السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سأتحدث عن الخوف الذي قتل أحلامي وأمنياتي، ولا أعرف لماذا أشعر بالخوف أينما أذهب؟ سأتحدث عن طفولتي:
عندما كنت صغيرا كنت سعيدا في حياتي، وعندما كبرت في سن التاسعة أو العاشرة تقريبا تغيرت فجأة، أصبحت أخاف من الناس، وأصبحت منعزلا عن العالم، ولا أخرج من المنزل إلا للضرورة، حياتي أصبحت سلبية، أعترف أن في طفولتي أخي الكبير كان يستهزئ بي، وكان يضربني، وكان أبي أيضا يفعل ذلك، أصبحت أخاف منهم، وكبر الخوف فأصبحت أخاف من الناس أيضا.
أيضا في المدرسة كان الناس يستهزؤون بي كل يوم حتى كرهت نفسي، وقلت ثقتي بنفسي جدا، كان أخي يقول لي: أنت مريض نفسيا، أنت معقد، أنت لا تعرف تتصرف مثل الناس. وأيضا أصبحت حساسا جدا، كان أهلي يعاملوني وكأنني غريب ولست مثلهم، حتى أني صدقت أني لست طبيعيا، كانوا يستهزؤون بي كل يوم.
كنت كلما أذهب إلى المدرسة وأنا في الطريق أشعر بالخوف جدا وكأنني ذاهب للموت، تأتي أفكار سلبية كثيرة وأشعر بالخوف وبالمغص، وبالتلعثم وأيضا بالضيق الشديد، ولا أعرف أوقف هذا الخوف، أيضا عندما كبرت في سن المراهقة أصبحت كثير الحزن والاكتئاب، وأصبحت لا أخرج من المنزل، وكان أخي يعيرني في ذلك، وأبي أيضا، أحسست أني سأعيش هكذا طول حياتي بالخوف وانعدام الثقة بالنفس، كنت أخاف من المناسبات، ومن الأعياد، كنت أحتقر نفسي؛ لأنني كنت أخاف وأنا أنظر إلى الأطفال في الأعياد وهم واثقون من أنفسهم وسعيدون، وأيضا أقراني.
عندما وصلت لمرحلة الثانوية كنت لا أتحدث مع أصدقائي إلا مع القليل، كان أصدقائي يستهزئون بي ولا أعرف الرد، أنا أعرف الرد لكن مع أصدقائي المقربين، أما أمام الملأ لا أعرف، وأخاف من المناسبات، أخاف أن أتكلم أمام الناس، حزين جدا، مكتئب، ودائما تأتيني أفكار من الداخل، أحس أني وحيد، منبوذ، مسكين، خائف، لا أقدر ذاتي، وكبرت على هذا الحال، ومهما أفعل مثلما يفعل الأشخاص الطبيعيون إلا أنني أشعر بأني أقل منهم.
أشعر بأنني غير محبوب، ولست كفؤا، أريد أن أعيش، أريد أن أغير حياتي، أريد أن أكون جريئا وواثقا من نفسي، أريد أن أذهب إلى المناسبات وأنا هادئ بدون خوف، هناك أشخاص أصغر مني لا يخافون، فلماذا أنا أخاف؟
لا أذكر مرة أني ذهبت إلى مناسبة بدون خوف، مع أنني أذهب كثيرا متمنيا أن يزول مع التكرار ولكنه لا يزول، ولا أتذكر مرة أني ذهبت إلى المدرسة وأنا لا أشعر بالخوف، مع أني لا أجد سببا مقنعا بالخوف.
لا أتذكر أني شعرت أنني طبيعي، كان أخي يقول لي: إنك لست طبيعيا. أريد الحل، واجهت كثيرا، أشعر بالخجل، أشعر أن الناس يريدون شرا بي، أشعر أني غريب.
سأتحدث عن الأعراض التي أعاني منها:
1- خوف اجتماعي.
2- توتر وارتباك.
3- اكتئاب شديد لا يتوقف، لا يتوقف كل يوم في كل وقت.
4- أفكار غريبة وكأن العالم تغير أو أنني لست أنا، ولا أعرف نفسي.
5- لا أشعر أنني كفؤ.
6- الخجل من الجنس الآخر.
7- الخوف من أن أكون علاقة جديدة فيكتشف أنني غريب.
8- الخجل من المشاركة في الفصل، أو التحدث ولو 3 دقائق لوحدي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ طلال حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أشكر لك ثقتك في إسلام ويب.
أخي الكريم: مكونات السلوك عند الإنسان تأتي من تفاعل ما يعرف بالعوامل المهيئة والعوامل المرسبة، أما العوامل المهيئة فهي البناء النفسي للإنسان، أي بناء شخصيته، وتأثير الموروثات الجينية عليه، هذه العوامل المهيئة قد تكون ذات أثر كبير جدا عند بعض الناس، وفي بعضهم يكون أثرها قليلا جدا، أي بمعنى أن هنالك أناسا بفطرتهم ومكوناتهم الوراثية لديهم استعداد أكبر للقلق والتوتر والمخاوف، وبعد ذلك تأتي العوالم المرسبة، وهي الظروف الحياتية، الظروف البيئية، الظروف التربوية، هذه أيضا قد تساهم في إخراج السلوك الإنساني.
إذا توفر الظروف المهيئة زائدا الظروف المرسبة يعطينا السلوك الإنساني، والخوف هو أحد أهم سبل التعبير عن المشاعر لدى الإنسان. الخوف في أثناء الطفولة، خاصة الخوف من الذهاب إلى المدرسة، أو ما نسميه برهاب الدراسة، أو قلق الفراق، لأن الكثير من الذين يجدون صعوبة في الذهاب إلى المدرسة تجدهم من أفضل الأطفال وفي أحسن الأسر، لكن ينتابهم الخوف من الفراق، من فراق المنزل، من فراق أمان الوالدة، وهكذا، هؤلاء -أي الذين يعانون من هذه الظاهرة السلوكية في فترة الطفولة- دائما تجد أنهم سوف يحدث لهم شيء من الرهاب الاجتماعي في المستقبل، وهذا هو الذي حدث لك.
أنت الآن تعاني من أعراض رهابية واضحة، مخلوطة بشيء من الخجل وعدم القدرة على التفاعل الاجتماعي الصحيح، والإحجام عن المواجهات الاجتماعية المطلوبة.
إذا النموذج السلوكي بالنسبة لك واضح، وأتمنى أن يجيب هذا على كل أسئلتك التي طرحتها، توجد عوامل مهيأة، تفاعلت مع عوامل مرسبة أدت إلى هذا السلوك.
وما دام هناك أسباب ومسببات فإزالتها سوف تؤدي إلى العلاج، والآن أنت -الحمد لله تعالى- قطعا حدث لك الكثير من التطور في ذاتك وفي نفسك وفي شخصيتك، وهذا يجب أن يدفعك للتخلص من الخوف ومن الارتباك، وأن تكون أكثر ثقة في نفسك، وأن تتخذ خطوات عملية لتتخلص من الخوف.
أول خطوة عملية هي: أن تصلي مع الجماعة في المسجد، وأن تمارس رياضة جماعية، وأن تلتزم بواجباتك الاجتماعية، خاصة فيما يتعلق بحضور المناسبات، ومشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم، وعليك أيضا أن ترفه عن نفسك بما هو طيب وجميل، بأن تخرج مع أصدقائك حسب ما هو ميسر ومتاح كما ذكرنا لك.
هذه هي الطريقة التي تخرج نفسك بها مما تعاني منه من فكر سلبي.
ونقطة هامة جدا، هي: ألا تخاف من المستقبل، وألا تتحسر على الماضي، عش الحاضر بقوة، وهذا هو المهم، واجعل لنفسك برامج حياتية تدير حياتك من خلالها، تكون لك آمال، تكون لك طموحات، تكون لك أهداف، والأهداف نفضلها أن نقسمها إلى أهداف آنية وأهداف متوسطة المدى -أي التي ينجزها الإنسان خلال ستة أشهر- وأهداف بعيدة المدى.
من خلال هذه الرؤية الواضحة والبسيطة أعتقد أنك تستطيع أن تتجاوز كل ما بك من مخاوف، وفي ذات الوقت أنصحك بأن تقابل طبيبا نفسيا لتتناول أحد الأدوية المضادة لقلق المخاوف مثل عقار يعرف تجاريا باسم (زولفت Zoloft) أو يعرف تجاريا أيضا باسم (لسترال Lustral) ويسمى علميا باسم (سيرترالين Sertraline) مثلا، فهو جيد ومفيد جدا، وأنت لا تحتاج لتناوله لمدة طويلة، ولا بجرعة كبيرة.
وللفائدة راجع العلاج السلوكي للرهاب: (269653 - 277592 - 259326 - 264538 - 262637).
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.