعاش، الغيرة المزمنة، وتناولت الأدوية التالية: الديباكين، والكومدرين، والبريكسال، لمدة عامين وانقطعت ثم رجعت لتناولها، كانت هذه الأدوية تشعرني بالتحسن فترة ثم ما ألبث أن أعود إلى حالة التعب واليأس.

4- عندما تأتيني الأزمة (جراء الشيزوفرينيا) أشعر بالغضب الشديد, أشعر بالرضى عن نفسي، وأنني أفضل من الجميع، ولا بد لي من أن أصنع ما أريده، وألجأ إلى الكذب على الآخرين والإفك عليهم، وأقوم بالعدوان على الأمور الجمادية كتكسير الزجاج وما إلى ذلك، وأشعر بالحقد على كل الفتيات أو الناس بشكل عام، وأدخل في حالتي التجنبية والانطوائية عن المجتمع والناس، وأقصد بالأزمة (جراء الشيزوفرينيا) التشنج؛ حيث تصبح أعصابي مشدودة، ولا أتورع عن شتم الذات الإلهية والنقمة على الله -أستغفر الله العظيم-.

5- عندي درجة من الوسواس القهري الفكري؛ حيث تلح علي أفكار قصر القامة، وأفكار البنات وحب البنات.

6- في حالة التجنبية تصيبني دقات في القلب واحمرار في الوجه، وصعوبة في التواصل الاجتماعي مع الغرباء دون أن أرتاح لهم وأطمئن معهم.

7- في وقت الأزمة أعاني أيضا من القولون العصبي.

8- مؤمن بالله ومحافظ على الصلوات -والحمد لله-.

9- أبي يعاني من نفس المرض، وعمي يعاني من الاكتئاب، وعمي الآخر يعاني من الوسواس القهري.

هذه النقاط التسعة هي ملخص حالتي النفسية المرضية، مراجعتي للطبيب النفسي بدأت أشعر بعدم جدواها؛ حيث أنني أزور عيادته وأنا غير راض عنه ولا عن أسلوبه العلاجي؛ حيث لا توجد خطة علاجية واضحة المعالم والتفاصيل، فيا دكتوري العزيز: أرجوك رجاء خاصا أن تجيب على الاستفسارات التالية:

1- ما هو تشخيص حالتي بالضبط؟ وهل مرضي يمكن الشفاء منه؟ أم هو مرض مزمن أكثر ما يمكن التعايش والتأقلم معه؟

2- أرجو منك وبشدة أن تضع لي خطة علاجية شاملة (خطة علاجية دوائية، سلوكية، معرفية) أسير عليها، وكم المدة الزمنية اللازمة للالتزام بهذه الخطة؟

وأخيرا: والله إنني أنتظر الإجابة على استشارتي وكأنني واقف على جمر، فلا تتأخروا عن مد يد العون لي، جزاكم الله خيرا كثيرا.

ملاحظة: هذه الاستشارة قام بكتابتها وصياغتها، وسلسلة أفكارها صديق عزيز علي وأخ، مد لي يد العون، وقد وضع يده على كافة تفاصيل حالتي، فجزاه الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد ناصر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فأشكرك وأقول لك جزاك الله خيرا على كلماتك الطيبة، وأؤكد لك أنني قد اطلعت على رسالتك بكل تفاصيلها، وأقول لك أحسن الله إليك وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا على ثقتك في شخصي الضعيف، فالثقة هي قيمة عظيمة وعظيمة جدا، ونسأل الله تعالى أن ينفع بنا جميعا.

أيها الفاضل الكريم: من رحمة الله بنا أننا نعيش الآن في زمان تقدم فيه الطب النفسي بصورة مذهلة، أنا بدأت أتدرب في الطب النفسي عام 1979 وحين أقارن البدايات التي دخلت من خلالها الطب النفسي، ثم بعد أن رزقني الله بالمؤهلات العالية في هذا المجال، بعد ذلك تدرجت في الوظائف هنا وهناك، حين أنظر لهذه الخارطة أجد أن الأمر مذهل ومذهل تماما، الذين عاملت معهم في بريطانيا في بداية التدريب -وهم من العمالقة في مجال الطب النفسي– كان الواحد منهم يتردد كثيرا في تشخيص مرض الفصام، بالرغم من أن العالم الألماني (شيجر) أعطى وصفا كاملا لمرض الفصام عام 1959، لكن كانوا يترددون في التشخيص؛ لأن الواحد منهم لا يريد أبدا أن يلصق هذا المرض بالمريض، لأنه يعرف أن القليل والقليل جدا سوف يقدم، أما الآن على العكس تماما ودون مبالغة يشخص مرض الفصام على يد الخبراء مثل تشخص الالتهابات الرؤية أو أمراض الأنفلونزا أو ما شابهها، لماذا؟

لأن المعلومات أصبحت متوفرة، لأن العلاج أصبح متوفرا، لأن التدخل الطبي النفسي المبكر وجد أنه أفضل وسيلة لأن تكون مجالات المرض والمريض على أحسن ما يرام، بشرط أن يكون هنالك التزام بالعلاج، هذه المقدمة مهمة جدا يا محمد، وأنا على ثقة أنك قد استوعبتها تماما.

أخي: لا تهمنا المسميات (اضطراب وجداني ثنائي القطبية، الفصام، الوساوس القهرية) أنا لا أقلل من قيمة المعايير التشخيصية، لكني أعرف الفصاميين الذين تزوجوا الآن وأنجبوا وتقلدوا الوظائف، هذا لا مبالغة فيه، أعرف الذين يعانون من الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية وهم يقودون الطائرات، أعرف ذلك، ورخصهم قانونية جدا، كيف استطاعوا أن يقوموا بهذا؟ التزموا بعلاجاتهم، ووظفوا حياتهم بصورة إيجابية، وأهلوا أنفسهم، وهذا هو العلاج السلوكي يا محمد، فأرجو ألا تنزعج أبدا، وأرجو أن تواصل مع طبيب نفسي.

قطعا أي طبيب نفسي سوف تواصل معه أفضل لك مني، لأني لم أرك، لأني لم أقيمك، لأني قد لا أستطيع أن أتابعك، لكن أسأل الله أن ينفعك بهذا القليل الذي ذكرته لك.

ملاحظتي حول التشخيص لا تختلف من تشخيص الآخرين أبدا، من قال لك أن لديك أعراضا فصامية أو أعراض اضطراب وجداني ثنائي القطبية، وقد تكون الحالة أحد الحالات المختلطة التي تحمل أعراضا من هنا وهناك، وهذه الحالات مآلاتها ممتازة جدة، وهذا هو الذي أميل إليه.

أنا أرى أن الأدوية سوف تفيدك وتفيدك جدا بجانب التأهيل السلوكي الذي ذكرته لك، وأفضل برنامج أضعه لك هو:

1) أن تتابع مع طبيب نفسي.
2) ألا تيأس أبدا، وأن تثق في مقدراتك، والثقة في النفس مهمة جدا، أنت وثقت في، وأنا أشكرك على ذلك، والإنسان يجب أن يثق في ربه وفي مجتمعه وفي دينه وفي وطنه وفي من حوله، هذا مهم جدا.
3) أن تؤهل نفسك، والتأهيل يعني التغيير، والتغيير يعني أن أكون فعالا، وأن أدير وقتي بصورة صحيحة، وألا أقلل من قيمة ذاتي، وألا أعطيها أكثر مما تستحق.

4) العلاج الدوائي: الأدوية كثيرة وفعالة، لكن نقطة المحك ونقطة التغيير الحقيقي – بل جوهر التغيير الحقيقي – يأتي من الالتزام بالدواء، والدواء على الأقل يمنع التدهور، حتى وإن لم يؤد إلى التحسن، هذه قيمة عظيمة؛ لأن التحسن سوف يأتي ما دام التدهور قد أوقفناه.

أنا أرى أن عقار (إرببرازول) والذي يعرف تجاريا باسم (إبليفاي) هو الدواء الأفضل لك، وأنت تحتاج أن تتناوله بجرعة سبعة ونصف مليجرام – أي نصف حبة – يوميا، تضيف إليه كبسولة واحدة من عقار (بروزاك) والذي يعرف علميا باسم (فلوسكتين).

أعتقد أنك إذا سرت على هذا العلاج الدوائي البسيط والبسيط جدا سيفيدك كثيرا، لكن يجب أن تكون هنالك مشاورة الطبيب، وبعد شهرين أو ثلاثة يمكن أن ترفع الجرعة إلى خمسة عشر مليجرام من الـ (إرببرازول) وتستمر على (البروزاك) بكبسولة واحدة، واستمر عليه لسنتين أو أكثر، لا بأس في ذلك، واجتهد حتى تؤهل نفسك تماما، وأنا أبشرك أن شركات الأدوية الآن تعمل بجد واجتهاد وتنافس علمي شديد؛ لأن تأتينا بمركبات دوائية أفضل، فأبشر ابني محمد.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.

مواد ذات صلة

الاستشارات