أريد أن أقوم بأعمال لا يعلمها إلّا الله، فكيف أتعامل مع من يسألني؟

0 215

السؤال

السلام عليكم

أريد أن أقوم بأعمال لا يعلمها إلا الله، منها مما يكون من أجل أن يغفر الله لي الذنوب، ولا أريد أن يعلم بها أحد، أو أمور كتطوير الذات وما إلى ذلك.

مما يزعجني أن بعض الأشخاص المقربين يقومون بحشر أنوفهم، ويسألوني هل تقوم بكذا وكذا؟ وأقول لهم لا، لأني لا أريد أن يعلم أحد بهذه الأمور، لأنها تخصني، ولا أستطيع أن أقول لهم: إن ذلك لا يخصهم، فهم مقربون جدا، ويمكن أن يزعجهم هذا الجواب ويتجنبوني، فهل يمكنني القول لا؟ وهل يعتبر ذلك كذبا؟ لأني لا أريد أن يعلم أحد بهذه الأمور.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عاطف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبك على الحق، وأن يجعلك من عباده الصالحين الخالصين المخلصين.

كما نسأله تبارك وتعالى أن يجنبك الرياء والعجب والنفاق، وأن يجعلك من أحب عباده إليه، وأن يعيننا وإياك على ذكره وشكره وحسن عبادته.

بخصوص ما ورد برسالتك -أخي الكريم الفاضل- فإن ما تفكر فيه من أنك تريد عملا لا يطلع عليه أحد سوى الله، كان هناك من السلف من يفكر حتى بطريق أقوى مما أنت عليه، فإن بعضهم يقول: (وددنا أننا نعمل أعمالا لا يطلع عليه أحد حتى الملائكة)، فكانوا يتمنون ألا تعلم الملائكة بما يفعلونه بينهم وبين ربهم ومولاهم، وأنت الآن تعيد إلي هذه الصورة الرائعة، من أنك لا ترغب في أن يعلم أحد نوع العلاقة بينك وبين الله وما تقوم به من أعمال ابتغاء مرضاة الله عز وجل.

تقول: إن بعض المقربين منك أحيانا يسألك، فمما يجعلك تتحرج من عدم الجواب، وتخشى أيضا أن تكون بذلك قد أفسدت نيتك وضيعت عليك إخلاصك، ولذلك أنا أقول لك: بدلا من أن تقول (لا) حتى لا تكذب، فقل: (وهل تتوقع مثلي يفعل هذه الأشياء؟ إن مثلي لا يعلم بحاله إلا الله سبحانه وتعالى، هذه الأعمال التي تتكلم عنها أعمال عظماء، وقد ذهب العظماء، أما نحن فنحن ففقراء مساكين، مستورون بستر الله تعالى)، حاول أن تتكلم مثل هذا الكلام العام، الذي ليس فيه كذب وليس فيه إثبات، وإنما فيه كأنك تنفي عن نفسك بطريقة غير مباشرة، وتتهم نفسك بالتقصير - وكذا - حتى تصرف هؤلاء عن نفسك دون أن تقع في شيء من الكذب، لأن الكذب - كما تعلم - لا يكون إلا في المواطن التي حددها النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس منها هذا الموقف.

حقيقة هذا من التطفل والفضول الذي نهى عنه أهل العلم، فإن العلماء نهوا أن تسأل أخاك: هل أنت صائم أم مفطر، لماذا؟ لأنه قد يكون لا يريد أن يعلم بحاله أحد، ولذلك حتى ولو جاءك ضيف وقدمت الطعام أمامه دون أن تسأله، فإن أكل أكل، وإن لم يأكل فارفع الطعام دون أن تسأله حتى لا تفسد عليه نيته.

هكذا كان أدبهم، وهكذا كانت أخلاقهم.

أما الآن فبعض الإخوة الذين - قد يكون فيهم بعض الخير - نتيجة قلة العلم أو ندرة الفقه تجدهم يسألون فيما لا يعنيهم، حتى يوقعوا الناس في حرج - والعياذ بالله تعالى - أو يوقعوا الناس في الكذب، فقد يقول الإنسان (نعم) فيقع في موضوع الرياء، أو قد يخشى على نفسه ذلك، وقد يقول (لا) فيقع في الكذب، وإلا في الأصل عدم جواز أن يسأل الإنسان عن شيء لا يعنيه كما ورد في الحديث: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)، ما الذي يعنيك في أن هذا صائم أو غير صائم، أو أن هذا قائم أو غير قائم، أو أن هذا متصدق أو غير متصدق، اللهم إلا قلة العلم الشرعي والتطفل الذي - مع الأسف - درج عليه بعض الناس، وأصبح من الصعب أن يتركوه - مع الأسف الشديد -.

لذلك - كما ذكرت لك - أريدك أن تستخدم معاريض الكلام، المعاريض الواسعة العريضة، التي تخرجك من دائرة الجواب الصريح، وتجعل الأمر يحتمل الوجهين، وبذلك تدفع عن نفسك الحاجة إلى الكذب، أو إفشاء السر الذي لا تريد أن يطلع عليه أحد سوى الله، ثم بعد ذلك تكثر من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)، فإن هذا هو علاج الشرك الخفي - وهو الرياء - فعليك بالإكثار منه، ونسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق، وأن يتقبل منا ومنك صالح القول والعمل، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات