كيف أنسى الماضي المؤلم وأتقرب إلى الله تعالى وأبر أمي؟

0 584

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أشكر جهودكم المبذولة لحل مشاكل المسلمين، لقد قرأت العديد من المشاكل، وحلها والتمست في إجاباتكم الصدق والنية الطيبة لحلها، وهذا ما شجعني لأكتب مشكلتي.

أنا فتاة أبلغ من العمر 21 عاما، انفصل والداي وأنا بعمر الشهرين، أمي تزوجت، وسافرت خارج البلاد، أصبحت أراها كل سنتين مرة، وجدتي -أم أبي- هي التي قامت بتربيتي، لدي أخ أكبر مني، وأنا طفلة كنت ملتزمة جدا، تعلمت الصلاة وعمري 7 سنوات، وبدأت أصلي، وأغلب صلاتي بالمسجد مع أني فتاة، والتحقت بمركز تحفيظ القرآن، وتحجبت وأنا صغيرة بدون أن يطلب مني أحد ذلك، لكن كأن الله هداني، وكأنها كانت لدي بالفطرة، أو ربما كنت أريد أن أكون مختلفة؛ لأن أبي كان يشرب الخمر، ولا أحد يصلي في البيت غيري، وكان والدي يضربنا بدون سبب، ولا يدعنا نخرج من البيت، أو نزور أقربائنا.

توفي والدي وأنا بعمر 13 عاما بحادث سير، وانتقلنا للعيش في بيت عمي، كنت سعيدة؛ لأنني سأعيش في وسط عائلة، ولكن حدث العكس.

بنات عمي لم يكن ملتزمات، فنزعت الحجاب، وهجرت القرآن، وأهملت دراستي، أقنعوني بحجة أنني ما زلت صغيرة، وأنني جميلة، ويجب أن أعيش حياتي، وبدأت المشاكل في بيت عمي، وبدأت بالانطواء عمن حولي.

أصبحت مثل الخادمة في بيت عمي، وتعرضت لمحاولة اغتصاب من قبل ابن عمي، وأنا بعمر 16 سنة، ولكن -الحمد لله- ما زلت عذراء، فالله حماني واستجاب لدعائي.

وبدأ كرهي لأمي وأبي؛ لأنهما السبب في الحياة التي أعيشها، كرهت الحياة، وكل من حولي، وفكرت بالانتحار، لكنني لم أجرؤ على ذلك.

وتوفيت جدتي وأنا بعمر 18 عاما، وقتها أحسست أنه لا معنى لحياتي؛ لأنه لم يبق لي أحد يحبني.

أخي خرج من بيت عمي، وسكن مع شباب، وبدأ الدراسة، وأنا كذلك خرجت من بيت عمي، وأقمت في سكن طالبات، ودخلت كلية الهندسة، وتحجبت وبدأت أصلي، لكن ليس مثل السابق بدون إيمان.

أنا الآن اقيم مع والدتي، لكنني لا أشعر بها، وتأتيني مشاعر كره تجاهها، ولا أعاملها معامله حسنة، كأنني أعاقبها على تركها لنا، ولكن هذا الشيء يغضب الله، وبدأت أشعر بالفراغ العاطفي، وأصبحت أكلم شبابا في الهاتف لأملأ هذا الفراغ، لكنني غير مرتاحة، سريعة الغضب ومزاجية جدا، وحساسة كثيرا، وانفعالية وعدوانية.

أبقى بغرفتي بالساعات، وأنا أبكي على وضعي، وكيف أصبحت، كنت ملتزمة، وأصبحت سيئة عآقة لأمها، وأحدث الشباب.

لكنني لست هكذا، لست سيئة، لا أريد أن أضيع أكثر من هذا، ساعدوني، أشعر باضطرابات نفسية كثيرة، وأشعر كأن لدي انفصالا بالشخصية، واحدة سيئة، وواحدة طيبة، أشعر أني ضائعة، أريد أن أبقى بقرب الله، فقد قصرت كثيرا، وتأنيب الضمير يؤلمني، والموت ليس له موعد، ولا أستطيع أن أتزوج بسبب محاولة الاعتداء التي حصلت لي، أخاف الرجال، ولا أتقبل أن رجلا يلمسني.

أشعر أن نهايتي إما الانتحار، أو مستشفى المجانين، أريد أن أبتعد عن هذه الأشياء، وأعامل أمي معاملة حسنة، وأنسى الماضي.

كيف أقوي إيماني وقربي من الله؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

نرحب بك ابنتنا الفاضلة في الموقع، ونحمد الله تبارك وتعالى على حسن العرض لهذه الاستشارة التي تدل على أنك ناضجة -ولله الحمد-، فاحمدي الذي أخرجك وأنقذك من تلك المواقف، وسددك وأوصلك إلى هذا المستوى، واجعلي شكرك لله تبارك وتعالى هو البداية لتصحيح المسير، واعلمي أن من شكر الله العمل بطاعته {اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور}.

أما بالنسبة للوالدة، فنحن ندعوك إلى الاقتراب منها، ومسامحتها، والعفو عنها، فإن ما حصل لم يكن بإرادتها، إنما كانت تريد أن تنتقم من الوالد، والوالد كان يريد أن ينتقم منها، ولا يعني ذلك أننا لا نسامحها، أو أننا نلومها على ما حصل، ولكنها تظل والدة رغما عن أنفنا، وتظل جديرة بالبر والإحسان كما أمر الله تبارك وتعالى؛ لأن هذه الشريعة تأمرنا بالإحسان إلى الوالد والوالدة حتى لو كانوا غير مسلمين، حتى لو كانوا يأمروننا بالكفر بالله، قال تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} لم يقل (واهجرهما، واغضب عليهما، وارفع صوتك) وإنما قال – والحالة هذه - : {وصاحبهما في الدنيا معروفا} فاحرصي على الاقتراب من الوالدة والإحسان إليها، ونتمنى أن تقومي بنسيان تلك الصفحة، وإذا عومل الإنسان معاملة سيئة، فينبغي أن يعامل الآخرين بالعطف والرحمة، ولا يسقيهم نفس الكأس المر التي شرب منها، واحمدي الله تبارك وتعالى الذي حفظك وسددك، واعلمي أن الرجال ليسوا كلهم أشرارا، ليسوا كلهم وحوشا، ففيهم من سيسعدك في هذه الحياة.

فتعوذي بالله من الشيطان، ولا تترددي إذا طرق الباب صاحب الدين والأخلاق، واحشري نفسك في زمرة الصالحات، واعلمي أن لكل واحدة منهن أخ أو ابن أو محرم يبحث عن الفاضلات من أمثالك، واستري على نفسك في هذا الذي حدث طالما الأمر -ولله الحمد- في عافية، وأنت لا تزالين عذراء، وهذه نعمة كبرى من نعم الله تبارك وتعالى عليك، وهذا من حفظ الله لك، ومن توفيق الله تبارك وتعالى لك، فنسأل الله تبارك وتعالى أن يديم عليك النعم، وأن يلهمك السداد والرشاد، وحاولي أيضا أن تبحثي عن الأخ، وشجعيه على بر الوالدة، وبداية صفحة جديدة مع الوالدة، فإنها أقرب الناس إليكما، وكذلك ابحثي عن الصالحات، فإنهن عون لك على كل خير، وعلى كل طاعة لله تبارك وتعالى، ولا تنظري للحياة بهذا المنظار الأسود.

ونعيذك بالله من مجرد التفكير في الانتحار، فإن الإنسان يورد نفسه موارد الهلكة إذا أقدم على تلك الجريمة النكراء، ونفسك غالية، ولذلك لا تفرطي فيها، ولا تبذليها إلا في الله ولله ومن أجل أن تنالي رضوان الله تبارك وتعالى، ونتمنى أن تجتهدي في نسيان كل الذي حدث، فإن الإنسان إذا لم يقف أمام الأيام المحزنة طويلا فإنه يسعد {لكيلا تأسوا على ما فاتكم} فلا تقفي طويلا، ولا تذكري ذلك الماضي، وأنزلي هذا الحمل الثقيل الذي على ظهرك من هموم السنوات الماضية، أنزليه أرضا، واستنشقي الهواء في عافية، واشكري الله تبارك وتعالى الذي وفقك للخير، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.
------------------------------------------------------------------------
انتهت إجابة د. أحمد الفرجابي مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
وتليها إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان:
-------------------------------------------------------------------------
جزى الله خيرا الأخ الدكتور الشيخ أحمد الفرجابي، فقد أفادك لما ينير طريقك - إن شاء الله تعالى – فخذي بكل كلمة أوردها لك في إجابته على استفسارك.

من حيث المنظور النفسي: العثرات والعقبات التي تأتي في فترة الطفولة للإنسان قد يكون لها تبعات سلبية في المستقبل، لكن هذا ليس بالضروري أن يكون دائما.

أنت واجهتك صعوبات في أثناء الطفولة، فراق الوالدين ليس بالسهل، لكن قطعا الطلاق الناجح أفضل من الزواج الفاشل، والحياة أخذت دورتها معك، صعوبات في البداية، تقوى وصلاة في أيام الطفولة الأولى، بعد ذلك انتقلت إلى المرحلة التي تليها، ثم وفاة الجدة التي كنت تعتمدين عليها لدرجة كبيرة، وهكذا تقلبت حياتك بين هذه المحاور المختلفة.

الذي يهمنا هو الآن: كيف أنت؟ وماذا تريدين أن تقومي به؟ وما هي طاقاتك وإمكاناتك نحو مواجهة المستقبل؟ أولا أنا أؤكد لك أن طاقاتك وإمكاناتك ومقدراتك المعرفية والوجدانية قوية جدا، هذا واضح من رسالتك، إذن أنت تملكين المقدرة التي تواجهين بها هذه الحياة بكل إيجابية وذلك اعتمادا على الله تعالى أولا ثم على نفسك، يعني حاجاتك للآخرين أصبحت محصورة جدا.

فيجب أن تنظري إلى الحياة بهذا المفهوم، انظري إلى نفسك الآن وكيف تستفيدين من مقدراتك ومهاراتك وخبراتك من أجل أن تعيشي مستقبلا طيبا وآمنا.

الاجترارات في الماضي مثل محاولة الاعتداء الجنسي، وما تركته من جراحات نفسية، هذا الأمر انتهى، وبكل أسف الآن هناك دراسات تشير أن حوالي أربعين بالمائة من الفتيات ربما يكن عرضة لهذا الأمر، وفيهن من ينتهي الأمر بهن إلى فظاعات فظيعة، فأنت الآن -الحمد لله تعالى- ما حدث لك لا أقول أنه بسيط، من الناحية النفسية له معنى كبير، لكن -الحمد لله- أنت محتفظة بعذريتك، ليس هنالك أبدا ما يدعوك لأن تنظري هذه النظرة السلبية نحو الرجال، حدثت لك حادثة خاصة، يجب ألا تكون سببا في أن تنظري إلى الأمور بتعميم كامل، لا يمكن أن يكون كل الرجال سيئين، هذا التعميم لا ينبغي أن يكون أبدا، فكوني تخصصية، ولا تكوني من الذين يعتمدون على التعميم في مواجهة المشاكل الحياتية، كل مشكلة ينظر إليها الإنسان بخصوصيتها، وفي حدودها، وفي نطاقها، ولا يعممها على حياته؛ لأن هذا خطأ كبير يؤدي إلى تسخير التفسير السلبي لكل شيء، مما يؤدي إلى القلق والتوتر والشعور بالاكتئاب والشعور بالأسى والشعور بالألم النفسي، وهذا له تبعات سلبية كثيرة جدا.

الذي أود أن أنبهك إليه الآن، وأعتقد أنه ضروري جدا: ممارساتك الآن تدل على أنك تعاقبين نفسك في أخطاء لم تكوني أنت مسؤولة عنها مائة بالمائة: (محادثاتك مع الشباب، عدم الالتزام القاطع، التفكير في الانتحار، الموقف السلبي نحو الزواج) هذه نسميها جلد الذات، وعقاب الذات، وأريد أن ألفت نظرك لهذه النقطة على وجه الخصوص، وهذه تتخطينها من خلال: أن تكوني إيجابية في نظرتك نحو الحياة، أنت لديك المقدرات النفسية والجسدية والوجدانية التي تجعلك تعيشين حياة طيبة وهانئة.

لا بد أن تكون لك رفقة طيبة، لا بد أن تجعلي لحياتك معنى، كوني فعالة، اجتهدي، -الحمد لله- أنت تحصلت على درجتك العلمية، وسعي من آفاقك المعرفية، اتقي الله في كل شيء، وهذا هو الذي يفيدك، وأسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح.

أنا أرى أيضا أنه سيكون من المفيد جدا لك أن تراجعينا في العيادة النفسية - إذا كان ذلك ممكنا - في قسم الطب النفسي في مؤسسة حمد الطبية، وإذا لم يكن ذلك ممكنا يمكنك أن تتحصلي على أحد الأدوية البسيطة التي تزيل آثار ما نسميه (عصاب ما بعد الصدمة)، فالحالة النفسية التي تمرين بها من عسر في المزاج، وتوترات ومشاعر سلبية ناتجة مما حدث لك سابقا.

من الأدوية الممتازة عقار يسمى (لسترال) واسمه التجاري الآخر (زولفت) ويسمى علميا باسم (سيرترالين)، الجرعة المطلوبة في حالتك هي نصف حبة – أي خمسة وعشرين مليجراما – يتم تناولها ليلا، استمري عليها لمدة أسبوعين، بعد ذلك اجعليها حبة كاملة ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة ليلا لمدة شهر، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات