الوسواس القهري والخوف والقلق أثروا سلبًا على حياتي، ما العلاج؟

0 818

السؤال

السلام عليكم

أنا شاب عمري 23 سنة, وأعاني من الوسواس القهري والرهاب الاجتماعي.

حاليا أعراضي، هي أفكار وأفعال قهرية, وساوس, كآبة, تشوش ذهني, ضعف ذاكرة, قلق, ارتباك أمام الناس, توتر, عدم تركيز, خوف من لا شيء, خوف من المستقبل, تردد, خروج عن الواقع, شرود, خمول وتعب وكسل, غضب شديد عند مخالفة النظام, وخز في عضلات الصدر من ناحية القلب.

بدأت مشاكلي منذ الطفولة, وكالعادة أنا لم أكن أعلم بمرضي إلا منذ 5 أشهر، كنت أظن أنني طبيعي, ولم أعلم بأنني مريض إلا بالصدفة، وبدأت أحلل نفسيتي، وأتذكر مشاهد الطفولة، مشاهد الخوف من دون سبب، القلق, أفعالي القهرية.

مع أن حالتي حتى عمر 20 سنة كانت مقبولة، لكني منذ أن كان عمري 15 سنة بدأت أشعر أحيانا أنني في حلم، وأني لا أشعر بلذة الحياة, وفجأة تدهورت حالة ذاكرتي بشكل ملحوظ جدا ليس له تفسير، مع أنها تحسنت قليلا بعد حوالي 3 سنوات تقريبا، ولكن ذاكرتي القوية التي كنت أعهدها قوية جدا لم تعد لي.

بالنسبة للكآبة، فأعتقد أنها منذ ولادتي؛ فأنا أتذكر دائما أنني كنت حزينا منذ الطفولة وخائفا بلا سبب أو أتوهم أسبابا غير منطقية، بالنسبة للشرود، فمنذ الطفولة وهو يلازمني، وحرمني من التركيز في الدراسة، حتى انحرفت عنها، وبدأت أعمل وعمري 16 سنة، مع أن جميع من حولي يعدني من الأذكياء جدا.

عندما كان عمري 20 سنة تقريبا، بدأت حالتي تسوء تدريجيا، بدأت بوساوس وأفعال قهرية وكآبة مضاعفة، ثم الخوف وعدم التركيز، وتعودت على ذلك, كان وزني حينها أكثر من 60 كجم، لكن عندما كان عمري 22 سنة، تدهورت حالتي للأسوأ، صرت أستيقظ مشوش التفكير، مكتئبا وكأنني ذاهب إلى الجحيم, أستيقظ أحيانا مرتاح العقل، لكن بمجرد أن أوسوس بفكرة، أشعر وكأن كتلة من الكآبة والقلق انفجرت في رأسي من الخلف، وكأن أحدا يمسك دماغي وينفخه، وأنه يكاد ينفجر, يعني أصبح ألمي أصعب من وجع الرأس، بل أحسه أحيانا وجعا عضويا، وليس نفسيا.

بالنسبة للوسواس القهري، فوساوسي كثيرة، وأنواعها متعددة: وسوسة في كل شيء، في الطهارة والصلاة، أشعر أني يجب أن أتخيل نفسي وأنا أصلي والله يسمعني، وأن أحدد أن الله يسمعني دائما، وإذا ذهبت الفكرة من عقلي، أقول لنفسي: إني أتلفظ بكلمات أحفظها كالببغاء، وذلك يسبب لي الألم النفسي, وأحيانا أدخل في الأوهام، وأشعر أنني على وشك الجنون، وأحيانا أسأل نفسي من أنا؟ وأشعر أني لا أعرف نفسي! شعور غريب، وأحيانا أرى الكلمات في خيالي، يعني كلما أتلفظ بكلمة أو جملة أرى مشهدا في رأسي أو منظرا لا علاقة له بها، وعند النظر في المرآة أشعر أني أنظر إلى شخص غيري.

أخاف من لا شيء، وخصوصا بعد التدخين، الارتياب من الناس، الخوف من الأمراض، وتحديدا الإيدز، ارتبت منذ 8 سنوات و 4 أشهر أني تعرضت للإيدز، وبعد سنة ونصف دخلت مؤسسة تجري فحص دم للإيدز، وعند الدخول أجروا لي فحصا، ولم يخبروني بشيء، علما أن المصاب يتم فصله، ولكن وسواسي لم يقتنع بالفحص.

بعد 8 سنوات وأربعة أشهر أجريت فحص (hiv 1 & 2 antibody) بعد معاناة من الوسوسة استمرت شهرا؛ لأني سمعت اسم المرض. وأعطوني في المستشفى تقريرا مختوما وموقعا من المستشفى، وكانت النتيجة (negative ,index 0,07)، لكني لم أقتنع، فاتصلت بالطبيب لأساله: هل أنا بالتأكيد غير مصاب، فقال: "نعم، أكيد أنت بعيد جدا عن الإصابة، والآلة حديثة جدا، لم يمر عليها 10 أيام، أحضرناها من أميركا"، لكن الوسواس يقول لي: لا، الطبيب ما يريد أن يخبرني، مع أنه لا يعرف من أنا، وسيرسل أناسا ليخبروا أهلي أني مصاب، مع أنني لم أعطهم هويتي في المستشفى، فقط طلبوا اسمي الثلاثي والعمر، أنا أعلم أنه وسواس.

على كل حال: الوسواس يجعلك تخاف كأنك حقا مصاب بالمرض، وما زاد وسواسي، هو أنني قرأت أن من أعراضه النحافة، وأنا نحيف! لأني بالطبع لدي رهاب اجتماعي، بالإضافة إلى أنني حامل (التلاسيميا)، ولا أتغذى جيدا؛ بسبب حالتي النفسية، وأشعر بالتعب بعد أقل جهد، وقرأت أيضا أن من أعراضه الأم في الحلق، وأنا لدي آلام في جدار الحلق منذ ثلاث سنوات! بدأت عند ما عملت في شركة كل عملها في الغبار وعلى الطريق السريع، يعني أن الجو ملوث جدا، بالإضافة إلى أنني مدخن.

كنت أتناول حينها تقريبا كل يوم معكرونة ساخنة وحارة جدا، وأشعر بالألم عند ما يدخل الحر إلى حلقي، ولا زال الألم حتى اللحظة، مع أني كنت أعتقد أن الألم من اللوزتين، لكن لوزتي كانتا سليمتين، والمشكلة في جدار الحلق خلف اللوزتين.

ذهبت إلى الطبيب، وأخبرته أن أكثر ما يؤلمني حلقي عند ما أشم روائح المحروقات والدهانات ومنظف الأرض (flash) والروائح الحادة، وعند ما أتنفس هواء باردا، وأنني عند ما أشعر بالألم أفتح فمي، فأجد أن جدار الحلق متهيج، والشرايين الدقيقة حمراء، وأحيانا أجد بقعا كالحبوب البيضاء، وفي جميع الأحوال الألم يزول بمجرد أن أشرب الماء، ففحصني، وقال: هذه حساسية، ووصف لي أدوية وإبرة في العضل و(طساسة) للحلق، لكني لم أستفد، فغير لي الدواء، وأعطاني (histamed F)، لكني لم آخذ منه سوى حبة، وتركته؛ لأني أحسست أنه يذهب العقل.

غيرت الطبيب فيما بعد، وقال لي الطبيب الجديد: إن هذا يصعد من الرئتين، وأعطاني (rodogyl – romilast)، وطلب مني أن أراجعه عند ما ينتهي الدواء، لكن عند ما أنهيت الدواء كانت حالتي قد تحسنت أكثر من 50%، فلم أراجعه، وبعد فترة عاد الألم أشد مما كان، أنا ذكرت ألم الحلق؛ لأنني قرأت أن بعض العلماء ربطوا بين جرثومة في الحلق والوسواس القهري، مع أني أعتقد أن الوسواس وراثة في عائلتنا، وأكثر ما يضايقني الآن: الخروج عن الواقع، القلق، الكآبة, التشوش الذهني.

لم أذهب إلى طبيب نفسي أبدا, لم أتناول أي دواء، فقط قمت بعلاج سلوكي، واستفدت منه أكثر من 20 % بالنسبة للتصرفات القهرية، كنت أريد أن أبدأ بتناول علاج (البروزاك والفافرين) من دون استشارة، لكني قررت أن أستشيركم؛ لأني بالطبع لن أعرف نوع حالتي ومعيار العلاج.

أشكركم كثيرا على هذا الموقع المفيد، وأدامكم الله للإسلام والمسلمين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صالح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

رسالتك واضحة جدا وتفاصيلها دقيقة، وتدل بالفعل أنك تعاني من وساوس قهرية مركبة، ولديك مخاوف، وهذه الحالة من الأفضل أن نسميها تشخيصيا (قلق المخاوف الوسواسي)، وهذا بالطبع ينتج عنه الكثير من الانشغال وتشتت التركيز وربما شيء من عسر المزاج وضعف الفعالية من الناحية العملية والاجتماعية.

أيها الفاضل الكريم، أعراضك الجسدية كثيرة ومتداخلة، لكن الذي يظهر لي وبلا أي شك أن العامل النفسي القلقي يلعب دورا كبيرا فيها.

وأنت قدمت نفسك لعدد كبير من الأطباء، وكان بالأحرى أن تذهب إلى الطبيب النفسي، وأنا الآن أشجعك أن تذهب إلى الطبيب النفسي؛ لأنك سوف تستفيد كثيرا، حالتك هي حالة نفسوجسدية، يعني أن القلق والمخاوف والوساوس تداخلت مع بعضها البعض وأدت غالبا لمعظم أعراضك الجسدية.

حين ترتقي صحتك النفسية سوف ترتقي صحتك الجسدية، فذهابك إلى الطبيب -الطبيب النفسي- مهم جدا من وجهة نظري، ولا تكثر التردد على الأطباء، يمكن أن يكون لديك طبيب واحد، طبيب باطني جيد تثق فيه تقوم بزيارته مرة كل أربعة أشهر من أجل الفحص والكشوفات المختبرية الروتينية، هذا هو الطريق الأفضل.

ويجب أن تعيش حياة صحية، أن تمارس الرياضة، أن تنام مبكرا، تستيقظ مبكرا، تصلي الفجر في وقته، تبدأ يومك بنشاط كبير وأنت قد تركت الدراسة وبدأت العمل منذ ستة عشر سنة، أقول لك: يمكنك الآن أن توفق بين الاثنين، أن تدرس وتعمل، هذا ممكن جدا، هنالك الكثير من الدراسات المسائية، وهنالك الكثير من الكورسات المكملة والمتممة، ومن خلال حسن إدارة وقتك وانشغالك بصورة صحيحة سوف تزاح هذه الوساوس وهذا القلق، ولن يجد مكانا في وجدانك المعرفي.

لا تترك فراغات نفسية كبيرة بهذه الصورة حتى ينفذ منها الخوف والوسواس. الحياة فيها أشياء طيبة، ومن هم في عمرك يمكن أن يقوموا بعمل الكثير والكثير. اجعل لنفسك مشروعا حياتيا، تضع الآليات التي توصلك إليه. لا تخف أبدا من المستقبل، ولا تتحسر على الماضي، ويجب أن تعيش الحاضر بقوة.

بالنسبة للعلاج الدوائي: أنا قطعا نصحتك أن تذهب إلى الطبيب، و(البروزاك) و(الفافرين) كلاهما جيد، لكن الدواء الأنسب في حالتك، هو إما( الزولفت) أو (السبرالكس)، ويضاف إليهما جرعة من (الدوجماتيل) أو ما يعرف (بجنبريد) في المملكة العربية السعودية.

أنت تعرف –أخي الكريم– أن الوساوس يجب أن تتعامل معها من خلال التحقير والتجاهل، وعدم مناقشتها أبدا، إنما تحقرها تحقيرا كاملا، وهذا هو العلاج السلوكي الرئيسي.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات