أعاني من الوساوس والأفكار التسلطية... فما نصيحتكم؟

0 487

السؤال

السلام عليكم

نحن نسمع أن الوسواس القهري يصيب المؤمن والكافر، وليس كما يعتقد الناس أنه يصيب الكافر فقط، لكن هل الإيمان بالله يخفف الوسواس بخلاف الكافر أم ليس للإيمان أي علاج في تخفيف الوسواس؟

أنا أقصد بالوسواس وسواس الأفكار التسلطية، مثل الشك في حقيقة هذه الدنيا، والشك في الوجود نفسه، هل هو موجود أم لا؟ وهل الذرة والمادة موجودة أم هي نسج من الخيال؟

نحن نعلم أنه لو كان ملحدا ربما لم يستطع الإجابة على هذه الأسئلة بجزم، بخلاف المؤمن الذي يؤمن بوجود نفسه وبوجود هذه الأشياء إيمانا كاملا ولا يلتفت إليها، ويفوض أمره إلى الله.

الإسلام حث على العلاج المعرفي السلوكي، وهو التفكر في نفسه والكون، هل يعد مفيدا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ زمخ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع.
بخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – فإن الوسواس ينقسم إلى قسمين: الوسواس القهري المرضي، وهذا عام لجميع الخلق، فهو يصيب المسلم والكافر بلا تفرقة، والدليل على ذلك أن هناك آلاف المستشفيات النفسية في الغرب، رغم تقدمه وحضارته ورغم الوفرة التي يعيشونها، إلا أن هذه الأمراض أمراض نفسية لا علاقة لها بشيء آخر؛ ولذلك هذه شأنها شأن أي مرض من الأمراض التي تصيب الناس جميعا بصرف النظر عن أديناهم ومعتقداتهم.

أما الوسواس الشكي الذي يكون مصدره الشيطان، فأنت تعلم أنه ليس بعد الكفر ذنب، ولذلك هو عادة لا يتسلط على الكافر، لأن الكافر ليس لديه شيء يحرص عليه الشيطان، فأنت تعلم أن اللص لا يدخل إلا إلى الأماكن العامرة بالأشياء النفيسة، أما البيوت الخربة وبيوت الفقراء والمساكين فلماذا يدخل إليها اللص، فاللص عادة يحرص على سرقة الأثرياء والأغنياء.

الكافر فقير ليس لديه شيء، ولذلك لا يشككه الشيطان في شيء، لأنه ليس لديه شيء نفيس يحرص الشيطان على سلبه منه، أما المؤمن فإنه مما لا شك فيه أن الشيطان يركز عليه كل قواه ليضله ويغويه، ويشككه في كل شيء حتى في ثوابت دينه، لأنه يعلم أن المؤمن قلبه عامر بالإيمان، قلبه مليء بالجواهر والنفائس، ولذلك يحرص على أن يسرق هذه الأشياء.

يستعمل الشيطان للوصول إلى العبد المؤمن طريقا من اثنين: إما أن يسلط عليه الشهوات والمغريات كالوقوع في الحرام بأنواعه – كما لا يخفى عليك – وإما أن يسلط خطره وسمه كله على قلب العبد المؤمن، وذلك عن طريق الشبهات التي يثيرها للعبد المؤمن، شبهات - كما ذكرت أنت – في ذاته، شبهات مولاه جل جلاله سبحانه، شبهات في نبيه – عليه صلاة ربي وسلامه – شبهات في ثوابت الإيمان كالقرآن والسنة واليوم الآخر وغير ذلك.

يظل يستعمل هذه الوسائل للضغط على عقيدة العبد المؤمن، حتى يفسد علاقته بربه وسيده ومولاه، وهذا العبد المؤمن قطعا يكون على واحد من اثنين: إما أن يكون صاحب علم شرعي وصاحب فقه وفهم؛ فإنه بذلك يستطيع أن يغلق على الشيطان مداخله التي يدخل بها إلى قلبه، وإما أن يكون عاميا من العوام ليس لديه مسحة من العلم فقد يؤثر الشيطان فعلا في تفكيره وفي عقيدته وقد يزلزله وقد يشككه وقد ينال منه.


لذلك كما ذكرت: الله تبارك وتعالى –لأن هذا الدين قائم على الحق والعدل والصدق– أمر الناس أن ينظروا في ملكوت السموات والأرض، وأن يتأملوا في مخلوقاته سبحانه وتعالى، وأن ينظروا إلى الأدلة والبراهين التي نصبها على وحدانيته وعلى عظمته وقدرته جل جلاله، فكلما أمعن الإنسان النظر في تلك الآيات وحاول فعلا – كما ذكرت أنت – أن يسلك سبيل العلم والمعرفة فإنه بذلك سيخلص نفسه من هذه الأشياء، إن عجز فإن الله تبارك وتعالى أمرنا في مثل هذه الحالة أن نلجأ إلى أهل الاختصاص، فقال جل جلاله: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.

على الإنسان إذا لم يستطع أن يرد عن نفسه تلك الشبهات ألا يستسلم لها وإلا ضاع دينه وفسد عليه علاقته بربه ومولاه، ولذلك عليه في تلك الحال أن يلجأ إلى أهل الاختصاص، سواء كانوا من علماء الشريعة أو من الأطباء النفسانيين المسلمين الذين يستطيعوا أن يزيلوا هذه الشبه، وأن يخرجوها من قلب العبد المؤمن لتكون عقيدته صافية خالصة نقية قدر استطاعتهم، وقد ينجحوا في ذلك نجاحا كاملا، وقد ينجحوا نجاحا ناقصا، وقد لا يوفق الطبيب أو الأخصائي في إخراج تلك الشبهة فتظل عالقة في ذهن العبد كنوع من الابتلاء له، والأمر متروك لله سبحانه وتعالى جل جلاله.

لذلك كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) هذه دعوات علمنا إياها رسول الله - صلى الله عليه وسلم – والقرآن الكريم علمنا: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}.

أسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتنا وإياك على دينه، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.

مواد ذات صلة

الاستشارات