أكره أبي وأخاف من العقوق، ساعدوني

0 723

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكلتي أني أعاني من برود في المشاعر تجاه أبي، ولا أشعر بأنه أبي، وهذا أثر على علاقتي به، فعلاقتنا سطحية جدا، أسلم عليه عند قدومه، وأجلس معه صامتة فلساني يربط عن الكلام معه، وأثر علي نفسيا، فكنت أبكي بكاء شديدا لدرجة أني أشعر بضيق تنفس، وتراخ في الأعصاب، ودخلت في حالة اكتئاب ويأس، ووصل الأمر بي أن فكرت في الانتحار، وبالفعل أقدمت عليه ووقفت أمام شاحنة، لكني أسرعت في اللحظة الأخيرة ونجاني الله، وأثر هذا علي فتدهور مستواي الدراسي، مع العلم أني –الحمد لله- متفوقة، ومن أوائل مدرستي.

وأثر علي دينيا، فدخلت في حالة يأس وقنوط، وقلت لنفسي أني أصلي وأصوم وأجتهد في الطاعة، وكل هذا يتهدم ويضيع بعقوقي لأبي، وغلبني الشيطان فبدأت أنام عن صلاة العشاء، وأهجر القرآن لدرجة أن المصحف أمامي لا أريد إمساكه، ولا أريد أن أسمع صوت قرآن، وكرهت كل شيء، مللت من أهلي وفقدت شهيتي للطعام والشراب، وأتناول الطعام لكي لا أموت فقط لا أكثر، وأبي يضايقني كثيرا في الخروج من المنزل، والجلوس على الإنترنت وأمام التلفاز.

ونحن في الإجازة الصيفية هو مسافر، ولكن يأتي في الإجازة لشهرين، مرت علي هذه المدة وكأنها سنتين، وكنت في أول الأمر عندي برود تجاهه، لكني الآن أصبحت أكرهه، وأشعر باختناق وضيق عند رؤيته، وهذا بعد أن ضربني ضربا مبرحا من سنتين ولا زالت آثاره في يدي، والمشكلة أني أعرف أني مقصرة وعاقة، لكني لا أستطيع فعل شيء، وتأنيب الضمير يقتلني، وإن سألت عن السبب لا يوجد سبب منطقي، فالتضييق هذا فعل كثير من الآباء، فهذا أعانيه منذ 12 سنة وأنا عمرى 5 سنين، وأحيانا يجلس أبي معي ويحدثني أني بعيدة عنه ولا أقول له كلمات عاطفية مثل (أحبك يا أبي، كيف حالتك الصحية؟)، فالتعامل بيننا رسمي، ولا أعرف أن أقول له مثل هذا، لأن قلبي خال من المشاعر، وفاقد الشيء لا يعطيه.

أريد خطوات عملية أغير بها ما في قلبي، وأبر بها أبي فأنا خائفة جدا من العقوق، وقلبي يتقطع لأنها مسألة جنة أو نار، فالرجاء ساعدوني لأني يمكن أن أموت من الحرب النفسية بداخلي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ألاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، كما نسأله تبارك وتعالى أن يوفقك، وأن يشرح صدرك لمحبة والدك وإكرامه والإحسان إليه، وأسأله جل وعلا أيضا أن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة، وأن يوفقك في كل أمورك.

وبخصوص ما ورد برسالتك -ابنتي الكريمة الفاضلة–، فإن قضية التعلق القلبي والميل العاطفي مسألة لا يملكها الإنسان، لأن القلوب مملوكة لله تعالى وحده، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء)، أعرف شخصا محترما ملتزما جدا، ولكن ما أن أراه، حتى أشعر بنوع من الكراهية له، رغم أنه لم يسئ إلي إساءة واحدة، ويقبل علي إقبالا عظيما، إلا أني أتعجب من هذا الأمر، ولكن أعلم أن له تحليلا، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم– أخبرنا بقوله: (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف).

لذا فإن الميل القلبي تجاه أي طرف، سواء أكان من أصحاب الحقوق الشرعية الكبرى -كالوالدين أو غيرهما– هذه بيد الله تعالى، وأحب أن أبين لك أن كون الإنسان لا يشعر بعاطفة حب وشوق تجاه والديه ليس معناه أنه عاصي، وإنما متى يكون الواحد عاقا أو عاصيا؟ إذا فعل أشياء تسيء إلى الطرف الآخر، كأن يخالف أمره ولا يطيعه ولا يستمع إلى كلامه، ولا يستجيب لرغباته المشروعة، هذه هي الأمور التي يكون فيها العقوق، فإذا ما طلب منك الوالد طلبا وأنت قادرة على فعله ولم تفعلينه تكونين عاقة في هذه الحالة، إذا ما نهاك الوالد عن شيء وكان نهيه مشروعا وفي محله، ولم تلتزمي به ولم تنتهي، فأنت بذلك عاقة وعاصية لله ولرسوله.

فإذن العقوق هنا مخالفة الأوامر المشروعة، أما الميل القلبي هذا، هذا خارج عن سيطرة الإنسان وإرادته وقدرته، ولذلك جعله الله تبارك وتعالى خارج هذا الإطار، إلا أنه ثبت عمليا أن الكراهية تؤدي إلى النفور، وأن النفور يؤدي إلى البعد والتجافي، وقد يؤدي إلى العقوق، وقد يؤدي إلى تنفيذ بعض الطلبات بنوع من التأفف والتبرم وعدم الراحة، ومن هنا فتأتي مشكلة القلب، لأن القلب هو غرفة العمليات التي تتحكم في تصرفات الجوارح كلها، فهذه الكراهية كما ذكرت أثرت عليك تأثيرا شديدا، حتى أصبحت تكرهين رؤيته، وتشعرين بالاختناق وضيق الصدر عند رؤيته، خاصة وأنه قد ضربك منذ سنتين ضربا مؤلما ما زالت أثاره في يدك، أيضا إلى غير ذلك.

هذا كله إنما هو عامل من عوامل تقوية النفور والكراهية، إلا أن المطلوب بداية منا –ابنتي آلاء– إنما هو الطاعة الظاهرة، بمعنى أن نطيع، وأن أستمع إلى الكلام، وأيضا أن أحاول في مقاومة الكراهية الموجودة، بمعنى أن أسأل الله تبارك وتعالى أن يخرج كراهية أبي من قلبي، وأدعو الله تبارك وتعالى بصدق ويقين، لأن الحب يعني التضحية ويعني البذل، أما البغض يعني الجحود والبخل والنفور، أنت الآن تشعرين بذلك كما ذكرت.

فإذن عليك كما ذكرت لك –ابنتي الفاضلة– أن تجتهدي في طاعته قدر استطاعتك في كل ما يأمر به، هذا أولا.

ثانيا: توجهي إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء أن يشرح الله صدرك لمحبة والدك، وأن يسكن قلبك محبة والدك، وأن يجعله مقدما لديك على غيره، وأن يعينك على بره وإكرامه والإحسان إليه.

حاولي بالدعاء وحاولي أيضا بالتصرف، ولو أن تضغطي على نفسك في بعض الأحايين، لأنك كما ذكرت أنت لا تجدي سببا وجيها لهذا الهجر ولهذه الكراهية، لا يوجد هناك سببا معتبرا أو قويا، كونه ضربك منذ سنتين، قلما يضرب والد ولده أو أولاده، كونه يمنعك من بعض الأمور التي فيها خطر بالنسبة لك، أيضا هذا أمر كما ذكرت أنت ليس فقط من صفات والدك، وإنما هو من صفات الآباء الحريصين على مستقبل أبنائهم، خاصة وأن والدك مسافر ولا يأتيكم إلا في الإجازات لمدة شهرين، معنى ذلك أنه لمدة عشرة أشهر وأنت تعيشين وحدك. لعل تدخل والدك في حياتكم في فترة الإجازة بصورة كبيرة يؤدي أحيانا إلى بعض النفور، لأنك أنت وإخوانك ووالدتك تعودتم حياة بطريقة معينة، وعندما يأتي الوالد يريد أن يسير الأمور بطريقته، فيصطدم مع عواطفكم ومشاعركم ورغباتكم، ومن هنا تنشأ هذه النفرة التي تكلمت عنها، وإني فعلا أعلم أناسا يكرهون زيارة الآباء لهم، فيظل الأولاد والأسرة مستريحة فترة غياب ولي الأمر عنهم، فإذا جاءهم تراهم متوترين، وليسوا مستريحين، لأنه يريد أن يتدخل في كل شيء، وأن يقيد كل شيء، وهم قد ألفوا الحرية والتصرف برغباتهم.

هذا أمر لديك ولدى غيرك، وهذه من ضريبة البعد عن الأسرة، ألا أني أقول عليك بالدعاء والإلحاح على الله تعالى أن يرزقك محبة والدك، وأن يعينك على بره وإكرامه والإحسان إليه، واعلمي أن الشيطان بدأ يستغل هذه الفجوة التي بينك وبين والدك في إفساد علاقتك مع الله تبارك وتعالى، وفي إضعاف مستواك العلمي، فانتبهي -يا بنيتي– وحافظي على الطاعة قدر استطاعتك، حتى وإن لم تشعري بالرغبة في ذلك، ولكن قاومي وستنتصرين.

أسأل الله لك التوفيق والسداد، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات