أعيش في صراع مع الوسواس والشك في الله ورسوله وكتابه، فكيف النجاة؟

0 181

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

أتمنى من الله أن أجد عندكم الدواء -بإذنه تعالى- كنت قبل رمضان الماضي قد التحقت بعمل جديد، وكان ضغط العمل عاليا جدا، وللأسف أنا شخصية لوامة وقاسية على نفسي جدا، وأتمنى أن يكون كل شيء كاملا.

كنت أصلي، ولكن كانت صلاتي سريعة، وأصليها وأنا جالسة، وكنت أستمع في بعض الأحيان للأغاني، لكنني لم أكن مداومة عليها، وكنت أشعر بالضيق عند سماعها, كنت أيضا أتلو كتاب الله، لكن دون تدبر، فقط من باب الواجب، لكن كنت مطمئنة، وأحاول التصدق كثيرا، ومساعدة الحيوانات، وبر والدي, ولم أكن أرتدي لباسا ضيقا، ولا كثيرة التبرج، وكنت أدعو الناس إلى الله، لم أكن سيئة والله.

في أوائل رمضان كنت أيضا مشغولة جدا، ثم قررت أن أتفرغ للعبادة تماما في العشر الأواخر، ولا أعمل أي شيء سوى العبادة، والتقرب إلى الله، وإصلاح كل ما مضى من تقصير، إلى أن جاءت المصيبة الكبرى، حيث بدأت الوساوس والشكوك قليلا، ثم ازدادت بشدة.

كانت في بادئ الأمر شكا في كتاب الله، وكانت حالتي النفسية تحت الصفر، لا طعام ولا لذة، وانهيارا تاما، وحزنا واكتئابا شديدا، بعد ذلك اتصلت بشيخ، وقال لي: إن هذه وساوس من شيء حدث قبل رمضان، فظهر بهذا الشكل، وإنه ليس شكا، فسألته: هل أشتري كتب العقيدة، قال: لا تكبري الموضوع، إن شيئا ضايقك قبل رمضان وانعكس عليك، فتكلمي مع أهلك بخصوصه.

ارتحت قليلا، لكنها استمرت وتوصلت إلى الغيبيات والملائكة والجنة والنار والقيامة, ثم جاءت الطامة وبدأت بوساوس في الله -جل وعلا- وفي رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

بدأت أقرأ في كتب العقيدة، وأبحث في السموات والأرض، وأتفكر في خلق الله، وأقرأ الكتب العلمية، والمواقع العلمية، ثم لا تلبث أن تعود الوساوس، للأسف كانت هناك بعض الكلمات التي تتحدث عن العقائد الأخرى، فالتصقت بعقلي، ولست مقتنعة بها، وأمقتها حين أفكر فيها، لكنها لا تغيب عن عقلي،
ومختلف الوساوس أنني خائنة لأهلي، وأنني أريد أن أؤمن لأنهم مؤمنون، لكن أعود وأقول لا، أنا مؤمنة لأن هذا هو الحق.

أقول لنفسي أخاف أن أفارق أهلي في النار، وهم في الجنة، ثم أتساءل هل الله سيحول قلبي عن الإيمان؟
هل بعد الإيمان يتركني الله؟ هل أنا منافقة؟ لكنني رغم هذه الوساوس, لم أضيع فرضا، ولا توقفت عن تلاوة كتاب الله، وأقرأ الأذكار صباحا ومساء، وأذكار النوم، وأصلي الشفع والوتر.

أخاف أن يتحول قلبي وأفقد إيماني، لا أشعر بلذة الحياة، وأكره نفسي، وأتمنى الموت، وأفكر بالانتحار، وأخاف من الغد، وأتمنى النوم دائما، وأخاف من الاستيقاظ؛ لأنه ما أن أستيقظ حتى تبدأ الوساوس وحديث النفس، كلما نظرت إلى أهلي أشعر بالحسرة، ومدى قوة إيمانهم، وأدعوهم للصلاة، أحسد الصالحين، وأتمنى أن أكون مثلهم في تعلقهم بالله وحبهم له، أشعر أن عقلي لا يستطيع التفكير، وأشعر أحيانا أنني أقبل هذه الوساوس، وأنها مني، وأشعر باللامبالاة، ثم لا ألبث أن أعود إلى رشدي، وأستعيذ الله من الشيطان.

دلوني ماذا أفعل؟ أريد أن يصفو إيماني بالله، وأعود للتسليم التام، إن ربي عزيز على قلبي، أحبه جدا، لم أر منه شرا، وأعترف بتقصيري، أخاف الكفر وأرتعب إذا أحسست أن قلبي قد يميل، كنت قد عانيت من هذه الحالة منذ 10 سنوات، وكنت أفكر في قتل جدتي؛ لأنها من أحب الناس إلى قلبي، هل هذا وسواس قهري؟ وهل آخذ البروزاك؟ هل أذهب إلى طبيب نفسي أو شيخ أم ماذا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نور الهدى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يتجاوز عن سيئاتك، وأن يقهر عدوك، وأن يخزي شيطانك، وأن يرد عنك كيد الكائدين، وحقد الحاقدين، إنه جواد كريم.

بخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- فأنت تتعرضين في الحقيقة لحملة شرسة من الشيطان - لعنه الله - لأن الشيطان عندما يعجز حقيقة عن أن يمنع الإنسان من أداء الطاعة والعبادة، أو أن يوقعه في المعاصي، فإنه يلجأ إلى هذا السلاح القذر، وهو سلاح الشبهات التي يثيرها حول العقيدة وحول العبادة وغيرها من الأمور الثوابت التي يحرص الإنسان على تنزيهها، وعلى الاحتفاظ بها، وعلى تقديسها وتعظيمها، يبدأ بهذه الحرب كما فعل معك الآن؛ ولذلك علاج ذلك كما فعلت - وكما ذكرت في رسالتك - أنك قلت: بعد هذه الوساوس لم تضيعي فرضا، ولم تتوقفي عن تلاوة كتاب الله تعالى، وتحافظين على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، وتصلين الشفع والوتر.

هذا هو الحل، لأنك بذلك عندما تعودين إلى الله تبارك وتعالى، وتفعلين الأعمال التي تقوي الإيمان، سوف تزول هذه الوساوس، والوساوس قد لا تزول دفعة واحدة ومرة واحدة، وإنما هي تحتاج منك إلى عزيمة وإصرار، وإلى حرص على مواصلة ما أنت فيه، وإلى احتقار هذه الأفكار السلبية، وهذا الاحتقار مأخوذ من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) فثناء النبي -صلى الله عليه وسلم- على الله وحمده إياه لرجوع الشيطان إلى الوسوسة يدل على أنها حقيرة، لا تستحق الانتباه ولا الانشغال بها؛ ولذلك أمر من وجد ذلك أن يستعذ بالله ثم ينتهي، وقال: (ذاك صريح الإيمان)، فاحتقريها ولا تلقي لها بالا.

لذلك أتمنى عندما تأتيك هذه الوساوس أن تبصقي على الأرض، ثم تمسحي هذه البصقة بحذائك، وتقولي: (يا عدو الله هذه أفكارك تحت نعلي، أنا مؤمنة بالله ورسوله، وأحب الله ورسوله)، وتظلين تتكلمين هذا الكلام الإيجابي، كأنك تردين على الشيطان، أنت بذلك تعطين رسائل إيجابية لنفسك، أنك لست على استعداد أن تقبلي مثل هذه التفاهات الحقيرة التي يقذفها الشيطان في عقلك أو في قلبك.

أنا أقول لك أنت على خير، ولا ينبغي أبدا أن تشعري بأن هذا الأمر خطر عليك بالصورة التي تتوقعينها، هذا نوع من الابتلاء والامتحان والاختبار، وسوف يمر كما مر غيره، ولكن المهم ألا نقف في هذه المحطة طويلا، وإنما نحاول أن نطارد هذه الأفكار، كلما بدأت تغزو عقلك حاولي -بارك الله فيك- أن تشتتي هذه الفكرة، بأن تنظري مثلا حولك يمينا أو يسارا، إذا كنت وحدك حاولي أن تخرجي من الغرفة لتتكلمي مع أحد من أهلك أو مع إحدى صديقاتك - أو غير ذلك - من الممكن أن تنظري من النافذة، أن تقرئي كتابا، أن تفتحي الجهاز، المهم لا تستسلمي لهذه الفكرة أبدا، حاولي أن تطارديها بأي وسيلة، حتى ولو برفع الصوت بذكر الله تعالى (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله) المهم أن تفعلي شيئا تطردين بها هذه الأفكار، حتى لا تتمكن منك.

مرة بعد مرة سوف -بإذن الله تعالى- تنتصرين على هذه الأفكار، وسوف تتلاشى، وقد تذهب نهائيا، ولكن هذا لا يمنع من أنه لا يوجد هناك مانع من أن تذهبي إلى أحد الرقاة الشرعيين الثقات ليقوم بالقراءة عليك، لاحتمال أن يكون هذا النوع من الوسواس الشيطاني الذي يحتاج إلى طرد قوي، ولن يطرد الشيطان من حياة الإنسان أعظم من كلام الله تعالى وكلام النبي -صلى الله عليه وسلم-.

أنا أقول: لا مانع -بارك الله فيك- من الذهاب لأحد الرقاة، ثم بعد الذهاب إلى الرقاة ننظر في الأمر، إذا من الله عليك وتم الشفاء - أو خفت الحالة - فأنت عرفت علاجك ولست في حاجة إلى أن تتناولي أي دواء آخر. أما إذا استمرت هذه الوساوس أو زادت ففي تلك الحال تحتاجين إلى مراجعة أحد الأخصائيين النفسانيين، وأنا أنصحك حقيقة قبل أخذ الدواء بضرورة مراجعة طبيب متخصص، لأنه ليس كل أحد يستطيع أن يأخذ دواء، وأن يكون الدواء مفيدا، لا، فقد يكون هذا خطرا عليك، وقد يؤدي إلى انتكاس حالتك، ولذلك لتنجح مسألة الرقية الشرعية لابد من مراجعة طبيب نفساني، كما أنصح بمواصلة هذه العبادات العظيمة التي تحافظين عليها، وأنصح ألا تنامي إلا على طهارة، وأن تظلي تقرئين الأذكار حتى تغيبي عن الوعي، وتدخلين في النوم العميق، وأن تجتهدي قدر الاستطاعة أن تكوني على وضوء، وأتمنى أيضا لو استطعت أن تجعلي الرقية الشرعية الصوتية تعمل في بيتك، الرقية الشرعية للشيخ محمد جبريل - هذا المقرئ المصري - يوميا، من العشاء - أو قبل ذلك - مثلا إلى الفجر، لأن مدتها تسع ساعات ونصف، فإنها ستنفعك جدا.

هذا وبالله التوفيق.
----------------
انتهت إجابة: الشيخ/ موافي عزب - مستشار الشؤون الأسرية والتربوية/ وتليها إجابة: د. محمد عبدالعليم -مستشار أول الطب النفسي وطب الإدمان-.
----------------
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، نسأل الله لك التوفيق والسداد.

أيتها الفاضلة الكريمة: رسالتك واضحة وجلية جدا، وأقول لك نعم أنت مصابة بالوسواس القهري، هذه الأفكار الشريرة واللعينة والتي تؤلم نفسك الطيبة هي أفكار وسواسية ولا شك في ذلك، والوساوس حول العقيدة منتشرة جدا، كما أن وساوس العنف أيضا هي من الوساوس المعروفة، لكن الإنسان لا يلجأ لها أبدا بفضل الله تعالى.

إذا فكرتك حول قتل جدتك هي فكرة وسواسية خبيثة لن يحدث منها شيء أبدا -بإذن الله تعالى- .

أيتها الفاضلة الكريمة: لا شك أن شخصيتك الطيبة والمنضبطة واللوامة جعلتك تربة خصبة جدا للوساوس، هذه نسميها بالعوامل المهيأة. تكوينك النفسي بالفعل يجعلك ضحية لمثل هذا النوع من الوساوس، لكن -إن شاء الله تعالى- فيها خير لك، -إن شاء الله تعالى- سوف تعالج.

كما أشار لك الشيخ موافي عزب - جزاه الله خيرا - عليك بالتحقير، عليك بعدم مناقشة الوسواس، عليك بفعل أن تضعيه تحت قدمك، احذري تماما من مناقش الوسواس، احذري تماما من إخضاع الوسواس للمنطق، احذري تماما من البحث حول الوساوس الدينية، لا تذهبي للفتية (الإفتاء) هنا وهناك، هذا يعقد الوسواس، إنما الإغلاق عليه من خلال تحقيره هو المبدأ الأساسي للعلاج.

الأمر الثاني هو العلاج الدوائي: لا شك أنه مفيد، لا شك أن الدواء فاعل، لا شك أن الدواء يشل حركة الوسواس والفكر الوسواسي، فاذهبي إلى الطبيب النفسي - أيتها الفاضلة الكريمة - لا تترددي أبدا، معاناتك لها عشر سنوات، وأنت صبرت كل هذا الصبر، وهذا شيء يحمد لك، لكن لا تتأخري أكثر من ذلك، لأن التدخل العلاجي المبكر سيكون مفيدا جدا لك.

الـ (بروزاك Prozac) دواء رائع، وذهابك إلى الطبيب والمتابعة معه سوف تعود عليك بخير عظيم -بإذن الله تعالى-.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات