نوبات الهلع... هل هي مرض مزمن ودواؤها دائم؟

0 368

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكر الله القائمين على هذا الموقع، والشكر الخاص للدكتور محمد عبد العليم؛ لأمانته، وشديد نصحه، لا حرمه ربي الجنة.

قبل أن أبدأ بشرح حالتي أود أن أسأل هل الأمراض النفسية تعتبر مزمنة؟ وهل تستمر مع الإنسان طوال حياته؟ وهل الإنسان حين يصاب بقلق أو اكتئاب أو نوبات هلع؛ ممكن أن يتطور الأمر معه ويصل إلى الجنون أو الانفصام كما يسمى بالطب النفسي؟ حقيقة هذا التساؤل يؤرقني كثيرا.

أما حالتي فقد أصبت قبل عامين بمرض نوبات الهلع، وتعالجت منه بأخذ دواء سيبراليكس لمدة 7 أشهر، وكانت مع متابعة طبيب نفسي، وبعد أن استقرت حالتي -ولله الحمد- انقطعت عن العلاج بأمر من الطبيب نفسه، ومضى لي منذ ترك العلاج ما يقارب السنة والنصف، وبعد تركي للعلاج بثلاثة أشهر أتتني نوبة الهلع، ولكن لم تؤرقني، تأتي لساعات ثم تمضي، وهكذا الأمر معي، كل 3 أو 4 أشهر تأتيني.

أصبحت متوائما معها، حتى أتاني قبل 3 أشهر شيء غريب، ألم في الرأس والأذن، وكنت أعلم يقينا أنه نوع من القلق، لكني لم أستطع أن أشخص حالتي، هل هي نوبة هلع أم ماذا؟ ولم أستطع أن أذهب إلى أي طبيب نفسي؛ لأني كنت خارج بلدي، وأخشى حقيقة أن أذهب إلى طبيب نفسي لا أعرفه.

لكن حالتي هذه كانت مغايرة تماما عن أعراض نوبات الهلع التي تأتيني دائما، لا ضربات في القلب، لا شعور بالإغماء، لا رجفة، إنما كان يأتيني هو خوف من الأمراض الخطيرة، مع قلق واضح غير مبرر، ومع لسعة كهرباء في الأذن، وحزن شديد على حالي، وكنت لا أستطيع أن أنام من الخوف وآلام الرأس والأذن، وأبكي لعدم خلودي للنوم، مع شعور بالضيق، ولأني ذهبت لإجراء بعض الفحوصات عند أطباء مختصين بالدماغ، وكانت التحاليل سليمة ولله الحمد؛ لأن غالب ما يأتيني كان بالرأس.

أشعر بأصوات كالكهرباء، ليس دائما، وعند سماعي أي صوت كالكهرباء أو صوت الذباب مثلا أبدأ أقلق، وأشعر وكأن هذا الصوت من رأسي، حقيقة لم أستطع أن أسيطر على نفسي؛ ولأن هذه الحالة أثرت علي، وعلى دراستي، وعلى نومي، وحالتي النفسية، وكذلك على حياتي بشكل عام.

ذهبت إلى الصيدلية، وأخذت علاج السيبراليكس عيار 20 غرام، وبعد 3 أيام تحسنت وبدأت أشعر بالتحسن قليلا ولله الحمد، وما زلت في تحسن بفضل الله، واستمريت على عيار 20 غراما لمدة شهرين و10 أيام تقريبا، حتى رجعت لبلدي، فذهبت إلى طبيب نفسي، فخفض الجرعة إلى 10 غراما، وما زلت على 10 لأكثر من 3 أسابيع.

والآن مضى على العلاج أكثر من 3 أشهر، 70 يوما، عيار 20، ومنذ ثلاثة أسابيع خفضتها إلى 10 غراما، لكنه قال لي: بما أنك استخدمت العلاج مرة أخرى فاستمر بالعلاج لمدة سنة ونصف، أو سنة، وليس 6 أشهر، وهذا الأمر أقلقني حقيقة، علما أن حالتي الآن مستقرة تماما ولله الحمد.

سؤالي: ما تشخيصي بالضبط؟ وهل ما في يعتبر أمرا يعيق استكمال حياتي، من دراسة، وزواج؟ وهل سيستمر معي طوال حياتي هذا الأمر؟ وهل صحيح أنه كلما تركت العلاج ترجع لي هذه الحالة؟

أفيدونا أثابكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أشكرك -أيها الفاضل الكريم– على كلماتك الطيبة وثقتك في شخصي الضعيف، أسأل الله تعالى أن يتقبل منا جميعا، وأن ينفع بنا جميعا.

أخي الكريم: الأمراض النفسية كثيرة جدا ومتداخلة جدا، ولها عدة تقسيمات، هنالك حالات نفسية عصابية بسيطة، هنالك حالات عصابية شديدة، وهنالك ما يعرف أيضا باضطراب أو خلل الشخصية، وتوجد ما يعرف بمجموعة الأمراض الذهانية أو الأمراض العقلية، طبعا الأمراض الذهانية أو العقلية –كمرض الفصام– هي الأشد، ولا شك في ذلك، لكن هذه الأمراض -بفضل من الله تعالى– قليلة.

أكثر الأمراض شيوعا هي أمراض القلق والتوترات والمخاوف، وشيء من الاكتئاب النفسي، وهذه حقيقة لا أعتبرها أمراضا مزمنة أبدا، في مجملها يمكن احتوائها، يمكن العلاج منها، خاصة إذا سعى الإنسان أن يطور نفسه، تطوير الذات وتنميتها والحرص على أن يكون الإنسان إيجابيا في كل مشاعره، في كل وجدانه، في أفكاره، في أفعاله، هذا قطعا يقلص تماما المساحات الوجدانية التي قد يشغلها القلق والتوتر في حياتنا.

ويا أخي الكريم: القلق والتوتر والمخاوف وكذلك الوساوس إن وجد منها شيئا لدى الإنسان فلا بأس في ذلك، لأنها حقيقة طاقات نفسية إيجابية، هي التي تؤدي إلى نجاحنا، إلى انضباطنا، إلى إقدامنا على فعل ما هو إيجابي.

والحمد لله تعالى الطب النفسي تقدم جدا، وأنا أنصح حقيقة مهما كانت أعراض الإنسان يجب ألا يستسلم، يجب أن يثابر، ويجب أن يطور ذاته ومهاراته، هذه هي الطريقة المثلى للتخلص من معظم الحالات النفسية، وحتى الحالات الذهانية.

ويا أخي الكريم –ودون أي مبالغة– أنا أعرف تماما أشخاصا يعانون حتى من مرض الفصام، لكن بفضل من الله تعالى استطاعوا أن يؤهلوا أنفسهم بصورة ممتازة، تجدهم قد تزوجوا، وتجدهم قد يعملون في وظائفهم بصورة ممتازة جدا، تواصلهم الاجتماعي أيضا جيد، وهكذا.

الحمد لله تعالى نحن الآن في مرحلة جيدة جدا فيما يتعلق بالتقدم العلاجي.

الأمراض العصابية كالهلع والقلق لا تتحول إلى أمراض عقلية أو أمراض فصامية.

أرجع -أيها الفاضل الكريم– لحالتك، وأقول لك: نعم ما حدث لك في بدايات الأمر كانت نوبات هلع أو هرع، بعد ذلك تحول الأمر إلى مخاوف قلقية مع وجود أعراض جسدية أو ما نسميه بالأعراض النفسوجسدية.

إذا –أخي الكريم– حالتك هي: شيء من القلق، الهلع، المخاوف، وهذا قطعا يولد شيئا من الوسوسة، الانشغال بالحالة، وهذا يرجع للإنسان مرة أخرى إلى القلق والوسوسة.

أنت -أيها الفاضل الكريم– لا تعاني حقيقة من مجموعة من الأمراض، لا، أنت تعاني من ظاهرة نفسية –حتى أنا لا أحب أن أسميها مرضا– أنا لا أريد أن أقلل أو أهون أو أختزل الأمور، لا، هذا ليس منهجي –أخي عبد الله– اطمئن تماما، لكن بالفعل حالتك كما أراها الآن ليست حالة صعبة، حتى وإن كانت مزعجة بالنسبة لك، هو نوع من قلق المخاوف أدى إلى ظهور الأعراض الجسدية.

فعش حياتك بصورة طبيعية، أهم من العلاج الدوائي من وجهة نظري هو أن تكون إيجابيا، أن تطور ذاتك، أن تطور مهاراتك، أن تكثر من التواصل الاجتماعي، أن تنظم وقتك، أن تمارس الرياضة، أن تحرص على عباداتك وصلة رحمك... هذا –يا أخي– مهم جدا، وأعتقد هو العلاج الأساسي في حالتك، وتجاهل تماما الأعراض.

بالنسبة للعلاج الدوائي: السبرالكس دواء رائع، الطبيب قال لك أنك تحتاج أن تتناوله لمدة ثمانية عشر شهرا، وأنا أحترم هذا الرأي، لكن ربما لا تحتاج له بجرعة عشرة مليجراما، ربما تخفض الجرعة بعد مضي ثلاثة أشهر من الآن إلى خمسة مليجراما يوميا لمدة شهرين، ثم خمسة مليجراما يوما بعد يوم لمدة شهر إلى شهرين، ثم يمكنك أن تتوقف عنه.

لا تنزعج أبدا، الأمور سهلة وبسيطة، وعش حياتك بصورة طبيعية، والزواج قطعا فيه الرحمة والمودة والسعادة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات