ابتليت بضعف الهمة وقلما أنجز عملا للنهاية..

1 283

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

أما بعد: فأحييكم على الخدمات التي تنفعون بها المسلمين، وأسأل الله عز وجل أن ينفعكم بها يوم لقائه.

عندي يا فضيلة الشيخ مشكل نفسي، وهو أني لا أجد في نفسي عزما وهمة كبيرين على إنهاء أي شيء، فإني -مثلا- إن بدأت عملا ما وشارفت على إنهائه، تركته إن وجدت فيه شيئا من العراقيل، حتى في الكتب، قلما أنهيت كتابا في حياتي، ولو بقي فيه صفحات قليلة، وهكذا الحال في كل أمور دنياي أو التطوعات في ديني، حاولت أن أحارب هذا المرض لكني أفشل دائما.

أريد أن أعلم فضيلتكم أن الله قد حباني بقدرات عقلية جيدة، حيث أفهم بسرعة وأجد في نفسي أمورا لا أدري كيف تعلمتها -وكل من عند الله- حاشا لله أن أنسب شيئا لنفسي، لكن يحزنني أني لا أستطيع أن أوظف هذه النعم، فأرجو من فضيلتكم أن تشرحوا لي ما مشكلتي وما حلها؟

وجزاكم الله كل الخير على مجهوداتكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أيوب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يجعلك من ذوي الهمم العالية، وأن يوفقك لطلب العلم الشرعي، وأن يعينك على إدارة نفسك واتخاذ القرارات المناسبة والصائبة في الوقت المناسب، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك - ابني الكريم الفاضل – من أنك تعاني أو تجد في نفسك فتورا كبيرا عن إنهاء أي شيء، وقد ضربت على ذلك مثلا بالقراءة على سبيل المثال أنك كلما بدأت في قراءة كتاب فإنك لا تتممه، وكذلك إذا بدأت في عمل وشارفت على إنهائه تركته، وهذا سبب لك إشكالا نفسيا عظيما، وترتب عليه تفويت مصالح كبيرة بالنسبة لك، رغم أنك تتمتع بسرعة في الفهم، وتميز في أمور كثيرة متعددة متنوعة.

أقول لك - ابني الكريم الفاضل – إن هذا الذي تعاني منه قد يكون سببه التربية الأولى، فإن الواحد منا يتأثر ببيئته تأثرا شديدا، حتى إنه إذا عاش في بيئة أهلها يتمتعون بهمة عالية فإنه يقتبس منهم هذه الأشياء، وإذا عاش في أسرة أهلها قد ابتلوا بالهمة الضعيفة وعدم وضعف العزيمة فإنه يصاب بذلك أيضا، فقد يكون ذلك - كما ذكرت لك – أمر من أمور التربية، وأنا أكاد أرجح هذا الأمر، أن البيئة التي نشأت فيها لم تكن فيها تلك الهمم العالية واضحة، قد تكون فيها همم عالية ولكنها ليست واضحة بالنسبة لك، مما ترتب عليه أنك لم تتعود حسم الأمور واتخاذ القرارات والحرص على تنفيذها في الوقت المناسب.

وقد يكون ذلك سبب نفسي داخلي، كأن تكون (مثلا) قد أصبت ببعض الأمراض النفسية التي تجعلك تتردد في اتخاذ القرار، ولكن في العموم - بارك الله فيك – الأمر سهل ميسور - بإذن الله تعالى -.

أول شيء أنصحك به: أن تحاول أن تدرب نفسك في أشياء بسيطة وسهلة، بمعنى: بدلا من أن تقرأ كتابا صفحاته مائة صفحة اقرا كتاب صفحاته عشرين صفحة أو عشر صفحات، وحاول أن تصر على قراءته، وأن تنتهي منه، لأن هذا قد يستغرق منك نصف ساعة أو ساعتين، ولكن ستشعر بأنك حققت انتصارا.

كذلك أيضا من الممكن أن تدرب نفسك (مثلا) على أشياء أخرى عملية، كأن تقول (أنا سوف أذهب لزيارة جدي أو عمي أو خالي أو صديق لي في الساعة الفلانية) وتحرص فعلا على ذلك وأن تذهب لزيارة أحدهم.

كذلك أيضا كأن تصر على أن تقوم من النوم (مثلا) في الساعة الفلانية وتضع (مثلا) ساعة منبهة، فإذا ما رن جرس المنبه قمت فورا.

هذه عوامل تعينك - بإذن الله تعالى – على القضاء على هذا التردد وعلى ضعف الهمة، هي أمور بسيطة ولكنها تشجعك، لأنك في حاجة إلى أن تخوض تجربة ناجحة مرة بعد مرة حتى تتعود وتتمرس على هذا الأمر.

ثانيا: أنصحك ألا تأخذ (مثلا) أكثر من قرار في وقت واحد، بمعنى أنك تريد أن تقرأ كتاب كذا وكتاب كذا وكتاب كذا، أو أن تذهب لكذا وكذا وكذا، ولكن اجعل دائما أمامك قرارا واحدا تسعى في تنفيذه، فمثلا تقول (أنا أريد أن أقرأ الكتاب الفلاني) ولا تنظر في غيره، لأنك إن قرأت غيره أو فتحت غيره معه فإنك بذلك تشتت تفكيرك.

فإذن عليك - بارك الله فيك – باتخاذ قرار واحد وأن تجتهد في تنفيذه فقط، ولا تنظر في غيره حتى لا تتراكم عليك الأمور.

ثالثا: أتمنى أن تبحث لك عن صحبة صالحة من ذوي الهمم العالية، من هؤلاء الشباب الملتزمين الذين يحافظون على الفرائض والنوافل، والذين (مثلا) لديهم صيام تطوعي كبير أو موسع، ولديهم (مثلا) قراءة القرآن الكريم وقراءات من الكتب، وحاول أن تعيش معهم في ذلك، لأن الصحبة الصالحة أو صحبة ذوي الهمم العالية ترفع من همتك.

رابعا: أتمنى أن تقرأ كتاب في علو الهمة، لعلك تحتاج إلى بعض المهارات التي تعينك على علو الهمة، وهناك كتاب يسمى بـ (علو الهمة) للدكتور محمد سعيد المقدم، وأعتقد أنه قد يكون موجودا لديكم، أو تستطيع أن تحصل عليه من الإنترنت، اقرأ كيفية وصول الإنسان إلى علو الهمة، وكيف يستطيع أن يعالج عوامل ضعف الهمة أو سقوط الهمة.

كذلك أيضا عليك بالدعاء والإلحاح على الله تبارك وتعالى أن يزيد الله من همتك، وأن يقوي من عزيمتك.

كذلك أيضا أنصحك بالاستخارة قبل أن تبدأ الشيء إذا كان الشيء مهما أو كبيرا، استخر الله تبارك وتعالى فيه، وانطلق فورا ولا تتردد.

كذلك أوصيك أن تقرأ عن سير الصالحين والصحابة الكبار الذين غيروا وجه التاريخ، والعلماء العظام الذين استطاعوا فعلا أن يثبتوا وجودهم على صفحة تاريخ العالم، وما زال الناس يدينون لهم إلى اليوم بأنهم أصحاب هذه الإنجازات وتلك الابتكارات.

كذلك أيضا أتمنى – ولدي الكريم أيوب – أن تعلم أن الوقت أعظم ما تملك، فهو من ذهب كما يقال بل أفضل من الذهب، فحافظ عليه قدر الاستطاعة، ولا تحاول إهداره أبدا، فإن الوقت أثمن ما منحك الله تبارك وتعالى إياه في هذه الحياة بعد الإيمان، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) وجاء في الأثر: (اغتنم خمسا قبل خمس) ومنها: (فراغك قبل شغلك) فحاول ألا يضيع وقتك هباء منثورا مطلقا.

اجتهد في أن يكون لك في كل وقت عمل مفيد وعمل نافع وعمل رائع، سواء أكان ذلك يتعلق بدينك أو دنياك.

حاول أن تطور مهاراتك أيضا الأخرى التي أكرمك الله تبارك وتعالى بها.

اجتهد في ألا تصاحب أهل الفتور، فإنك لو صحبت ضعاف الهمم سوف تتأثر بهم. رجل لا يصلي في جماعة (مثلا) عندما تمشي معه ستهون عليك صلاة الجماعة. إنسان لا يقوم الليل، أو ليس لديه صدقات أو ليس لديه قراءة القرآن، عندما تمشي مع هؤلاء سوف تصاب بنفس ما هم عليه. طالب لا ينجح إلا بصعوبة فهذا أيضا عندما تمشي معه تصاب بنوع من التراخي، ولكن عليك أن تمشي مع الطلبة المتميزين المبدعين الذين يحصلون على أعلى الدرجات لتعرف كيف يذاكرون وكيف ينظمون أوقاتهم ويحافظون على واجباتهم وغير ذلك من الأمور.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات