أسأل نفسي أسئلة غريبة؛ مما أتّر سلبًا على حياتي!

0 166

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعاني منذ مدة من حالة نفسية عجيبة، تحولت فيها من شخص طبيعي إلى شخص مريض بأفكار غريبة.

أصبحت أسأل نفسي أسئلة ليس لها إجابة يستوعبها العقل البشري، مثل: حقيقة الزمن، وكيف يمضي؟! والروح، وما سيحدث بعد الموت؟! وكيف يتفاعل البشر؟ وكيف يعمل العقل البشري؟ وكيف يتحكم الشخص بذاته وإدراكه ووعيه؟ وكيف تعمل الذاكرة؟ وكيف تخرج الروح من الجسد أثناء النوم؟! ومثل هذه الأشياء التي ليست بيد الإنسان، وأصبحت تمثل لي هاجسا لا أستطيع التخلص منه، كما سبب لي ذلك اضطرابا في نومي.

كما أنني أعاني من ظاهرة (deja vu) بشكل متكرر مؤخرا، وأحيانا تسبب لي بعض القلق، وتكون بوابة لأفكار سلبية إضافية أخرى، كما أنها بوابة للتعجب من الأشياء السابق ذكرها، مثل: الذاكرة، والعقل، وغيرها من الأشياء، وهواجس المرض، وتوهم المعاناة.

الحمد لله؛ فحالتي النفسية لم تؤثر على نجاحي مهنيا، ولكنها تسبب لي قلقا على الصعيد الشخصي، وتضيع من وقتي وجهدي الكثير.

أحب أن أنوه إلى أنني أرفض تناول أي نوع من العقاقير والأدوية.

أرجو منكم أن تفيدوني باستشارتكم؛ فأنا بحاجة ماسة لها، ولكم مني جزيل الشكر والعرفان والتقدير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يوسف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على التواصل بهذا السؤال، وعلى أن شرحت لنا بعض ما تعانيه، أعانك الله وخفف عنك.

معظم الأسئلة التي سألتها في نفسك هي أسئلة هامة، ويمكن أن يسألها أي إنسان يبحث عن المعرفة وفهم الأمور، إلا أن في سؤالك ما يشير إلى أن الأمر قد بدأ يأخذ عندك طبيعة وسواسية قهرية وخاصة عندما ذكرت: "ومثل هذه الأشياء التي ليست بيد الإنسان، وأصبحت تمثل لي هاجسا لا أستطيع التخلص منه، كما سبب لي ذلك اضطرابا في نومي".

فهذه العبارات تشير لأفكار وأسئلة قهرية لا تريد أن تفكر فيها إلا أنها تقتحم عليك أفكارك، وتحاول دفعها عنك إلا أنها تصر على اقتحام رأسك؛ مما يسبب لك الإزعاج واضطراب النوم، وأنت تسرح مع هذه السلسلة من قطار الأفكار والأسئلة.

أرجو أن تعلم أن الأفكار الوسواسية القهرية ليست من صنع الإنسان أو إرادته ورغبته، وإنما هي أفكار وتساؤلات تفرض نفسها على الإنسان رغما عنه؛ وبالتالي أنت لست مسؤولا عنها، وهي تحتاج للعلاج، وخاصة إذا طالت ولم تخف أو تتحسن بنفسها.

الجانب الآخر في سؤالك، هو حول ظاهرة نفسية معروفة؛ عندما يشعر الإنسان وكأنه مر من قبل بنفس الموقف أو في نفس المكان، هي ظاهرة نفسية طبيعية وتسمى باللاتيني (Deja vu)، وتترجم مثلا: "كأنني مررت من قبل بهذا الموقف" وهي -كما قلت- ظاهرة طبيعية، ولا تستدعي القلق أو العلاج، وقد تحدث بسبب التعب وقلة النوم، وهي عندما تختفي الأسباب يمكن أن تذهب بنفسها.

بشأن الأفكار الوسواسية القهرية، وهي صلب موضوع سؤالك، ويبدو أنها بدأت تزعجك، وقد تؤثر لاحقا على حياتك ووظائفك المختلفة؛ فالأفضل مراجعة طبيب نفسي ليشرف على العلاج، وذلك عن طريق وضع التشخيص المناسب أولا، ومن ثم وصف الدواء المناسب أو حتى العلاج المعرفي السلوكي، وربما الاثنين معا في حال كانت الاستفادة محدودة من الأول.

من الضروري الاستمرار على العلاج لبعض الوقت، وعدم إيقاف الدواء فور التحسن، وإنما الاستمرار عليه لبعض الوقت؛ لأن هناك خطر انتكاس الأعراض.

وفقك الله، وكتب لك الصحة وراحة البال والنوم الهانئ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور/ مأمون مبيض، استشاري الطب النفسي، تليها إجابة الدكتور/ عقيل المقطري، مستشار العلاقات الأسرية والتربوية:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ردا على استشارتك أقول:

1- حقيقة الزمن أمر واقعي يسير وفق قانون محكم وضعه الله –تعالى-، وهو مرتبط بالشمس شروقا وغروبا أو بالقمر ظهورا وغيابا، وهذه الحقيقة يؤمن بها كل البشر باختلاف أديانهم ومعتقداتهم، فهاهم يدركون أسماء الأيام والأسابيع والشهور والسنين وتوقيت اليوم بالساعات والدقائق والثواني، قال الله –تعالى-: (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذٰلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون).

2- أما الروح فلا يعلم ماهيتها إلا الذي خلقها، فهي من علم الغيب الذي اختص الله به دون غيره قال الله –تعالى-: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو )؛ ولذا قال نبينا -عليه الصلاة والسلام كما ذكر الله عنه في سورة الأعراف-: (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون)، غير أن الله قد خص الرسل بشيء من علم الغيب بواسطة الإيحاء إليهم، فقال الله –تعالى-: (وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولٰكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم )، وقال: (عالم الغيب فلا يظهر علىٰ غيبه أحدا إلا من ارتضىٰ من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا)، والإيمان بالغيب هو ما يميز المؤمنين على غيرهم، فالمؤمن يؤمن بالغيب الذي أخبر الله به في كتابه وما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال الله في وصفهم: (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون).

وعلم الغيب نوعان: الأول: لا يعلم البشر كنهه وحقيقته، بل يؤمنون به كما جاء في القرآن أو السنة، والنوع الثاني: يمكن أن يعلم البشر بعضا منه، وهو ما كان مبنيا على مقدمات أو يمكن رؤية ذلك عبر الأجهزة، وذلك كهبوب الرياح ونزول المطر وكالحمل يرى بالأجهزة، ولكن العلم به ليس علما كليا، بل هو جزئي، وبعض العلماء لا يعدون ذلك من العلم بالغيب؛ لأنه مبني على مقدمات.

ومن الغيب الذي يؤمن به المؤمنون: ما سيحدث بعد الموت من الحساب والثواب في الجنة والعقاب في النار...إلخ؛ لأن الله أخبر عن ذلك في القرآن الكريم وأخبر عنه جميع الأنبياء والرسل.

3- نصيحتي لك -أيها الأخ المبارك- أن تكثر من قراءة القرآن الكريم؛ فهو كفيل بأن يجيب على كثير من تساؤلاتك، واستعن على فهمه بكتب التفسير، وخاصة تفسير ابن كثير وأضواء البيان للشنقيطي وتفسير السعدي -رحمهم الله جميعا-.

4- أما عن عمل العقل البشري والذاكرة: فالعقل البشري مرتبط بأعضاء الجسد كله، فإن احتاج الجسد لشيء، فإنه يرسل أوامره فيتلقاها العقل، ومن ثم يقوم بتنفيذ تلك الأوامر مستعينا بأجزاء أخرى من الجسم، والذاكرة هي جزء من العقل، عملها تخزين المعلومات، وأقرب مثال للعقل البشري والذاكرة: جهاز الكمبيوتر الذي قام باختراعه ذلك العقل البشري الذي هو آية من آيات الله، كما قال تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون).

5- أنصحك كذلك بقراءة الكتب العلمية سواء لكتاب مسلمين أو لغير المسلمين الذين ترجمت كتبهم، والتي تتحدث عن جسم الإنسان وما يحتويه من الأجهزة، وكيف تعمل تلك الأجهزة لتعرف قدرة الله وحسن صنعه وإبداعه؛ فذلك مما يزيد في إيمان المؤمن.

6- تضرع إلى الله بالدعاء أن يقوي إيمانك ويذهب عنك هذه الخواطر والوساوس، ومن ذلك: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك).

7- يجب أن تؤمن أن ألد أعداء الإنسان، هو الشيطان الرجيم الذي يحاول بشتى الوسائل أن يخرج المؤمن من إيمانه وأن يشككه ويجعله من أنصاره وأوليائه، ويجب أن تتخذه عدوا، قال تعالى:( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)، وقال: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين)، فالشيطان يعمل ليلا ونهارا لإغواء الناس، قال الله عنه: (قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) وقال عنه: ( ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا)، فكلما راودتك مثل هذه الخواطر، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ومن خواطره ووساوسه، قال تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم)، وبذلك سينخنس منك هذا الرجيم.

8- داوم على أذكار الصباح والمساء ودعاء الخروج من المنزل، ومنها قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من قال -يعني إذا خرج من بيته- بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له كفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان)، وأذكار دخول المسجد، ومنها: (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم)، ومن أذكار دخول المسجد أيضا: (إذا دخل أحدكم المسجد، فليسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم)، فذلك مما يعصمك من الشيطان ووساوسه.

أسأل الله –تعالى- أن يقوي إيمانك، وأن يعصمك من الشيطان الرجيم، إنه سميع مجيب.

مواد ذات صلة

الاستشارات