تابع .. بين الوسطية والتشدد في تعامل الشباب مع الفتيات

0 632

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

كنت قد استشرتكم من قبل في الاستشارة رقم (2153136) وأفدتموني بالمفيد، جزاكم الله عليه خيرا، ولكني طرأت علي تساؤلات وأشياء تشوش علي فكري، وكلها تحوم في الاتزان والتوسط في العديد من الأمور.

فمثلا: الحمد لله أنا متفوق دراسيا، وعلى خلق حميد مع الجميع، وأعتني بمظهري دائما، ولكن أجد نفسي في مشكلة: إذ أنني لا أرغب في العلاقات العاطفية، ولا التعامل غير المبرر مع الفتيات، وهذه العوامل تسبب لي ما أتحاشاه من مراقبة الفتيات، ورغبتهن في التعامل معي، وحتى الرغبة في علاقة عاطفية، وحين أحاول صد الأمر بطريقة لطيفة أشعر بسوء بعد ذلك؛ لأنني ألاحظ علامات الغضب وعدم الرضا، وأشعر بأن هذا تعنت مني يصور صورة سيئة عن الإسلام.

وبعد ذلك أجد صعوبة في التعامل مع الفتيات حين تلزمنا الأمور؛ إذ يؤخذ الأمر بصورة شخصية، وتعرفون التعليم الجامعي المختلط يجبرك على التعامل مع الفتيات، من إجراء بحوث وغيرها من الأنشطة.

قال لي أحد أصدقائي: إنه إذا لم تكن ترغب بالتعامل مع الفتيات والعلاقات العاطفية، فلماذا تتفوق دراسيا، وتتعامل مع الناس بأريحية؟! ويلاحظ أصدقائي أن الفتيات حين يمررن بنا يبدأن بالإشارة إلي، وإن مررت بإحداهن وقد كانت تتعامل مع أحد أصدقائي بصورة ما، يختلف تعاملها بعدها حين تدرك وجودي.

وقال صديقي: إنه إذا لم تكن تصرفاتي كما أفعل، فلن تكون لدي مشكلة؛ إذ أنني كالفخ أظهر بضاعتي ثم لا أتعامل وفق رغباتهم وما يأملونه.

ذكرت في الاستشارة السابقة: أنني أعجبت بإحدى الفتيات، وكتمت الأمر في نفسي، ولم أحاول التقرب منها ولا غيره، ولكن أحد أصدقائي أدرك الأمر، ورأى كأنني خجل منها -وهذا أيضا مما يلبس الأمور علي، إذ إنني فعلا لدي خجل بسيط من التعامل مع الفتيات- فقام صديقي هذا بإحضار الفتاة وقال: هذه فلانة بنت فلان، ولأنني غضبت من صديقي تلك اللحظة أجبت بجفاء شديد: أعرف حتى دون النظر للفتاة، ولاحظت أنها استاءت وذهبت، ووقعت أنا مجددا في سؤالي: هل ما فعلته الآن وسطية؟

أحس أنني أطارد سرابا برغبتي في تصوير الوسطية، إذ إن الصورة التي يتداولها الناس شيئان: إما ملتزم غامق الملابس والفهم، متدني دراسيا، ووحش مرعب للفتيات، أو المتفوق المتعاون مع الجميع، والذي يتساهل في أمور الدين و"لايعقدها" على قول الشباب.

أتعامل مع الشباب أيضا في المباحات بأنواعها، ولكن حين يبدؤون في الخروج عن المباحات وأحاول الاعتذار عن الخوض معهم تبدأ عبارات السخرية: الشيخ لا يعجبه الكلام، وغيرها من العبارات، ليس فقط في الجامعة بل حتى في الحي، والمناسبات، أحس بفرق تعامل الناس معي.

فمثلا: حين لا أتوسع في التعامل مع الفتيات من قريباتي، وتلاحظن ذلك، تقول لهن والدتي: تعرفون الملتزمين، وحتى إحدى قريباتي حين لاحظت أن تعاملي معها وحواراتي معها في أمور مشتركة نهتم بها، بدأت تفسره كعلاقة عاطفية، فبدأت أوقف الأمر وأحسست حينها بإحساس سيئ أيضا.

أحس أنني أطارد سرابا فعلا، وأنه أصبح من المستحيل التعامل بالوسط.

أجيبوا على هذه الأسئلة إذا تكرمتم:

1- إذا كان أكثر الناس ضالين فما الفائدة من محاولة تحقيق الوسطية معهم، إذا كانوا لا يرون المتع إلا في الضلالات، وينبذون الالتزام مهما حاول أحد تقديمه بصورة جيدة؟

2- إذا كان التفوق والمظهر الجيد، والتعامل الحسن هو: ما يفتن بعض الفتيات فهل علي إثم فيه؟

3- كيف أصلح مواقفي التي يفهمها الناس بصورة خاطئة عن الالتزام، وموقفي مع الفتاة المذكورة كيف أصلحه إن كان خاطئا؟

4- إعجابي بهذه الفتاة أهو إشارة لي بأن أسعى إليها، وأنها قد تكون زوجة المستقبل، أم أنني يجب ألا أهتم وأنساها فقط؟

أنا فعلا حائر في هذا الأمر، وهذه الأسئلة، ومعذرة على هذه الرسالة الثانية فلا أعرف غيركم قد يجيب على تساؤلاتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -ابننا الكريم- في الموقع، ونشكر لك هذه المشاعر النبيلة، ونشد على يديك بضرورة الاستمرار على هذا الوضع والتعامل مع الناس بطريقة طبيعية، ولكن محكومة بضوابط هذا الشرع الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به، وسيعرف الشباب ويعرف الجميع والفتيات أن لك منهاجا، وأن لك طريقا تسير عليه، ولا شك أن الإسلام يباعد بين أنفاس النساء وأنفاس الرجال، وإذا اضطر الإنسان لأن يتعامل مع الفتيات؛ فينبغي أن يكون ذلك بأدب واحتشام، وبالقدر المطلوب، مع غض للبصر، ولكن ليس معنى ذلك أن يقابل بجفاء ويقسو في كلامه، ويقسو على الفتيات أو على الشباب، ولكن ينبغي أن يكون كما يقال: (بالسهل الممتنع) بعبارات واضحة، ونبرات واثقة، ومعاني تنبع من ثوابت هذا الدين العظيم الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

ولا شك أن الشباب قد يضحكوا ويسخروا اليوم لكنهم في داخل أنفسهم يعرفون أنك على صواب، ويعرفون أنك على الحق، وحتى الفتيات يقدرن من يتعامل بهذه الطريقة العالية، فإن الفتاة ستكتشف أن الذي يضحك معها يخدعها، وأن الذي يريد أن يتكلم معها يريد قضاء وقت، وستنال عواقب ذلك، وينال هو أيضا عواقب ذلك في مستقبل حياته الدراسية أو العاطفية.

نشكر لك المحافظة على حسن الهندام وآداب الدين، وهذا هو الإسلام الذي يريد لأتباعه أن يكونوا كالشامة بين الناس في مظهرهم، في أدبهم، في أخلاقهم، في تفوقهم، في كل شأن من شؤونهم، فمن الذي ربط بين الوحشية وبين الإسلام؟ هذا فهم خاطئ، ونحن نريد أيضا أن نقول: بعض الناس يظن أن تدينه لا يكتمل إلا بتكشيرة (عبوس) الوجه، وإلا بالقسوة على الناس، مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم– كان ضحاكا بساما.

قيل لأبي ذر -وقد كان يكثر الضحك-: نخشى أن تذهب هيبتك؟ قال: لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم– ضحاكا بساما، وكان أعظم الناس هيبة) -عليه صلاة الله وسلامه-. وقال جرير بن عبد الله البجلي: (ما رآني رسول الله –صلى الله عليه وسلم– منذ أن أسلمت إلا تبسم في وجهي).

فنحن نريد أن نصحح المفهوم، نقول: الإسلام يريد للإنسان أن يكون في منتهى الظرافة، في منتهى الأدب، كذلك في منتهى الحشمة، في رعاية قواعد هذا الشرع الحنيف الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

وإذا أحسست أن هناك من يحرج فينبغي أن تبين له أن منزلتهم مرفوعة، أن مكانتهم غالية، أن مكانتهم عالية، ولكن هناك ضوابط شرعية لا بد من مراعاتها.

وإذا وجدت في نفسك ميلا إلى فتاة فليس لك إلا أن تطرق باب أهلها، وتحول هذا الإعجاب وهذا الميل إلى علاقة شرعية محكومة بقواعد هذا الشرع، وهو ما يسمى بـ (الخطبة)، أما قبل ذلك فأي توسع في الكلام هذا توسع مع امرأة أجنبية لا تحل لك، والخلوة بها محرمة؛ لأن الشيطان هو الثالث، والتوسع معها في الكلام ممنوع؛ لأنه يجر إلى ما بعده.

نسأل الله أن يعينك على التمسك بآداب هذا الدين، ونحن في زمان نستطيع أن نقول: (القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر)، لا يضرك ما يقوله الناس إذا رضي عنك رب الناس، واعلم أن هؤلاء الذين يضحكون أو يسخرون ينظرون إليك كقمة، وبعضهم يسيئه ويتألم لأنه يرى شرفاء، وهو فاقد لهذا المعنى، فيريد أن يلوث هذا، أو يريد أن يظهر مثل هذه الكلمات، ولكن عليك بتذكر آيات المطففين: {إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون * وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين * وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون * وما أرسلوا عليهم حافظين * فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون * على الأرائك ينظرون}.

فعليك بالثبات، واعلم أن الإنسان يكون أمة وحده؛ بتمسكه بآداب وأحكام هذا الشرع الحنيف الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به، وستجد في الفتيات أيضا من تميل إلى الحشمة وتبتعد عن الرجال.

وعلى كل حال إذا وجدت ميلا إلى فتاة فالشاب ليس له إلا أن يحول هذا الميل إلا إلى علاقة شرعية معلنة، أما العلاقة في الخفاء، أما العلاقة لقضاء وقت، أما التوسع في الضحكات والجلسات هذا لا يرضاه هذا الدين الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.

نسأل الله لك التوفيق والهداية والثبات، وأن يعينك على الخير، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مواد ذات صلة

الاستشارات