أرهقتني ذنوبي وأشعر بأن الله غير راض عني.

0 137

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أرهقتني ذنوبي، وأحس بأني بعيدة كل البعد عن الله، بالرغم من أني أؤدي صلواتي وفروضي، ولكن لا أحس بالرضا والطمأنينة، فأنا أشعر بأن الله غير راض عني.

أعينوني أعانكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك "إسلام ويب"، وإنا لسعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه، فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: (أرهقتني ذنوبي)، هذه الكلمة هي من توفيق الله لك، ومن رحمته بك، فما أرهقك الذنب إلا لأن لك -فيما نحسب- قلبا صحيحا مستقيما، محبا لله ورسوله، مريدا للخير -إن شاء الله-، ونسأل الله أن تكوني ذلك وزيادة.

ثانيا: الشعور بعدم الرضا مع العمل الصالح هو شعور الصالحين، واقرئي قول الله تعالى {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون}، وقال تعالى: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون}، قالت عائشة رضي الله عنها: "يا رسول الله هو الذي يسرق ويزني، ويشرب الخمر، وهو يخاف الله عز وجل؟ فقال: لا يا بنت الصديق، ولكنه الذي يصلي، ويصوم ويتصدق وهو يخاف الله عز وجل، وفي رواية الترمذي: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون وهم يخافون ألا يتقبل منهم، فالمؤمن الحق هو الذي يجتهد ويعمل ويخاف ألا يتقبل الله منه، وهو دائما غير راض عن نفسه، حتى يلقى الله فيؤمنه ويدخله جنته.

وقد وقال علقمة: كنا في سفر، فلقينا قوما فقلنا: من القوم؟ قالوا: نحن المؤمنون حقا، فلم ندر ما نجيبهم حتى لقينا عبد الله بن مسعود، فأخبرناه بما قالوا، قال: فما رددتم عليهم؟ قلنا: لم نرد عليهم شيئا، قال أفلا قلتم أمن أهل الجنة أنتم؟ إن المؤمنين أهل الجنة"، والمعنى أن المؤمن لا يركن إلى عمله ولا يرضى عن نفسه حتى يلقى الله وهو على ذلك.

ثالثا: الحذر والخوف –أختنا- ممن يرضى عن نفسه وهو مقصر في جنب مولاه، مضيع لحق الله عليه.

رابعا: نحن أهل تقصير -أختنا-، ونسأل الله السلامة والعافية، فإن كنت ألممت ذنبا أو قصرت في حق مولاك؛ فتوبي إليه، واعلمي أنه قريب مجيب الدعوات، والتوبة -أختنا الفاضلة- تحتاجينها في كل وقت، فهي أول المنازل وأوسطها وآخرها كما قال ابن القيم، وهي بداية العهد وخاتمته، وهي ترك الذنب مخافة الله عز وجل، وهي استجابة لأمر الله طاعة لأمر ربك سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين ءامنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا)، وهي سبب لفلاحك في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون)، وهي الجالبة لمحبة الله لك، قال تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)، وهي سبب لدخولك الجنة ونجاتك من النار، قال تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، إلا من تاب وءامن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا)، وهي الجالبة لنزول البركات من السماء، وزيادة القوة والإمداد بالأموال والبنين، قال تعالى: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا، ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين)، وهي من أسباب تكفير سيئاتك وتبديلها إلى حسنات، قال سبحانه: (إلا من تاب وءامن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما).

خامسا: تأكدي -أختنا الفاضلة- أن الله يقبل التوبة من عباده، بل يفرح ربنا لتوبة عبده، فعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري -رضي اله عنه- خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة متفق عليه"، وفي رواية لمسلم: " لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح"، وهذا يثبت لك سعة رحمة الله بنا، فأملي في الله خيرا، واعلمي أن الله كريم غفور رحيم، وهو القائل جل شأنه: ( ‏‏قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له)، والتعبير بقوله جل شانه (لا تقنطوا من رحمة الله) يدل على سعة رحمة الله وعدم يأس المؤمن من رحمة الله جل وعز، فأقبلي على ربك تسعدين.

سادسا: احذري من اليأس، واحذري من أن يعظم الشيطان أمرك أو تقصيرك ليوهمك أنك قد ابتعدت عن الطريق المستقيم، بل استمري في طاعة الله، وتعاملي مع النفس بقلق وحذر، وقد نبه جمع كثير من أهل العلم على ضرورة محاسبة النفس، قال ميمون بن مهران: "إن التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان عاص ومن شريك شحيح"، وقال أيضا: " لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه".

ولهذا قيل: "النفس كالشريك الخوان إن لم تحاسبه ذهب بمالك "، وقال الحسن البصري: " إن المؤمن والله ما تراه إلا يلوم نفسه على كل حالاته، يستقصرها فيندم ويلوم نفسه، وإن الفاجر ليمضي قدما لا يعاتب نفسه".

وأخيرا نوصيك -أختنا- أن يكون لك معين على طاعة الله، تخيري من بين عائلتك وصديقاتك من ترقب الله في تصرفاتها، وصادقيها فالمرء بإخوانه وأخونه بدونه.

نسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يسعدك في دنياك وأخراك.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات