وساوس الشرك جعلت حياتي جحيمًا! فكيف أتخلص منها؟

0 350

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

في البداية: أحب أن أحييكم وأهنئكم على هذا الموقع المفيد، وأسأل الله أن يثيبكم عليه.

أنا شاب، أبلغ من العمر 17 عاما، وقد ابتليت بالوسواس القهري في العقيدة والدين، هذا المرض الذى جعل حياتي عذابا، وجعلني أنعزل عن أهلي وأصدقائي، وأهمل دراستي، وأعيش في ضيق وحزن.

أعلم أن كل هذه الأفكار لا يحاسب عليها المسلم ما دام كارها لها ولم يتلفظ بأي شيء من هذه الوساوس التي تدور في رأسه، لكني الآن أعاني من وساوس شديدة أفسدت علي حياتي بأكملها، وجعلتني أعيش في حيرة وعذاب دائم، وهي وساوس الشرك -والعياذ بالله-، وبسبب هذه الوساوس كنت أغتسل وأنوي الدخول في الإسلام أكثر من مرة.

أرجو الإجابة على هذه الأسئلة؛ لكي أرتاح من هذا العذاب وهذه الحيرة:

1- تأتيني وساوس دائما كلما انحنيت لعمل شيء، تقول لي هذه الوساوس: إني أنحني لغير الله، هل أنا محاسب على هذا أم لا؟

2- عندما أريد عمل شيء تأتيني وساوس تقول لي: إن فعلت هذا، سوف تكون مشركا، هل لو فعلت هذا الشيء أصبح مشركا؟

3- تأتيني وساوس أيضا تقول لي: أنت تعبد فلانا، عند ما أذهب إلى دروسي تأتيني وساوس تقول لي: أنت تعبد هذا المدرس، وهكذا مع أصدقائي أيضا، عند ما أمشي مع أصدقائي تأتيني وساوس تقول لي: أنت تعبد صديقك! وبسبب هذه الوساوس ابتعدت عن أصدقائي، وأصبحت لا أذهب إلى دروسي، وعند ما أرغب في شراء شيء، تأتيني وساوس تقول لي: إن اشتريت هذا الشيء، سوف تكون مشركا وتعبد هذا الشيء، وبسبب هذه الوساوس أصبحت في حيرة ماذا أفعل؟! وهل لو اشتريت هذا الشيء أصبح مشركا؟

4- عندما أمشي في الشارع وأشاهد النساء يمشين في الشارع، وعيني تقع على امرأة، تأتيني وساوس تقول لي: إن نظرت إلى الأرض، سوف تكون مشركا، وتكون عبدا لهذه المرأة، فهل إن نظرت إلى الأرض أصبح مشركا؟

5- تأتيني وساوس أيضا تقول لي: بأني كافر، وكل هذه الأفكار والوساوس أنا محاسب عليها، مع العلم أني كاره لكل هذه الوساوس، وأحاول دفعها بكل الطرق، حتى أصبحت أحدث نفسي كثيرا، وأضرب على رأسي؛ لكي أوقف هذه الوساوس، حتى بدأ رأسي يؤلمني جدا، أريد أن أعرف: لو فعلت شيئا، فهل بسبب هذا الشيء سأصبح كافرا خارجا عن الملة -والعياذ بالله-؟ وهل أحاسب على هذه الوساوس؟

أريدكم أن ترشدوني للطريق الصحيح؛ فأنا بدأت أعاني من وسواس الموت أيضا، وخائف أن أموت على الكفر.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك –أيها الولد الحبيب– في استشارات إسلام ويب، نسأل الله لك العافية والشفاء من هذه الوساوس، ونشكر لك تواصلك معنا وثناءك علينا.

أما ما ابتليت به من الوسوسة، فأهم الأدوية التي ينبغي أن تتناولها وتأخذها بجد وتصبر عليها؛ أهم هذه الأدوية، هو الإعراض عن هذه الوساوس وتحقيرها، وعدم الالتفات والاهتمام بها، فهذا خير علاج تتناوله، وقد جربه الموفقون قبلك فانتفعوا به، وهو وصية النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي خير الوصايا، فقد قال -عليه الصلاة والسلام- جوابا عمن شكى إليه الوسوسة، قال: (فليستعذ بالله ولينته).

هذان دواءان عظيمان، الأول: اللجوء إلى الله –تعالى- والاستعانة به، أي أن تطلب منه الحماية فتقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) كلما خطر لك شيء من هذه الوساوس.

والثاني: الانتهاء عن الانجرار وراء تفاصيلها والتفكير فيها والعمل بمقتضاها، وذلك بأن تصرف ذهنك إلى التفكير في شيء آخر من أمر دين أو أمر دنيا.

هذان الدواءان هما خير دواء لما تعانيه، وهذا لا يمنع أن تتوجه إلى الأطباء ليفيدوك ببعض ما ينفعك من الأدوية الحسية، ولكن اجعل هذا الدواء هو عمدة ما تستعين به للتخلص مما أنت فيه.

هذه الوساوس التي ذكرتها كلها لا تضرك، وليس في شيء مما قرأته من أسئلتك شرك أو رائحة الشرك، ومن ثم فأنت محتاج فقط للإعراض عن هذه الوساوس. فإذا علم الشيطان منك صدقك وعزيمتك على لزوم هذه الطريق التي أوصاك بها النبي -صلى الله عليه وسلم- ورأى صبرك عليها، فإنه سييأس منك وينصرف إلى غيرك.

أما الخوف من الموت، فإن مجرد ذكر الموت دون أن يكون ذلك باعثا على مزيد من العمل الصالح للاستعداد للقاء الله –تعالى-، فإن هذا لا يفيد، وهذا الذي تعانيه أنت ليس أمرا طبيعيا، فإن الموت له ميعاد قد حدده الله –تعالى- قبل أن تخلق أنت، بل قبل أن تخلق السموات والأرض، فما الفائدة من العيش في ظل وهم توقع الموت في أي لحظة؟! لا شك أن العاقل إن فعل ذلك، يجد نفسه منشغلا بغير شيء نافع، فقدر الله –تعالى- آتيك في وقت محدد، لن ينفع منه حذر، فلو حذرته وخفته، لن يدفع ذلك عنك الموت، ولن يقدمه تجاهلك لذكره، ومن ثم فأنت بحاجة أن تشغل نفسك بالشيء النافع من أمر دينك ومن أمر دنياك.

إذا جاءك الموت وأنت على تلك الحال، فإنك ستنتقل إلى حياة أفضل من هذه الحياة، وأنعم وأسعد، فإن الموت ما هو إلا ابتداء رحلة جديدة وحياة جديدة، بالنسبة للمؤمن: حياة النعيم والهناء والسعادة التي لا شقاوة فيها، وبالنسبة للكافر: حياة الذل والهوان والتعاسة التي لا سعادة معها.

فلا تجزع من الموت، ولا تخف منه، ولكن احمل نفسك على الاستعداد لهذا الانتقال بما تقدر عليه من الأعمال الصالحة.

نسأل الله -بأسمائه وصفاته- أن يأخذ بيدك إلى كل خير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية، تليها إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أتفق معك أن الوساوس سخيفة المحتوى، خاصة حين تكون متعلقة بالدين، والوساوس تنشأ من البيئة ولا شك في ذلك؛ لذا نجد أن الوساوس الدينية كثيرة، والوساوس ذات الطابع الجنسي كثيرة، وهذه تؤلم النفس ولا شك في ذلك.

لكن –أيها الفاضل الكريم– هذا حدث لأفضل القرون، أتى من الصحابة من يشتكي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلا: (والله، لزوال السموات والأرض خير لي من أن أتحدث بما يأتي في نفسي) أو كما قال. طمأنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأخبره أن هذا من صميم الإيمان، وأن هذه الوساوس يتم التعامل معها من خلال أن يقول الإنسان: (آمنت بالله)، ثم ينتهي، أي يحقرها، يتركها، لا يناقشها، لا يحللها، لا يشرحها، لا يخضعها للمنطق.
أعرف –أيها الفاضل الكريم– أن ذلك ليس بالسهل، لكنه ممكن وممكن جدا.

أنا لن أدخل في تفاصيل كثيرة حول وساوسك؛ لأن هذا في حد ذاته سوف يشجع على الحوار الوسواسي، لكن أثني بأمر هام جدا، وهو أن الوساوس دائما تأتي للطيبين، تأتي للأفاضل، تأتي للمهذبين، لم أر شخصا وسواسيا في محيط الجريمة، ومعظم عملي هو يخص العلاقة ما بين الأمراض النفسية والعقلية والجريمة.

يا أيها الفاضل الكريم، هذه النفس اللوامة التي تسلطت عليك، -إن شاء الله تعالى- تنقلك إلى الطمأنينة، وقد أفادك الشيخ/ أحمد الفودعي –حفظه الله– فيما يتعلق بالجوانب الشرعية، ومن خلال معرفتي البسيطة أقول لك: إن صاحب الوساوس لا حرج عليه، وهو مكره -أيها الفاضل الكريم-.

لكن في ذات الوقت، صاحب الوساوس ليس مفتقدا للبصيرة، يفرق بين الحق والباطل والخير والشر؛ لذا ننصح إخواننا وننصح أبناءنا من أمثالك: كل هذه الوساوس التي أتتك، على سبيل المثال: الوسواس الذي يقول لك (إذا فعلت هكذا سوف تكون مشركا)، تعامل مع هذا الوسواس بأن تقول: (أنت وسواس قبيح، أنت وسواس حقير، أنت تحت قدمي، لن أناقشك أبدا)، وتقول: (آمنت بالله) فقط، ليس أكثر من ذلك، وتصرف انتباهك لأمر آخر.

أما إذا بدأت تقنع نفسك بأنك غير مشرك، فهذه مشكلة كبيرة، هنا تكون قد كافأت الوسواس من خلال الدخول معه في شيء من النقاش والمنطقية، وهو أصلا لا يقوم على منطق.

تعامل مع كل الوساوس على هذا السياق، وحاول أيضا أن تربط الوسواس بفكرة قبيحة، تذكر مثلا حادثا بشعا حدث في الطريق أو شيئا من هذا القبيل، هذا الربط النفسي يؤدي إلى ما يسمى بفك الارتباط الشرطي، أي حين نربط فكرة قبيحة مع الوسواس تفتتها وتحطمها وتزيلها -إن شاء الله تعالى-.

يجب أن تصرف نفسك من خلال استثمار وقتك، الوسواس يتصيد الناس حين يكون هنالك فراغ ذهني أو معرفي، أي أن الناس لا تقرأ، ولا تطالع، ولا تكتسب المعارف، ويكون هنالك فراغ زمني من خلال سوء استخدام الوقت.

أيها الفاضل الكريم، أدر وقتك بصورة طيبة، أنت الآن في مرحلة التكوين، وهذه الوساوس التي تأتي في مرحلة اليفاعة وفترة البلوغ غالبا تكون عارضة، وسوف تذهب -بإذن الله تعالى- لا تناقشها، استبدلها بما هو مخالف، ركز على دراستك.

أيها الفاضل الكريم، قطعا ستستفيد كثيرا من أحد الأدوية المضادة للوساوس، وأفضلها عقار يعرف باسم (بروزاك Prozac)، ويسمى علميا باسم (فلوكستين Fluoxetine)، وفي مصر يسمى (فلوزاك Flozac).

اذهب إلى طبيب، وإن لم تستطع شاور والديك حول تناول هذا الدواء، والجرعة هي كبسولة واحدة يوميا لمدة شهر، ثم كبسولتان يوميا لمدة أربعة أشهر، ثم كبسولة واحدة يوميا لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

ممارسة الرياضة وتمارين الاسترخاء أيضا مفيدة، وموقعنا لديه استشارة تحت رقم: (2136015)، فأرجو الاطلاع عليها والاستفادة منها.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات