كيف أعرف أن الله قبل توبتي، وقد تبت من الذنب؟

1 826

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

أنا فتاة عمري 31 سنة، ولدي عدة أسئلة تتعلق بالتوبة النصوحة والتي قرأت الكثير عن شروطها، وقد كنت قد أخطأت في حياتي كثيرا، أرجو أن تدعو لي بالمغفرة.

وأسئلتي هي:
1- كنت أنوي الزواج من رجل متزوج، لكن الموضوع قوبل بحرب من قبل زوجته، وقد حصلت تجاوزات بيني وبينه، فهل لزوجته حق عندي يستدعي أن أطلب منها أن تسامحني، وإلا فلن تقبل توبتي أم أنها أذنبت أيضا لأنها برفضها أدت نوعا ما لحدوث تلك التجاوزات؟

2- قرأت أن من شروط التوبة النصوحة أن يتوب الإنسان، ونيته فقط الخوف من الله -تعالى-، أنا أخاف من الله -تعالى- طبعا، لكنني أيضا أخاف من الفضيحة، فهل خوفي من الفضيحة سيمنع قبول توبتي؟

3- مما علمته أنه لا يجوز للعبد أن يقنط من رحمة الله، وعليه أن يصدق أن الله قبل توبته، كما قرأت أنه يؤجر العبد إن بقي ذنبه نصب عينيه، أفلا يوجد تعارض بين الأمرين؟

4- دائما أخاف إلا يسترني الله، فقد تزوجت الآن وحامل لكنني أيضا أشعر أنني خدعت زوجي، فهل أنا محقة بشعوري؟ والله أنني أحفظه منذ خطبت له، في ماله وعرضه وبيته وأنا زوجة صالحة له.

5- أنا ربة منزل فليس لدي ما أتصدق به ولا أخرج إلا مع زوجي، كما أنني حامل ولا أستطيع الصوم، فماذا أستطيع أن أعمل من العمل الصالح مما يعينني على قبول توبتي؟

أرجوكم أن تطمئنوني هل سيفضحني الله بعد أن سترني؟ كيف أعرف أنه -جلا وعلا - قبل توبتي؟

مع جزيل الشكر، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ تالا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك -ابنتنا الفاضلة-، ونشكر لك هذه الأسئلة الرائعة جدا، ونؤكد لك أن الله هو التواب، ما سمى نفسه توابا إلا ليتوب علينا، ولا سمى نفسه رحيما إلا ليرحمنا، ولا سمى نفسه غفورا إلا ليغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، ونبشرك بأن من علامات قبول التوبة الاستمرار في الطاعات، والإكثار من الحسنات الماحيات، فإن الحسنات يذهبن السيئات، كما قال رب الأرض والسموات.

ونحب أن نؤكد أنك لست مطالبة أن تعتذري لأحد، ولكن عليك أن تتوبي إلى الله، وتستري على نفسك، ولا مانع من أن تجددي التوبة كلما ذكرك الشيطان، هذا الذي نريده، أن يبقى الذنب نصب العين، أن الإنسان كلما تذكر ازداد لله توبة ورجوعا وخضوعا وندما، هذا الذي يؤجر عليه، لكن ليس معنى ذلك أن يكتب الذنب أو يفضح نفسه أو يتكلم أنه وقع في ذنب، لأن هذه حيل دقيقة لعدونا الشيطان، فنحن نقول لكل تائب إلى الله راجع إلى الله -تبارك وتعالى-: إذا ذكرك الشيطان بالمعصية من أجل أن يوصلك إلى اليأس والقنوط فما عليك إلا أن تجدد التوبة، وتجدد الإنابة إلى الله، وعندها يتجدد الحزن والألم لعدونا، فإن هذا العدو يندم إذا استغفرنا، يحزن إذا تبنا، يبكي إذا سجدنا لربنا، ولأنه عدو فينبغي أن نعامله بنقيض قصده.

فلذلك هذا الذي يقصده الناس لما يقولون (الذنب يبقى نصب العين) ويقولون أيضا (رب معصية أورثت ذلا وانكسارا، خير من طاعة أورثت كبرا وافتخارا) وقالوا أيضا: (جالسوا التوابين فإنهم أرق الناس قلوبا).

ونحمد الله -تبارك وتعالى- أنك وفقت في المحافظة على فراش زوجك وماله وحياته، وليس هناك أحدا مسؤولا عن الملفات القديمة التي ينبغي أن تستري على نفسك فيها، وتحافظي على ما ستر الله -تبارك وتعالى- عليك، ونبشرك بأن الأمور تسير بطريقة طيبة، فاجتهدي في الوفاء بزوجك والقيام بحقه، واستري على نفسك، وإذا ذكرك الشيطان بالأخطاء أو بالتجاوزات فما عليك إلا أن تجددي التوبة والإنابة والاستغفار لله -تبارك وتعالى-.

ونؤكد لك أن هذا الحرص وهذا الهم وهذه الكتابة إلينا وهذا الدافع والدوافع النبيلة، كل هذا دليل على أنك تسيرين في الطريق الذي يرضي الله -بإذن الله-، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، ونتمنى أن تشتغلي بالذكر والتسبيح والإنابة، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر فقراء المهاجرين فقال لما قالوا: ذهب أهل الدثور بالأجور وبالدرجات العلى والنعيم المقيم، قال: (ألا أدلكم على شيء تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من فعل مثل ما فعلتم وزاد؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين) وقال أيضا: (ألا أدلكم على أفضل أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربون أعناقهم ويضربون أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: ذكر الله -تبارك وتعالى-).

فأنت -ولله الحمد- عندك هذا الباب الواسع، عندك النية الصالحة، فإن الإنسان إذا لم يكن عنده مال وصدق في نيته وقال (لو أن عندي مال مثل فلان لفعلت مثل فعله) كتب الله له الأجر كاملا بنيته، ولذلك أبواب الخير واسعة، فاشغلي نفسك بالذكر والتسبيح والتلاوة، وبالنية الصالحة، وبالحرص على طاعة الزوج، فإن هذا من أكبر القربات، وبالإحسان إلى أبنائك، فإن هذا من أكبر الطاعات، ونسأل الله أن يرفعك عنده درجات، وأن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه.

مواد ذات صلة

الاستشارات