أصبت بفقد السمع فأصبحت انطوائياً وانغلقت على نفسي.

0 218

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب عمري 31 سنة، فقدت السمع منذ عدة سنوات، في البداية صدمت بشكل عنيف لفقدي حاسة السمع، ولقد أثر علي بشكل كبير، فأصبحت انطوائيا، منغلقا على نفسي، أنسحب مباشرة من أي تجمع، حتى ولو كان هذا التجمع مع أهلي في البيت، وأصبحت أيضا أخشى من فقدان أي شيء، سواء كان هذا الشيء أشياء أو أشخاصا، وإذا فكرت -مجرد تفكير- بفقدان أي شيء فإني أصاب بحالة قلق، ولا أسمح لأحد أن يأخذ أي شيء من ممتلكاتي، فكيف أتخلص من هذا التعلق؟

أنا أيضا لا أعمل شيئا، ولا أخرج من المنزل بسبب وضعي الصحي، وكأني في سجن، أعيش في فراغ طوال اليوم، لا أعلم إذا كان هذا هو السبب أم لا، أحاول دائما أن أتغلب على هذه المشكلة لكن بلا فائدة.

رجائي منكم تقديم بعض النصائح والإرشادات والحلول التي يمكن أن تساعدني في حل مشكلتي دون الحاجة للذهاب إلى طبيب نفسي، أو استعمال أدوية؛ لأني لا أستطيع ذلك، وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ m s s حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- في استشارات الشبكة الإسلامية، ونتمنى لك دوم الصحة والعافية.

ما حدث لك -أخي الكريم- هو امتحان وابتلاء، فلابد من الصبر عليه، وتقبل تبعاته التي تتمثل في فقدان السمع ومنظر الوجه، فالرضا والتسليم بالآثار التي ترتبت على العملية هي من أوائل العوامل التي تساعدك على التغلب على المشكلة التي تعاني منها الآن.

تصور إذا كانت آثار العملية أكثر من ذلك، -والحمد لله- أنك لم تفقد أحد أجزاء جسمك، وعقلك سليم، وصحتك أفضل من غيرك، فالأمر قد يهون ويسهل إذا كانت المشكلة فقط هي فقدان السمع.

الشيء الطبيعي أن يتساءل الناس عن حالتك، ولكن كيف تفسر هذه النظرة وهذه التساؤلات؟ الإجابة على هذا السؤال هي التي تحدد طبيعة مشاعرك، فهل فقد الإنسان لأحد حواسه هو المعيار والمقياس للشخصية، أم أن هناك العديد من الصفات غير المرئية هي التي تعبر عن شخصيته؟ أين العقل؟ أين الأخلاق؟ أين التدين؟ أين الثقافة والمعرفة؟

الذي نريده منك هو: أن تفكر في الجوهر وليس المظهر، فالمظهر بعملية أو بغيرها قابل للتغيير، ولكن يبقى الجوهر كما هو، فالمولى عز وجل ينظر إلى قلوبنا لا إلى صورنا وأشكالنا وحواسنا، فالمعيار الحقيقي هو التقوى، ورب ضارة نافعة، والمصائب والابتلاءات قد تأتي بالخير للمؤمن، كما جاء في الحديث عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) وقد ينصلح حاله بعدها ويكون أقرب للمولى عز وجل، وأكثر استقامة بفعله للطاعات وتجنبه للمنكرات.

والحواس -أخي الكريم- تعوض بعضها البعض، فإذا تعطل إحداها قويت الأخرى، فالمطلوب منك عدم الاستسلام، لأن هناك العديد من الحالات أسوأ من حالتك، ولكنهم تشبثوا بالحياة واجتهدوا وكافحوا وصاروا أفضل من المبصرين والسامعين، فما دام العقل سليما فيجب استثماره إلى أقصى ما يمكن، ومؤكد أن الإنسان إذا خير بين فقدان العقل أو فقدان السمع لاختار السمع، فلطف الله بك وجعل العقل سليما ولم يتأثر بالعملية.

وأنت الآن ربما تكون في المرحلة التي تسبق مرحلة التكيف والتأقلم مع الوضع الجديد؛ لذلك مازال الخوف من فقدان الأشياء مسيطرا عليك؛ لأن صدمة فقدان السمع مازالت عالقة، وما زالت آثارها موجودة، وستختفي -إن شاء الله- بالتدريج، فلا تقلق لذلك.

لذلك نذكرك بمواجهة المواقف الاجتماعية، ولا يعيقك فقدان السمع من التواصل، وتصور حال آخرين فقدوا حواسهم منذ الولادة، ولم يتعرفوا على الأصوات، ولا الألوان، ولا الأشكال، ولا الصور، فالدنيا عندهم كتلة ظلام، وتذكر أن علم الطب يتطور ويتقدم كل يوم وقد يأتي اليوم الذي تسمع فيه -إن شاء الله- وليس ذلك على الله بعزيز.

نسأل الله لك الصحة والعافية.

مواد ذات صلة

الاستشارات