الوساوس القهرية تتسلط عليّ.. كيف أتجنب الاستجابة لها؟

0 194

السؤال

أنا شاب في عمر 32 عاما، متزوج، ولي ثلاثة أطفال ولله الحمد، وأعمل بوظيفة جيدة براتب جيد -ولله الحمد.

مشكلتي بدأت منذ عشرة أعوام عندما اتصلت بصديق عزيز بالصدفة في بيته لأسأل عنه ففوجئت بخبر وفاته، فأصبت بنوبة اكتئاب شديدة صاحبها أفكار وسواسية، وخوف من ألقى نفس المصير، فأصبحت لا أستطيع النوم أو العمل كما ينبغي، أو الاستمتاع بمباهج الحياة، واستمر هذا الوضع سنتين عانيت فيهما كثيرا، وأصبت بوسواس بأنني مصاب بمرض خطير بالقلب.

زرت أكثر من طبيب، وقمت بعشرات الفحوصات كلها تؤكد سلامتي -ولله الحمد- ومع ذلك أظل أشعر بالوهن ودقات غريبة في القلب، وسرعة مفاجئة في دقاته، وحالات هلع جامحة اضطرتني أحيانا للعودة من الطريق، وقطع ذهابي للعمل، أو الخروج في وقت مبكر من العمل حتى هداني الله للزواج، فتحسنت حالتي كثيرا، وأصبحت أطرد هذه الوساوس كلما طافت برأسي.

بالفعل سافرت إلى الخارج لفترات محدودة كمهمات عمل بدون أي مشاكل حتى توفى الله ابن عم لي كان مريضا بالسكري ومضاعفاته فتأثرت كثيرا، ولكنني لم أكتشف ذلك إلا بعد أن سافرت للعمل في مهمة قصيرة كالعادة، لكن بدأت تنتابني مخاوف أنني لن أرجع إلى بلدي ثانية، ولن أر أبنائي حتى أصبت بالهلع واضطررت للعودة إلى بلدي بحجج واهية، ثم قررت أن أسافر مرة أخرى لأقهر خوفي، فسافرت وأصبت بالهلع أيضا، لكني تماسكت حتى عدت لبلدي في الموعد المحدد، وقررت ألا أعاود السفر، فرجعت إلى طبيعتي.

لكن منذ شهرين تقريبا فاجأتني الحالة في طريقي للعمل- كنت مستقلا مواصلات عادية مع أناس لا أعرفهم، وليس بسيارة العمل المعتادة- إذ أصبت بخوف شديد، ورعب دون سبب، وتسلطت علي نفس الأفكار القديمة، فعدت أخشى السفر حتى للفسحة، ودائما يعتريني الاكتئاب والخوف والترقب، ويتغير مزاجي، وأصبحت أنتظر انتهاء العمل بصبر شديد، ولا أحب الذهاب إليه أصلا، ولكن في بعض الأوقات أجد نفسي طبيعي تماما، وخصوصا بعد ممارسة كرة القدم.

للعلم تتسلط على بعض الأفكار الوسواسية، وأجد نفسي أستجيب لها تلقائيا مثل: غلق الباب أكثر من مرة، وأشعر أنني إن لم أفعل فسأتأذى، أو سوف يتأذى أحد أبنائي.

أنا -ولله الحمد- مداوم على الصلاة والأذكار وقراءة القرآن، لكن وللأسف تستغرقني بعض الأحيان أفكار جنسية قبيحة لا أهرب منها إلا بصعوبة شديدة.

أفيدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أخي الكريم: أنت حباك الله تعالى بأسباب الاستقرار، هنالك الزوجة الصالحة، رزقك الله تعالى الذرية الطيبة والوظيفة الممتازة، وأمورك طيبة، فاجعل التفكير الإيجابي هو ديدنك ومبدأك الذي تتحرك منه، وكن متفائلا حول المستقبل، وعش الحاضر بقوة.

أيها الفاضل الكريم: الأعراض التي تنتابك لا شك أنها أعراض مخاوف، والذي يظهر لي أنه لديك الأسباب المهيأة للمخاوف، أي أن البناء النفسي لديك فيه شيء من الاستعداد والميول للقلق، وأتت بعد ذلك الأسباب المرسبة، ويأتي على رأسها سماعك خبر وفاة صديقك العزيز هذا - رحمه الله تعالى – بعد ذلك حدث لك نوع من التواصل الإيحائي، أو نوع من التماهي مع المتوفى، مما جعلك توسوس حول الموت، وأنك مصاب بمرض خطير في القلب، وهكذا.

وهذه الحالات معروفة، قد تؤدي حتى إلى المراء المرضي، أي التوهم المرضي، هذا لم يحدث لك - الحمد لله تعالى -.

حالتك الآن تتمركز في الخوف حين تكون خارج بيتك أو منطقتك، وهذه معروفة وتسمى برهاب الساحة، وهي مرتبطة بنوبات الهرع والفزع، وفي بعض الأحيان بالوساوس..

أيها الفاضل الكريم: هذا الفكر يجب أن تحقره – أي فكرة المخاوف – ولا بد أن تتخيل بتكثيف شديد وتركيز كبير أنك سافرت وأنك ذهبت وأنك قد أديت المهمة -إن شاء الله تعالى- التي سافرت من أجلها وعدت وأنت ظافر وغانم.

عش هذا النوع من الخيال – أخي الكريم – وهذا نسميه بالتعرض في الخيال، وهو مفيد جدا.

وحاول ألا تتردد أبدا في موضوع الخروج من البيت إلى العمل، أو السفر؛ لأن الفكر من هذا النوع يعالج بما هو ضده، والإصرار على التعريض لموطن الخوف هو أحد المبادئ السلوكية الرئيسية التي أثبتت جدواها.

أخي الكريم: الأفكار الجنسية القبيحة التي تأتيك هي أفكار وسواسية، لا تسترسل فيها، اصرف انتباهك عنها، وأكثر من الاستغفار، واستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم.

أخي الكريم: أنا أرى أنك سوف تستفيد كثيرا من الأدوية المضادة لقلق المخاوف الوسواسي، وعقار (زيروكسات Seroxat)، والذي يسمى علميا باسم (باروكستين Paroxetine)، أو عقار (زولفت Zoloft)، أو يعرف تجاريا أيضا باسم (لسترال Lustral)، ويسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline) ستكون هي الأفضل بالنسبة لك، وما دمت أنك تعيش في مصر، ومصر زاخرة بالكفاءات الطبية النفسية، فأرجو أن تذهب لأحد الإخوة الأطباء ليصف لك الدواء الذي يراه مناسبا، وأنا متأكد أنه سوف يؤكد على التشخيص الذي ذكرناه لك، ويزودك بالمزيد من النصح والإرشاد، الذي أسال الله تعالى أن يفيدك به.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات