كيف أتوب إلى الله تعالى وأنا تصيبني الانتكاسات في المعاصي؟

0 220

السؤال

السلام عليكم

أرجو أن تتحملوني وتستمعوا لي، وقصتي طويلة لكني سأختصرها، فأرجو أن تقرؤوا قصتي, ولا أريد أن أفجع قلوبكم، فالأمر حقا مفجع:

أنا شاب مسلم، وبعد سنوات من الالتزام انتكست انتكاسة عجيبة حزينة، بعد سنوات قضيتها لا أقول كلها في طاعات لكن حاولت ما أستطيع فعله من طاعات، وللأسف مع هذا كله انتكست في المحرمات، وكنت دائما أدعو الله ألا يأتي يوم أنتكس فيه، وللأسف حصل!

أسألكم أن تبينوا لي طريق التوبة، ولا تشرحوا لي طريق العودة، فهو واضح لمن يريده، لكن المشكلة للأسف أحاول أن أصارح نفسي، هل حقا أريد الاستقامة؟

الجواب: وللأسف نفسي نفرت نفورا شديدا، أريد منكم أن تبينوا لي بعض الإجابات، أنا لم أجاهر علانية بالانتكاسة، فأهلي وأصحابي لا زالوا يظنون بي الخير، ويثنون علي, فماذا أفعل؟ هل أقول لهم: كلامكم الآن خطأ وأنا تغيرت، أم أسكت، أم ماذا بالضبط؟

كان من ضمن أحلامي التي تلاشت أن أتزوج من فتاة صالحة، وأمي الآن تخبرني عن فتيات، وأنا لا أعرف ماذا أقول لها؟ هل أتزوج من امرأة صالحة لتكتشف أنها تزوجت من رجل سيء أم أتزوج سيئة مثلي؟

أصحابي يثنون علي في وجهي، وبعض كلامهم صحيح في الماضي، لكن الآن غير صحيح، فهل علي أن أقول لهم: أنا تغيرت؟

عندنا في الأحياء مساجد، فأدخل أصلي فيقدمونني لأني أحسن قراءة القرآن الذي أضعته ولم أرع حقه، فهل أمتنع ويتقدم من يخطئ في القراءة أم ماذا أفعل؟

أنا في حيرة من أمري، متذبذب حائر، إنسان لا يريد طريق الاستقامة للأسف، ولا يريد طريق الانحراف، لا يعرف ماذا يريد.

أصابتني الأمراض النفسية والجسدية، وأكلني الهم والغم، ولا أعرف أصلا لماذا أعيش؟!

هل الأعمال الصالحة من صيام أو قراءة قرآن أو طلب علم في الفترة السابقة هل يحبط؟ وماذا أفعل مع نفسي؟ طريق التوبة أعرفه أنه مفتوح لمن سلكه لكني لا أريد سلوكه أو بمعنى أصح لا أتحمل مشاقه فقعدت.

أنا أرسل لكم لأني أريد من أتحدث إليه، وأريد من يسمع مني، وأفتقر إلى أمور كثيرة عسى أن تعينوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك – أيها الولد الحبيب – في استشارات إسلام ويب، نشكر لك ثقتك فينا، وتواصلك معنا.

نحن لا نزال نرى فيك خيرا كثيرا – أيها الحبيب – من خلال تأنيبك لنفسك وتوبيخك لها وإقرارك بذنوبك وسيئاتك، ونأمل -إن شاء الله تعالى- أن تكون هذه البقية الباقية من الخير في قلبك دافعة لك إلى سلوك الطريق الصحيح.

نحن ندرك – أيها الحبيب – أنك تعلمت كيف يفعل التائب إذا أراد التوبة، ولكن ما تعانيه بالفعل هو ما ذكرته أنت من الخوف من مشاق سلوك الطريق الصحيح، وهي ليست مشاقا في الحقيقة، ولكنها مجاهدة للنفس ومراغمة للشيطان، تحتاج منك إلى صبر وتحمل.

مما يعينك على هذا الصبر أن تتأمل جيدا وتتفكر في النهاية والعاقبة، فهب أنك ظللت سائرا في هذا الطريق الذي تسلكه ومتعت نفسك بأنواع الشهوات المحرمة ثم ماذا؟ هل تسأل نفسك هذا السؤال؟ ثم هناك سؤال آخر أهم سيقض مضجعك، وهو: يا ترى متى ستكون هذه النهاية؟ أهي بعيدة أم أنه يحول بينك وبينها ساعات أو أيام أو دقائق ربما؟

هذا النوع من التفكر – أيها الحبيب – سيعرفك بتفاهة هذه الشهوات التي تحرص على تحصيلها وقضائها في مقابل ما يعده الله تعالى من العذاب والعقوبة لمرتكبي المحرمات، نسأل الله أن يجيرنا وإياك من غضبه، ويجنبنا وإياك مساخطه.

التفكر في عقاب الله – أيها الحبيب – وتذكر الوقوف بين يدي الله على رؤوس الأشهاد، والفضيحة الكبرى، هذا من شأنه أن يقلع هذه الشهوات من قلبك، فإن الخوف يحجز النفس عن الاسترسال مع شهواتها وغيها، وكيف يمكن للنفس أن تتلذذ بأنواع المعاصي إذا قام الخوف في القلب؟

لهذا فنحن ندعوك بجد أن تتخذ الوسائل التي تذكرك بالله تعالى وبعقابه لكي تخاف، فقد قال الله جل شأنه: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى}.

نحن ندعوك – أيها الحبيب – إلى أن تستمع بحضور ذهن وحضور قلب وتأمل وتفكر، أن تستمع إلى ما أعده الله تعالى من عقوبات في البرزخ، من عقوبات على عرصات القيامة، ومن عقوبات في نار جهنم، والعياذ بالله.

غني عن القول بعد ذلك أن نقول: لا مقارنة بين قضاء هذه الشهوات وبين تلك العقوبات، فاستمع بحضور قلب – أيها الحبيب – إلى نعيم الله تعالى في الجنة، وما أعده لأحبابه وأوليائه من النعيم المقيم والكرامة الدائمة لطاعتهم لله وتقواهم له ووقوفهم عند حدوده، وهذا سيسليك ويخفف عنك عبء المجاهدة للنفس.

نحن على ثقة – أيها الحبيب – من أنك لا تزال تمتلك -بإذن الله تعالى- الإرادة الكافية التي تدفعك نحو عمل الخير، وتدفعك نحو التوبة والإكثار من الأعمال التي ترضي بها ربك عنك، لكنك بحاجة إلى الاستعانة بأنواع المعينات، ومن ذلك هذا التذكير للنفس، كما قلنا لك، ومن ذلك أيضا لزوم الرفقة الصالحة، ومجالسة الصالحين، وعدم الانفراد بالنفس، وتجنب الرفقة السيئة، والاستعانة بالله، واللجوء إليه بصدق واضطرار، والإكثار من دعائه بأن يعينك، فإن العبادة تحتاج إلى عون الله تعالى، ولذلك نحن نقول في كل صلاة: {إياك نعبد وإياك نستعين} وندعو ونقول بعد الصلاة: (اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).

نوصيك بوصية النبي -صلى الله عليه وسلم-: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز) فاستعن بالله، وتوكل عليه، واعلم أنه سبحانه وتعالى سيسهل لك العسير، وسيذلل لك الصعاب، وسييسر لك العبادة، وعلى خلاف ما يوهمك الشيطان من مشاق العبادة ومن مشاق التوبة، فكل ذلك توهمات تزول عنك عن قريب متى اتخذت القرار الرشيد.

نسأل الله تعالى أن يأخذ بيديك إلى كل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات