الوساوس والتفكير السلبي حالت بيني وبين الحياة السعيدة

0 188

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أسأل الله أن يجعل ما تقومون به من خدمة جليلة لعامة الناس في موازين حسناتكم، وأن يمد في أعماركم بطاعته.

عمري 24 سنة، وأول ما دخلت الثانوية لم يناسبني الوضع مع الطلاب الجدد، وأصبحت قليل الكلام والتفاعل إلا مع أصحابي القدماء، وهنا بدأت المصيبة؛ حيث صرت أكثر من التفكير السلبي، حتى قضى على ما بقي لي من إيجابيات، وبقيت أتقلب في الأفكار، وأجلد ذاتي في كل شيء، وأحسب حساب كل شيء حدث أو لم يحدث.

تنقلت بي الوساوس حتى أصبحت أعاني من آثارها السيئة؛ من تشتت وعدم تركيز وجمود ويأس وحزن وسوداوية في الحياة، بل إني أعجب ممن نظرتهم للحياة متفائلة، وقلت ثقتي بنفسي، بل أتاني رهاب ذات مرة، وصرت أتحسس، وأخجل من مواقف، بل من دون مواقف أتخيلها، خصوصا إذا كنت في مجلس به مرح وضحك كثير، ومع ذلك لا زلت أحب المناسبات.

صرت في أوقات كثيرة لا أعبر عن رأيي؛ لقلة ثقتي بنفسي، وأتحاشى جدالات كثيرة؛ ليس لشيء إلا أن مزاجي غير مستعد لأكملها إلى النهاية، إضافة إلى صعوبة إجراء حوار سلس بلا تكلف وقلق، خصوصا مع من هم خارج دائرتي الضيقة؛ لذا لم أكسب أصدقاء جددا منذ فترة.

كذلك عندي مشاكل في النوم، وكسل وخمول عام، وأكافح للقيام بالأعباء اليومية، وفقدت لذة ومتعة الحياة، وقل الاهتمام بالنظافة الشخصية.

تأتي هذه الأعراض حتى مع أقرب الناس لي، وبنسب متفاوتة، وأيضا التفكير في نظرة الناس، ومحاولة الظهور أمامهم بأفضل حالة، وزاد الأمر سوءا؛ المثالية التي أطلبها في أغلب الأشياء، حتى يئست من نفسي، فشخصيتي العامة متناقضة، ولم أعد أعرف طبيعتي من مرضي!

لا أريد أن أتخذ من وضعي هذا شماعة لكل فشل؛ لأني أجد في نفسي جرأة وثقة بالنفس زائدة في أحيان كثيرة، وكم اقتحمت مخاوفي هذه كعلاج سلوكي، ولكن بلا جدوى، فلا بد من متخصص.

أجل أمنية لي قبل أن أموت، هي أن أحيا!

لضيق في نفسي أطلت عليكم؛ لأني لقيت سعة في صدوركم، تقبلوا تحياتي، وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فهد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على التواصل معنا، وأنت لم تطل علينا، فقد ذكرت معلومات هامة، من المفيد أن نعرفها قبل الجواب.

لعل نقطة هامة في تفسير ما تعاني منه، وهو ورد في سؤالك، وهو ما نسميه الميل أو النزعة للكمال (perfectionism)، حيث يميل الشخص في كل شيء يعمله إلى أن يكون كاملا، والكمال لله -تعالى-.

بالرغم من صعوبة هذا الميل الذي قد يصل إلى حد الوسواس القهري، وربما هذا الشيء موجود عندك، حيث هناك تشكيك، وشيء من ضعف الثقة بالنفس في إمكاناتك وفي جودة العمل الذي تقوم به، فأنت تحاول دوما مراجعة الأمور، والتأكد من أنها على ما يرام، وهذا -ربما بحسب بعض التحليلات النفسية- إنما هو رمز لبعض الشعور بضعف الأمن والاستقرار، وشيء من ضعف الثقة بالنفس، ولتغيير هذا الأمر أمامك عدة أمور، ومنها مثلا:

أولا: أن تقتحم مجالات الحياة والعمل، وأن تقبل الأعمال النصف "مطبوخة" وليست الكاملة، وتبتعد عن الرغبة في أن ما تقوم به من أعمال يجب أن تكون أعمالا كاملة، نعم، اقبل بأنصاف الحلول، فهذا مما يمكن أن يخفف عنك بعض الضغط الذي تشعر به.

درب نفسك شيئا فشيئا على أن تقوم بالأعمال غير المتقنة 100% وأنت قادر على هذا، وهذا ملاحظ من خلال سؤالك الذي كتبت، وأنا أقول هذا من باب التشجيع ولفت نظرك له.

ثانيا: إذا وجدت صعوبة كبيرة في فعل هذا، فهناك طريق العلاج النفسي، سواء الجلسات العلاجية، أو بعض الأدوية النفسية، والتي يمكن أن تخفف عنك بعض أعراض هذه النزعة للكمال، وأعراض هذا الوسواس القهري. ولكن هذا العلاج لن يفيد أصلا من دون الأمر الأول، وهو محاولة الاقتحام وتغيير السلوك.

الأمر الآخر: الواضح من خلال سؤالك، هو حاجتك الكبيرة لإعادة النظر في نمط حياتك اليومي، من حيث النوم المناسب، والتغذية الصحية المتوازنة، والنشاط الرياضي... وكل هذا بالإضافة طبعا للصلاة والعبادات.

واطمئن، فأنت ستتمكن من تغيير هذا النمط من الحياة، ولو بشيء من البطء، إلا أنك ستقوم به -بإذن الله-.

وفقك الله، ويسر لك طريق التغيير المطلوب.

مواد ذات صلة

الاستشارات