تبت من ذنوب كنت أفعلها لكن وسواس الموت والرجفة لا تتركني

0 420

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة بعمر 18 عاما، كنت أقترف ذنبين اعتبرتهما كبيرين، العادة الخبيثة، وإدمان المسلسلات الكورية، وقد دعوت الله أن يبعدني عنها وعن الحرام، قبل أسبوعين كنت أتابع مسلسلا دراميا وبه نوع من المقاطع السيئة، فهزني الموت هزا، وخفت وشعرت بوخز شديد بقلبي، وكلمات تتردد بعقلي: أتموتين على الحرام؟ فأطفأته وأصبحت بحالة رجفة وخوف، وقلت بخاطري (والله إنه لتحذير من رب العباد).

أعلنت التوبة والله من الحرام ومن كل ذنب، ولكن وسواس الموت لا يتركني، رغم علمي أنه الشيطان اللعين غضب بسبب رجوعي إلى الله ووسوس لي.

أفكر بالموت وبتوديع الناس، وأن الجميع يكلمني لأنه يعلم بموتي وأحسب الأيام والساعات، وأصبت بالأرق وفقد الشهية، والوهن، وأرتجف بشكل لا يصدق، واستمريت بالطاعات والتوسل بالمغفرة، وأشعر بالخوف من الموت لأني لم أعمل صالحا، وكيف أقابل الله؟ أستحي وأبكي كثيرا، فكيف أقابل من خلقني وأنا بهذه الحالة؟

رغم أني أصبحت أصلي النوافل، وقيام الليل والوتر والضحى، وأقرأ من القرآن والأذكار، وألهي نفسي مع الأهل والأحباب، إلا أنه لا يتركني بحالي، ويجعل قلبي يهز جسدي من قوة نبضه.

أريد حلا لي، وأريد أن أعرف إن كانت توبتي قد قبلت، مع أنني صرحت بأنني لن أفعل الحرام وأنا جادة بذلك، وتحدثت مع الله كثيرا وقد ارتحت، لم أعد أنا نفسي، حياتي تغيرت كثيرا، وأحيانا لا يأتيني الوسواس لكن قلبي ينبض بقوة وإن لم أفكر.

أعتذر عن الإطالة، فقد أتيت طالبة للنصح والموعظة، جعلكم الله من داخلين جنته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ميسم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك - ابنتنا الفاضلة -، ونحن في خدمة أبنائنا والشباب والبنات، ومهما طالت الاستشارة فإنها معبرة جدا، وهي - إن شاء الله تعالى – معبرة عن صدق التوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى، ونبشرك بأن الغفور ما سمى نفسه غفورا إلا ليغفر لنا، ولا سمى نفسه توابا إلا ليتوب علينا، ولا سمى نفسه رحيما إلا ليرحمنا، وهو يريد أن يتوب علينا، قال تعالى: {والله يريد أن يتوب عليكم} وقال: {ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما}.

احمدي الله الذي أعانك على التوبة والرجوع والانتباه، والاستيقاظ مما أنت فيه قبل أن يدركك الأجل، واحمدي الله تبارك وتعالى الذي فتح بصيرتك وهيأ لك الرجوع إلى الله، ونؤكد لك أن الشيطان يريد أن يوصل الإنسان إلى اليأس، يريد أن يجعل الإنسان مهموما مغموما حزينا، وهم هذا العدو - كما قال الله – أن يحزن الذين آمنوا، ولكن العظيم يطمئننا فيقول: {وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله}.

توجهي إلى الله، وإذا ذكرك الشيطان بالخطيئة بأنك كنت كذا وكذا، فاعلمي أن أبلغ رد عليه هو أن تشتغلي بالاستغفار وتجديد التوبة، فإن هذا العدو يندم إذا استغفرنا، يتأسف إذا تبنا، يبكي إذا سجدنا لربنا، فعامليه بنقيض قصده، وازدادي من الله قربا، وحاولي أن تتواصلي مع أسرتك ومع الصالحات، وتوجهي إلى رب الأرض والسموات، واعلمي أنك على خير كثير، وحاولي المحافظة على أذكار الصباح والمساء، وقراءة الرقية الشرعية على نفسك.

اعلمي أن هذه سحابة صيف توشك أن تنقشع بالتوكل على الله، بالاستعانة به، باللجوء إليه، بإدراك كيد الشيطان الذي يريد أن يوصل الإنسان لليأس والإحباط، ولكن المؤمنة لا بد أن تدرك أن ذنوبها لو بلغت عنان السماء، ثم لقيت ربها العظيم لا تشرك به شيئا، غفر الله لها ذلك إذا هي تابت وأنابت ورجعت إليه، لأن الله يقول: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} بل يغفر لمن أشركوا به إذا هم رجعوا إليه، قال تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}.

بل إن الله تعالى دعا عباده كلهم إلى التوبة والرجوع إليه بقوله: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}. بل الرحيم دعا اليهود والأعداء والأشقياء فقال: {أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم}، بل إنه تعالى يبدل سيئات التائبين حسنات، فقال: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما} والله يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) وقال: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون).

هنيئا لك بهذه التوبة، وأبشري بتوبة التواب، وبرحمة الرحيم، واعلمي أن العظيم يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه، وهذا دليل على كرم ربنا الرحيم سبحانه وتعالى، فأبشري بهذه التوبة وبهذا الرجوع، وأبشري بهذه المشاعر الجياشة التي تدل على صدق التوبة - بإذن الله تبارك وتعالى -، ونكرر: إذا ذكرك العدو (الشيطان) بالماضي فجددي التوبة، وأشغلي نفسك بالحسنات، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وبهذه الطريقة يغتاظ هذا العدو، وسيتركك في نهاية الأمر إذا وجد عندك إصرارا على المضي في طريق التوبة والذكر والإنابة.

نسأل الله أن يتوب علينا وعليك، ونسأل الله لك السداد والثبات.

مواد ذات صلة

الاستشارات