مادام أن الله قد كتب كل شيء فلماذا الدعاء؟

0 356

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في البداية أود أن أشكركم على هذا الموقع الرائع الذي أفادني كثيرا في حياتي، وأقسم بالله أنه كان نقطة تغيير في حياتي، فجزاكم الله خيرا.

مشكلتي -أيها الأفاضل- هي الأفكار التي تأتيني بشأن القضاء والقدر، والتي تسبب لي إحباطا وضعفا في الإرادة، ولا أدري هل هذه الأفكار وساوس أما أنها نابعة من عدم فهمي الصحيح للقدر؟

فعندما أقول لنفسي مثلا: السنة القادمة بعد تخرجي من المدرسة -إن شاء الله- سأصبح داعية لدين الله، إلى جانب ممارستي لمهنة شريفة، فتأتيني فكرة أن الهداية هي بيد الله، إن شاء الله سيهديك، وإن لم يشاء فلن تهتدي أبدا، ورغما عنك ومهما فعلت، فيسبب ذلك لي إحباطا لعزيمتي بالعمل للمستقبل، وأصاب بالإحباط لأنني أشعر بأن القرار ليس بيدي، وأن الله قدر كل شيء، وأن القدر هو الذي سيحدد أفعالي، وليس أنا، فتصبح نظرتي تشاؤمية للمستقبل، وعندما أريد أن أتوجه لرب العزة بالدعاء، حتى يهديني أو يحقق لي أمرا ما، أقول لنفسي: لماذا تتعبين نفسك بالدعاء وكل شيء مقدر، ولا تغيير فيه؟

أرجوكم ثقفوني في هذا الأمر لأنه نغص علي حياتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا، ونحن نبادل ثناءك ودعاءك بالدعاء، فنسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته أن يوفقك لكل خير، وأن يسعدك في دنياك وفي آخرتك.

ونشكر لك -ابنتنا العزيزة- علو همتك وتطلعك بأن تكوني من الداعين إلى الله تعالى، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وهذا دليل على حسن في إسلامك وعلو في همتك، فإن وظيفة الدعوة إلى الله تعالى، وتعليم الناس الخير، من أشرف الوظائف وأعظمها نفعا للإنسان في دنياه وفي آخرته، وقد جاءت النصوص الكثيرة من القرآن والسنة في بيان فضيلة هذا العمل، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله وملائكته وأهل السموات وأهل الأرض حتى الحيتان في البحر ليصلون على معلم الناس الخير).

فنحن نشجعك على ذلك، وندعوك إلى الأخذ بالأسباب التي توصلك إلى ذلك المقصود.

أما ما سألت عنه في شأن قضية القدر: فإن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، ولا يصح إيمان العبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى، ولكن من المهم جدا أن يفهم المؤمن ما معنى الإيمان بالقدر.

الإيمان بالقدر معناه باختصار: أن يؤمن الإنسان بأن الله تعالى علم كل شيء، فإنه يعلم ما كان وما سيكون، وما هو كائن، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف سيكون، فلا يعزب عن علمه شيء، أحاط بكل شيء علما.

ويؤمن الإنسان بأن الله تعالى كتب ما علمه، فكل شيء عنده في كتاب، ويعلم ويؤمن أيضا بأن الله تعالى هو صاحب المشيئة النافذة، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ثم يؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيء، فنحن جميعا خلقه -سبحانه- ولا نفعل شيئا إلا بإذنه.

إذا آمنا هذا الإيمان فقد آمنا بالقدر الذي أراد الله تعالى منا أن نؤمن به، وهذا كله لا ينافي الأخذ بالأسباب، فإن الله تعالى جعل الأسباب مقدمة بين يدي المسببات، وجعل النتائج مبنية على مقدمات، فالأخذ بالأسباب لا ينافي الإيمان بالقدر، فإن ما كتبه الله تعالى غيب عنا نحن لا نعرفه ولا ندري ما هو الذي كتبه، ولكن الله تعالى تعبدنا وأمرنا بالأخذ بالأسباب، فعلى الواحد منا أن يأخذ بأسباب الخير وأسباب النفع، فإذا كان الله عز وجل قد قدره سيحصل، وإذا كان الله عز وجل لم يقدره فإن الإنسان يثاب ويؤجر على فعله من الأخذ بالأسباب الشرعية التي أخذ بها، فيثيبه الله تعالى على فعله، ويحجب عنه سبحانه وتعالى ما علم أنه ليس فيه خير له.

إذا فهمت هذا الفهم؛ سهل عليك تصور الأمر وأنك مطالبة بأن تأخذي بالأسباب، وهذه الأسباب ستكون وسيلة للوصول إلى النتائج، فجدي واجتهدي في تعلم ما ينفعك من أمر دينك، وستصلين بإذن الله تعالى إلى ما تتمنينه وترغبين فيه.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات