معاناة أخي مع الخجل والخوف والهروب من المسؤولية.

0 477

السؤال

السلام عليكم

أخي الكبير يبلغ من العمر27 عاما، كان من المتفوقين دائما في دراسته، تخرج من كليتة بترتيب الرابع علي دفعته في الجامعة، و لكنه دائم الخجل، ويخاف من مواجهة الناس، وانطوائي، ولا يتحدث مع أي أحد من أفراد الأسرة، مع العلم أنه في بعض الأحيان يتحدث مع أشخاص لا يعرفهم، كثيرا ما يبرر لنفسه أشياء غير مقتنع بها، ويحاول أن يقنع نفسه بها، حتي يبرر ضعفه أو خجله.

تعرض أخي لبعض المشاكل بعد تخرجه، حيث إنه لم يلحق التعين بداخل الجامعة التي تخرج منها، فعمل معيدا في جامعة خاصة، في غير مجال تخصصه، فهو طالب دراسات عليا، فترك وظيفته وسافر، ولكنه لم يسترح في التعامل مع الأشخاص في الخارج، فرجع دون أن يكمل الماجستير.

تقدم لخطبة فتاتين ولكنه رفض؛ بسبب أن إحداهن كانت لا تريد أن تعيش بعيدا عن أمها، والأخرى كانت تريد شخصا كثير التحدث والضحك، وأخي كما قلت سلفا خجول، فحزن كثيرا وفقد ثقته بنفسه، ثم تقدم لأخرى وتمت الخطبة وعقد الزواج، ولكن الزفاف سيكون بعد خمسة أشهر، وهو سعيد مع عروسه فهو يتكلم معها ويضحك.

ولكنه لا يستطيع أن يكون حازما، عندما يكون الحزم مطلوبا، ودائما ضعيف أمام الجميع، حتى معي، فإذا أخطأت في حقه، لا يستطيع أن يعاتبني، وكذلك حاله مع عامة الناس، فلا يستطيع التصرف من نفسه، يجب أن تقول له أمي أفعل كذا، أو اذهب إلى فلان، ولا تخف منه وأطلب منه حقك، وكثيرا ما يخاف ويحرج من أن ينفذ ما تقوله أمي، ويعود ليبرر خوفه وخجله.

لا يهتم أخي بمنظره الخارجي كثيرا، فهو يرفض أن يأخذ من أبي المال ليشتري لنفسه الملابس، حتي وإن أصبحت ملابسه مقطعة، مع العلم أن مستوانا المادي جيد جدا، والمال متوفر -والحمد لله-، ولكنه يعتبر أخذ المال إهانة له، وأنه سيثقل علي أبي، فيشتري من مرتبه الذي لا يستطيع أن يدخر منه شيئا؛ لأنه في عمل مؤقت، لحين استلام وظيفة جيدة، ذات راتب جيد، سيتسلمها قريبا -إن شاء الله-.

في بعض الأحيان عندما يكون أحد الأقارب، أو أبي الذي يعمل بالخارج مريضا، لا يقوم أخي بالاتصال أو الاهتمام للأمر، كما أنه من الممكن مثلا، أن تكون والدتي قادمة من الخارج، وتحمل معها أشياء كثيرة، فلا يقوم لمساعدتها، مع أنه قبل تخرجه، لم يكن كذلك، بل كان مطيعا وخدوما، يقوم بكل الأعمال حتى يريح أمي ويساعدها، ولكنه الآن لم يعد يبالي أبدا.

مشكلة أخي التي نراها كبيرة، أنه مهما كان حزينا لا يتحدث معنا إطلاقا، ولكننا نراه كثيرا ما يتحدث مع نفسه، إذا كان في غرفته لوحده، ويظل يدور حول نفسه بالغرفة، ويتحدث مع نفسه بصوت مرتفع، ويضحك، ويعاتب نفسه، ويشير بيده كأنه يتكلم عن موقف حصل له، ويراجع ما الذي كان يجب أن يقوله ولم يقله، فنسمعه يقول: "أنت المفروض كنت تقوله، فهو يقولك"، وأحيانا وهو يقود السيارة بجواري، أراه فجأة يحرك شفتيه ويتكلم بصوت منخفض، ولا أستطيع تمييز كل الكلمات ولكني أسمع بعضها.

لا ندري كيف نتصرف معه، ذهب ذات مرة لجلسة نفسية، ولكنه عندما رأى المرضى الآخرين قال: "أنا هكذا لا أعاني من شيء والحمد لله، فهنالك أناس حالاتهم صعبة"، ولقد خفنا عليه من الأدوية النفسية التي وصفت له؛ لأنها تجعله مرهقا دائما.

زواجه بعد بضعة أشهر، ولا نعرف هل هذا مرض يحتاج أن نعالجه عند طبيب نفسي؟ أم أنه يوجد وسيلة أخرى لحله؟ مع العلم إننا لا نثق بالأطباء النفسيين.

أرجو الإفادة، وأتمنى أن أكون قد ذكرت كل الأمور التي من الممكن أن تفيدكم وتساعدكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك على الثقة في إسلام ويب، واهتمامك بأمر أخيك.

حين اطلعت على الجزء الأول من رسالتك، وما ذكرته عن أعراض حول أخيك -شفاه الله- اعتبرت أن حالته من الحالات التي تعبر عن ضعف في إرادته، ومهاراته الاجتماعية، أو أنه ربما يكون شخصا، يريد أن يعيش على منهج حياتي فيه شيء من الهدوء، وهذا قطعا مقبول.

وكان حكمك عليه من خلال قيمك الشخصية، يعني أنت قيمته حسب ما تراه مثاليا، وهو ينتهج منهجا يراه هو الأصح بالنسبة له، وهذا بالطبع نوع من التباين ما بين الناس، فيما يخص تقييمهم للأمور أو لذواتهم، وهذا نعتبره أمرا عاديا جدا.

واعتقدت أن أخاك يحتاج لأن يطور مهاراته الاجتماعية، وذلك من خلال برامج عامة ومعروفة تساعده فيها، من خلال الإكثار من التواصل الاجتماعي، وعليه أيضا أن يطلع كثيرا حول المواضيع التي تقوي من ثقته بنفسه، وإدراكه لنفسه بصورة إيجابية، حتى يتعامل معها بصورة أفضل، وكذلك التعامل مع الآخرين، وهذا قطعا يتطلب اطلاعه على علم يعرف بالذكاء العاطفي أو الذكاء الوجداني، وهذا من العلوم المتميزة جدا والمستحدثة والمفيدة في مثل حالة أخيك.

هنالك عدة كتب ومراجع، تتكلم عن الذكاء العاطفي وأهميته، وكيفية تطبيقه وتطويره، ومن أفضلها، كتاب (لدانييل جولمان)، كتبه عام 1995، وهو أول من ألف في هذا العلم وأتى بأفكار قيمة جدا.

كنت أعتقد أن أخاك يحتاج لهذا فقط وليس أكثر من ذلك.

لكن حين ذكرت أنه يتحدث مع نفسه، وأنه يضحك، وأنه يخاطب أشخاص غير موجودين، هنا أخي الكريم، الصورة اختلفت تماما، مع احترامي الشديد لأخيك، وحسب ما هو متاح من معلومات ذكرتها أنت، أقول لك: أنه في الغالب يعاني من هلاوس سمعية، يسمع أصواتا، يستجيب لها، يحاورها، يناقشها، كما أن تحريكه لشفاه حين يكون بجوارك في السيارة، هذا معروف كأحد سمات الهلاوس السمعية، وقطعا هو يستجيب لأصوات يخاطبها، لكن نسبة لوجودك، فلديه نوع من الاستبصار الجزئي، الذي يجعله لا يخاطب هذه الأصوات بصوت مرتفع.

أيها الفاضل الكريم، هذه أعراض ضرورية، هذه أعراض مهمة، هذه أعراض تدل وتحتم أن هذا الأخ يجب أن يذهب به مباشرة لمقابلة الطبيب النفسي، لأن هذه الحالة ليست ضعف الإرادة الاجتماعية، أو المهارات الاجتماعية، أو وجود خجل اجتماعي، أو وجود اكتئاب، هذه الحالة ربما تكون حالة ذهانية، وهذا في أغلب الظن هو الواقع، وهذه الحالات تعالج عن طريق الأدوية وإرشادات معينة، والأدوية لا تتخوفوا منها، حتى وإن كانت توجد أدوية منومة، هنالك أدوية لا تؤدي إلى النوم، ولا إلى الكسل، الطب النفسي -الحمد لله تعالى- تقدم جدا، والآن بحوزتنا أدوية فاعلة وممتازة وسليمة.

أيها -الفاضل الكريم-، لا تؤخروا الذهاب به إلى الطبيب، اذهبوا به الآن، لأن التدخل المبكر في علاج مثل هذه الحالات، يعطي نتائج ممتازة ورائعة، فيما يخص شفاؤه، والتعافي - إن شاء الله تعالى - والتأخير يؤدي إلى العكس تماما، هذا الأخ مقدم على زواج، ولا بد أن يتعالج مباشرة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.

مواد ذات صلة

الاستشارات