هل أحلام اليقظة تغضب الله؟ وكيف أخفف منها؟

0 862

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أود أن أشكركم على هذا الموقع الأكثر من رائع، والذي أفادني، ومما لا شك فيه أنه أفاد إخواني وأخواتي أيضا، وجعله الله في ميزان حسناتكم، وجمعنا بكم في الفردوس الأعلى من غير حساب، ولا سابق عذاب.

أنا فتاة عمري 17 عاما، مشكلتي أني أعاني كثيرا من أحلام اليقظة، فأنا لا أنفك أحلم وأتخيل، والغريب أن هذه الأحلام تراودني أكثر عندما أهم بالخلود إلى النوم، فأنا أتخيل مثلا فتى من نسج خيالي، وأتخيل أنه يحبني أو أننا تشاجرنا مثلا، هذا الشيء يؤرقني كثيرا، ولا أعلم إن كان يرضي الله أم لا، أنا حائرة ولا أريد أن أكون هكذا، أريد أن يمتلئ قلبي بحب الله، ولا أريد أن يغضب الله علي.

آسفة للإطالة عليكم، أتمنى أن تجيبوني، وجزاكم الله كل خير، ونفع بكم الأمة الإسلامية.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ asma حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يجعلك من الصالحات القانتات، وأن يصرف عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يوفقك في دنياك وآخرتك، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك -ابنتي الكريمة الفاضلة–، فإن أحلام اليقظة في مرحلتك السنية هذه أمر طبيعي، هذه المرحلة من مراحل الشباب تتسع فيها دائرة أحلام اليقظة جدا، حتى إنها لتكاد أن تصل إلى استغراق الوقت كله، وجود أحلام اليقظة علامة صحية، أما الإكثار منها فيحتاج إلى نوع من المقاومة، لأنها قد تضيع عمرك كله فيما لا يعود عليك بالنفع لا في أمر دينك ولا دنياك، فبعض الناس قد يستمر لساعات طوال وهو مستغرق في أحلام اليقظة، وبعد أن ينتهي منها يشعر بأنه مستريح، لأنه حقق في نومه ما لا يستطيع أن يحققه في اليقظة والحقيقة، ومن هنا فإن أحلام اليقظة هي كما ذكرت هي نوع من التنفيس عن نفسية الإنسان، خاصة إذا كانت لديه أمور لا يستطيع أن يحققها في الواقع، فإنه يلجأ إلى أحلام اليقظة ليحقق ما يريده وما يتمناه بسهولة ويسر.

بعض هذه الأحلام قد تتحول إلى واقع، وقد تتحول إلى حقيقة، ولعل كثير من العلماء العباقرة بدأت عبقريتهم بنوع من أحلام اليقظة الذي صار واقعا، وأصبح نافعا للناس جميعا، فمعظم المخترعين الكبار كانوا يعيشون أحلاما يقظة موسعة، ولكنها كانت مفيدة وهادفة.

أما الذي أنت تتكلمين عنه الآن فهو نوع من أنواع التلبيس، فإنك الآن تنسجين من خيالك فتى تحبينه ويحبك، ويحدث بينك وبينه ما يحدث في الحياة العادية من المحبة والمودة، والقرب والبعد والخلاف وغير ذلك، وهذا في الغالب يكون متناسبا مع سنك، إلا أني أتمنى ألا تستمري في هذه الأحلام كثيرا، لأنها قد تضر بمستقبلك، وفعلا قد تؤثر على علاقتك بالله تعالى، لأنك تقضين أوقاتا في غير ما فائدة، المهم أنك كأنك تتخاطبين مع نفسك وتعيشين في داخل نفسك حياة وردية بعيدا عن المشاكل، ثم بعد ذلك تصطدمين بالواقع، لتجدي أن ساعات طوال قد مرت من حياتك دون أي فائدة تذكر، ولذلك أقول: لا مانع من وجود أحلام اليقظة، ولكن ينبغي أن تحددي لها حدا معينا، بمعنى أن تكون ساعة أو ساعتين، أما أن تستمر أكثر من ذلك فأرى أن ذلك خطرا، وأن تكون في أشياء هادفة مفيدة.

وعليك للتخلص من الآثار المترتبة عليها خاصة عند النوم –كما ذكرت–، فعليك بالمحافظة على الوضوء قبل النوم، كذلك المحافظة على أذكار النوم، وأن تنامي على شقك الأيمن، وأن تظلي تذكرين الله تبارك وتعالى حتى تغيبين عن الوعي، بذلك -إن شاء الله تعالى– سوف تجدين نوعا من السكينة، ونوعا من الطمأنينة في نومك، وأيضا ستكونين أكثر على مقاومة تلك الأحلام في اليقظة، فهي قد تتحول إلى حالة مرضية إذا أطلقنا لها العنان ولم نقف في وجهها، هي مفيدة عندما يعاني الإنسان من بعض الكبت في واقع الحياة، أو عندما يعجز عن تحقيق بعض الأمور، أما لو زادت عن حدها فإنها تعتبر حالة مرضية، خاصة وأنها تضيع بعض العبادات والطاعات.

فيما يتعلق بالحل والحرمة، فهي ليست حراما، لأنها نوع من حديث النفس، ولكن الحرام فيها إنما هو تضييع الوقت بلا أي فائدة، وقد يكون هذا وقت صلاة، أو كان من الممكن أن نستغل هذا الوقت في شيء نافع في قراءة القرآن، أو الأذكار أو الدراسة أو المذاكرة أو غير ذلك، أو طلب العلم الشرعي، أو التركيز على التميز العلمي، فهي في هذه الحالة قد يكون هذا خطرها، أما كونها هل هي حرام أو حلال؟ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم– قال: (لا يؤاخذكم الله بما حدثتم به أنفسكم) وهذه نوع من حديث النفس، فليس فيها شيء من ناحية الحرمة، ولكن كما ذكرت خطرها أنها تشغلك عن ذكر الله تعالى، وعن الصلاة، وعن الأشياء المهمة التي أنت في حاجة إليها.

إذا -بارك الله فيك– أتمنى أن تضيقي مساحتها، وأنت قادرة على ذلك، لأنها فقط تحتاج إلى قرار، وحاولي، في الأول قد يكون الأمر فيه بعض المشقة، ولكن مع تكرار المقاومة -بإذن الله تعالى– سوف تتحسن حالتك، وسوف تضيقينها إلى أبعد حد، حتى لا تعطل حياتك، ولا تؤثر على علاقتك مع الله تعالى، أو علاقتك مع نفسك، أو المجتمع.

أسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يحفظك بما يحفظ به عباده الصالحين، إنه جواد كريم، هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات