ما سبب عدم زواج بعض أئمة العلم من المسلمين؟

0 813

السؤال

السلام عليكم

سألني أحد الزملاء -وهو غير مسلم وجار لي- بأن كلا من الإمام ابن تيمية والنووي والطبري سمعت أنهم لم يتزوجوا طوال حياتهم، فما المانع من زواجهم؟ هل كان لديهم عذر جنسي؟

سمعت أن الطبري قفز قفزة وهو كبير السن، فهل ذلك لأنه لم يكن متزوجا، وبالتالي تضيع طاقته في ممارسة الجماع؟

أرجو التوضيح؛ حيث إني لم أستطع الرد عليه، وهل فعلا هم لم يتزوجوا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سهل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تعالى أن يجعل من اسمك نصيبا، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – فإن شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام الطبري والإمام النووي – عليهم جميعا رحمة الله – هم نموذج من نماذج العلماء العزاب الذين لم يتزوجوا، وهو رقم (حقيقة) ليس سهلا أو بسيطا، وإنما هناك أعداد كبيرة من علماء المسلمين لم يتزوجوا فعلا، وهناك كتب في هذا، في حصر أسمائهم وذكر أسباب عدم ارتباطهم أو زواجهم، ويرجع السبب في ذلك كله إلى رغبة هؤلاء العلماء في التفرغ لطلب العلم الشرعي، ولبذل مزيد من العبادة لله سبحانه وتعالى.

هؤلاء لاحظوا في أنفسهم أنهم إن تزوجوا سيشغلون بهذا الارتباط وبالأولاد عن أمر يرونه أسمى وأجل من الزواج، خاصة وأنهم يرون أن الزواج ليس واجبا، وإنما الزواج سنة، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -: (النكاح من سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني) وأنت تعلم أن السنة ليست كالفرض، فالزواج يكون فرض عين في حال الشخص الذي يخاف على نفسه من الوقوع في الفاحشة، وليس لديه القدرة على الصبر، وإذا لم يتزوج سيقع يقينا في الحرام، ففي تلك الحالة يصبح الزواج في حقه فريضة.

أما إذا كان الإنسان قادرا على كبح جماح نفسه وقادرا على الصبر، وقادرا على غض بصره وتحصين فرجه، فإن الزواج يصبح في حقه نافلة، وهذا هو الذي كان عليه هؤلاء العلماء وأمثالهم، فهم كانوا يتمتعون بصحة ووفرة بدنية عظيمة – كما ذكرت أنت - فيما روي عن الإمام الطبري أنه وثب وثبة عظيمة وكان على رأس الثمانين من عمره، لم يكن صغيرا، وإنما كان كبيرا، ورغم ذلك عندما عوتب في ذلك قال: (هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر).

إذا هؤلاء كان تأويلهم للزواج على أنه سنة وليس على أنه فريضة، وهذا كما ذكرت لك ما عليه أهل العلم، فإنه يكون فريضة في بعض الأحايين، ويكون مستحبا في بعض الأحايين، بل ويكون مكروها في بعض الأحايين، وقد يكون حراما أيضا، فالزواج شأنه شأن أي تكليف من التكاليف الشرعية، تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة التي وردت (الحرمة والوجوب والندب والإباحة والكراهية) ولذلك هؤلاء روأ في أنفسهم أن تفرغهم لطلب العلم الشرعي وتعليمه للناس أفضل من حظ شهواتهم، ومن هنا صرفوا النظر عن هذا الموضوع وانشغلوا فعلا بما هو أولى من وجهة نظرهم.

لذلك تجد أن شيخ الإسلام ابن تيمية – عليه رحمة الله تعالى – ترك للأمة كما هائلا من العلوم والمعارف لعله لم يسبق إليه ولم يأت بعده من استطاع أن يصل إلى ما وصل إليه، وقد ذكر بعض المؤرخين أن الإمام ابن تيمية كتب للمسلمين ستة آلاف كتاب، فقل لي بربك: رجل كتب عدد من المجلدات في فترة بسيطة من الزمن ماذا تتصور من قدرته وجهده؟!

كذلك الإمام النووي - عليه رحمة الله تعالى – ألف كتبا عظيمة بالرغم من أنه مات في الخامسة والأربعين من عمره، أيضا ترك مكتبة عامرة، قد لا تجد في الشافعية كلهم من وصل إلى هذا المستوى من القدرة على التأليف والنظر في المسائل والترجيحات وغير ذلك، وكذلك الإمام الطبري.

فهؤلاء الأعلام الكبار الذين تفرغوا (حقيقة) للعلم قدموا لنا تراثا هائلا وكما هائلا من العلوم والمعارف، قد لا تتيسر لغيرهم ممن كانت له ارتباطات عامة كسائر المسلمين.

إذا: هؤلاء لم يكن لديهم عوز جنسي أصلا، وإنما كانت الفكرة والنظرة في حكم النكاح على أنه نافلة وليس فريضة، وأن التعلم والتعليم أفضل درجة عند الله تبارك وتعالى منه، فهم قدموا هذا على ذاك.

نسأل الله أن يجزيهم عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وأن يوفقنا وإياك لطاعته ورضاه، وأن يعيننا وإياك على أن نقدم لديننا ولو شيئا بسيطا مما قدموا.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات