استقامتي غير ثابتة فأنا أعاني من التقلب، أرشدوني إلى وسائل الثبات.

0 250

السؤال

طوال الثلاثين عاما الماضية من عمري لم أثبت على حال، أحيانا ألتزم، وأحيانا أخرى أفقد ذلك الالتزام، وهو ما يسبب لي مشاكل كثيرة عند الأمر بالمعروف، أو النهي عن المنكر، لقول الناس لي أني أفعل ذلك الشيء أيضا، ولست بقدوة صالحة يتخذونها، فأنا متقلب الحال، هل من معين على الثبات، وحب ذلك الثبات في ذات الوقت؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أيها الولد الحبيب- في استشارات إسلام ويب. نحن سعداء بتواصلك معنا، ونشكرك على اهتمامك بالبحث عن الأسباب التي تثبتك على الطاعة، وهذا دليل -إن شاء الله تعالى- على حسن إسلامك، ونسأل الله لك المزيد من الهداية والتوفيق.

أما ما سألت عنه من تقلب حالك بين القرب من الله تعالى والابتعاد عن ذلك أحيانا أخرى، فهذا أمر قد يعرض لكثير من الناس، وهي طبيعة الإنسان في الأصل، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الإنسان خلق مفتنا، توابا، نسيا) فهذه طبيعته التي خلقه الله تعالى عليها، يتعرض للفتنة، وقد يقع في الذنب ثم يتوب، وبعد ذلك قد ينسى فيقع ثانية في الذنب، لكن هذا لا ينبغي ولا يصح أبدا أن يكون مبررا لفعل المعاصي والإقدام عليها، إنما يذكر به الإنسان نفسه بعد وقوعه في الذنب، فإذا ضعفت نفسه وأغواه الشيطان ووقع في معصية الله تعالى بفعل محرم أو ترك واجب فعليه أن يتذكر بأن هذا مما قدره الله تعالى عليه، فيدفع هذا القدر المكروه بالمسارعة بالتوبة، وهي من أقدار الله تعالى أيضا.

وما دام الإنسان صادقا في توبته بعد فعله للذنب -ومن ذلك عزمه على ألا يرجع إليه في المستقبل- فإن توبته هذه يمحو الله تعالى به ذنبه السابق، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

فلا ينبغي أن يجعل الإنسان من هذه التقلبات سببا لليأس والقنوط من رحمة الله تعالى والإحباط عن العمل والإنتاج، فهذا مما لا يريده الله تعالى من العبد.

فكلما فعلت ذنبا سارع بالتوبة، وأكثر من الأعمال الصالحة، امتثالا لقوله -سبحانه وتعالى-: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفى من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} وامتثالا لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (واتبع السيئة الحسنة تمحها)، ولا تستسلم لهذه المشاعر التي يحاول الشيطان أن يسربها إلى قلبك ليحول بينك وبين فعل الطاعات، بل راغمه وأحزنه أنت باستكثارك من الطاعات ما استطعت، فإذا وقعت في الذنب فلا تيأس، بل بادر بالتوبة ثانية، وهكذا.

أما الناس فلا تأبه بهم، فإنهم لا يملكون جنة ولا نارا، ولا يستطيعون إشقاء ولا إسعادا، فالأمور كلها بيد الله فراقبه -سبحانه وتعالى-، واعمل برضاه، وسيضع لك -سبحانه- المحبة والتوقير في قلوب الناس.

وإذا أمرت الناس بالمعروف ونهيتهم عن المنكر فلتكن وجهتك وقصدك إرضاء الله، لا أن تنال مكانة أو منزلة في قلوب الخلق، فإذا علم الله تعالى منك الصدق والحرص على الدين فهو سبحانه وتعالى من يقدر على تصريف قلوب الخلق، فإنها كلها بين أصبعين من أصابعه، وقد جاء في الحديث الذي تعرفه ويعرفه أكثر المسلمين، (إن الله تعالى إذا أحب عبدا نادى جبريل: إني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، ثم يوضع له القبول في الأرض).

فلا تبال إذا بالناس، ولكن اجعل حرصك وهمك في إصلاح ما بينك وبين الله تعالى، ولاطف الناس بعد ذلك بالحسنى، وذكرهم وانههم بالرفق واللين، داعيا إلى سبيل ربك بالموعظة الحسنة، وسيكلل الله تعالى جهودك بإذنه بالنجاح، وسيكتب لك الأجر، بغض النظر قبل الناس منك أو لم يقبلوا.

نسأل الله تعالى لك مزيدا من التوفيق والصلاح.

مواد ذات صلة

الاستشارات