كيف أواظب على فعل الطاعات ولا أتكاسل فيها أو أتهاون؟

0 316

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كيف أحافظ على الطاعات وأواظب عليها، كثيرا ما أقرر قيام الليل وأواظب فترة ولكن يصيبني الفتور فأتركه، أو أواظب على صلاة الضحى وأتركها، هل هذا من النفاق، وكيف أتوب منه؟

كنت قديما أستيقظ لصلاة الفجر، والآن ﻻ أستطيع، فهل سببه ذنوبي وأن الله يعاقبني؟ وكيف أواظب على صلاة الفجر حاضرة؟ فأنا حتى لو ضبطت المنبه أغلقه وأنام، وحتى لو أخبرت أهلي أنام.

أفيدوني -بارك الله فيكم- فلا نعلم متى توافينا المنية، عسى الله أن يرزقني وإياكم حسن الخاتمة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زرقاء اليمامة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في موقعك -إسلام ويب- وإنا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به ، وبخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: شكر الله لك حسن إقبالك على الله، وشوقك إليه، ولهفتك إلى طاعته، وهذا أمر يدل على خير فيك نسأل الله أن تكوني ذلك وزيادة.

ثانيا: قد وفقك الله عز وجل لوضع يدك على أحد الأسباب الهامة لشكواك وهو قولك (ربما من ذنوبي)، وهذا أمر صحيح –أختنا-، فإن العبد يحرم الطاعة بسوء المعصية.

ثالثا: أول ما ينبغي أن تقبلي عليه هو التعرف على الله، حتى تتولد محبة الله فيتولد معها العمل والإقبال عليه، وابدئي بالتعرف على رحمة الله بعباده، وهذا سيكون له أثر قوي في ثباتك على طاعة الله وحسن إقبالك عليه.

وأول ما نود منك أن تعلميه: أن رحمة الله سبقت غضبه فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لما قضى الله الخلق كتب كتابا، فهو عنده فوق عرشه، إن رحمتي سبقت غضبي)، وهي رحمة عظيمة القدر جليلة المعنى، فعن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (جعل الله الرحمة مائة جزء؛ فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا، وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق، حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها؛ خشية أن تصيبه)، وعنه كذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن لله مائة رحمة، واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها يتعاطف الوحوش على أولادها، وأخر تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة).

وإذا أردت مثالا عمليا تعرفين فيه سعة رحمة الله بك؛ فاقرئي ما أثر عن عمر، قال: قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- بسبي، فإذا امرأة من السبي تسعى إذ وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ترون هذه طارحة ولدها في النار"، قلنا: لا، وهي تقدر على ألا تطرحه، فقال: لله أرحم بعباده من هذه بولدها)، وفي رواية أخرى عن عبد الله بن أبي أوفى الأسلمي، قال: خرجت فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر قعودا، وإذا غلام صغير يبكي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم– لعمر: "ضم الصبي إليك؛ فإنه ضال"، فضمه عمر إليه، فبينا نحن قعود إذ أم له تولول -أظنه قال-، وتقول: وابنياه! وتبكي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمر: (ناد المرأة فإنها أم الصبي"، وهي كاشفة عن رأسها ليس على رأسها خمار جزعا على ابنها، فجاءت حتى قبضت الصبي من حجر عمر، وهي تبكي والصبي في حجرها، فالتفتت، فلما رأت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: واحرباه ألا أرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: (أترون هذه رحيمة بولدها؟)، فقال أصحابه: بلى يا رسول الله، كفى بالمؤمن رحمة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفس محمد بيده، الله أرحم بالمؤمن من هذه بولدها".

وتأملي قوله -صلى الله عليه وسلم-: (لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها)، فأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟! وهل رحمة الله تنال بالتواني والكسل، أم بالجد والعمل؟! ولمن كتبها الله؟! وهو جل جلاله يغفر الذنوب جميعا متى ما أقبل العبد عليه فعن عبد الرحمن بن جبير -رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- شيخ كبير هرم، سقط حاجباه على عينيه، وهو مدعم على عصا، أي: متكئا على عصا، حتى قام بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها، لم يترك داجة ولا حاجة إلا أتاها، لو قسمت خطيئته على أهل الأرض لأوبقتهم -لأهلكتهم- أله من توبة؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "هل أسلمت؟"، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال: "تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك كلهن خيرات"، قال: وغدراتي وفجراتي يا رسول الله؟ قال: (نعم، وغدراتك وفجراتك)، فقال: الله أكبر، الله أكبر، ثم ادعم على عصاه، فلم يزل يردد: الله أكبر، حتى توارى عن الأنظار.

الله يريدك صالحة تائبة إليه، واستمعي أو استمتعي بقراءة هذا الحديث وكرريه على مسامعك، عن أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روى عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه"، قال سعيد بن عبدالعزيز: كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه إعظاما له.

ثالثا: قد ذكرت ذنوبا قد فعلتها وسترها الله عليك محبة منه إليك فاحمدي الله على ستره، وأملي المغفرة عند التوبة بين يديه يوم العرض عليه، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه عرض له رجل فقال: كيف سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النجوى؟ فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الله يدني المؤمن، فيضع عليه كنفه ويستره، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه، ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته، وأما الكفار والمنافقون، فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين).

فتوبي –أختنا- وأقبلي على ربك واعلمي أنه يريدك، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يحكي عن ربه -عز وجل- قال: (أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى-: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى-: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى-: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك).

رابعا: بعد صدق محبتك لله وتوبتك من المعاصي وكفك عن الوقوع فيها فإننا ننصحك حتى تثبت الطاعة بعدة أمور:

1- الحرص على الفرائض والنوافل فهذا طريقك إلى محبة الله لك، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته).

2- البحث عن الصحبة الصالحة التي تقربك من الله ، فهذا أكبر معين لك على طاعته ، ابحثي عن أخت تقول لك "اجلسي نؤمن ساعة"، فقد كان هذا ديدن أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-، قال أبو الدرداء: "كان ابن رواحة يأخذ بيدي ويقول: تعال نؤمن ساعة، إن القلب أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانها"، وقد قال الشاعر:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه --- فكل قرين بالمقارن يقتدي

وقال آخر:

فصاحب تقيا عالما تنتفع به --- فصحبة أهل الخير ترجى وتطلب

وإياك والفسـاق لا تصحبنهم --- فقربهم يعدي وهذا مجرب

فإنا رأينا المرء يسرق طبعه --- من الألف ثم الشر للناس أغلب

وفي المثل (الصاحب ساحب) فصاحب الإيمان يسحبه إلى ما فيه زيادة الإيمان والعكس بالعكس.

وفي الصحيحين من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما تجد ريحا خبيثة) ويحذيك أي يعطيك، والأدلة وأقوال السلف كثيرة في أثر الصحبة الصالحة في زيادة الإيمان.

3- كثرة التفكر في الموت والقبر وما بعده من لقاء الله يوم العرض عليه من الأمور المثبتة لك على الطاعة، سيما إذا كان حسن ظنك بالله مصاحبا لك دوما.

4- كثرة الدعاء إلي الله عز وجل، فإن الدعاء سهم صائب.

وفي الختام لا ننصحك بالإقبال بقوة على الطاعة والنوافل، فإن الله لن يمل حتى نمل، ابدئي بالفروض والسنن المؤكدة، ثم ترقي بنفسك، وستجدين الخير -إن شاء الله-.

نسأل الله أن يثبتك على طاعته، وأن يبارك في عمرك.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات