أشعر أني شخصان: أحدهما طيب والآخر سيء.. ساعدوني

0 17

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا أدري من أين أبدأ بطرح المشكلة، ولكن أنا إنسان أشعر بالتقصير الكبير في جنب الله، وكلي ذنوب ومعاص في السر، هذا الشيء جعلني أكره ذاتي، وبدأت أحن لنفسي وأنا صغير، وكيف أني كنت طاهرا نقيا محبا لله أكره معصيته.

وأنا كشخص، أؤمن أن هذا الطفل الصغير المحب لله هو في صدري، ولكن تراكمت عليه الذنوب والآثام حتى دفن، وإن أزحت عنه هذا الركام فإني سأعود ذلك الطفل الصغير.

في هذا الجو والشعور المليء بالحزن -بالنسبة لي- نظرت يوما إلى صورة لي وأنا صغير، فقلت في نفسي: هذا الذي أريد أن أكونه، ثم أصابني شعور عظيم بالحزن ونمت، بعد أن استيقظت بدأت أشعر بأنني اثنان ولست واحدا، رجل صالح طاهر نقي، ورجل سيء كذاب.

أنا أعلم أني شخص واحد، وأن المشكلة نفسية لا أكثر، ولكن هذه الفكرة "أني شخصان" أرهقتني كثيرا وشتتني، وهزت الثقة بأني إنسان طيب، تعدى تأثيرها إلى علاقاتي مع الناس، وصرت كالذي يعيش في عالم آخر، وصرت أراني كسراب، كشيء مشتت، فأنا أراني شخصين.

أعلم أن الشيطان استغل هذه الفرصة، فصار يوحي إلي بأني مريض وممسوس، لما يصاحب هذا الإحساس من صداع في رأسي وضيق في التنفس، وأنا أعلم أنه ليس للشيطان نصيب في شعوري إلا مجرد الوسوسة، فمشكلتي نفسية واضحة، لكني أريد أن أرتاح من هذا الإحساس السيء جدا.

أفيدوني جزاكم الله خيرا في أسرع وقت، لا حرمكم الله الأجر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ناصر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أيها الولد الكريم- في إسلام ويب، وردا على استشارتك أقول:

ما منا من أحد إلا وله ذنوبه، ولا يسلم من الذنوب إلا الذين عصمهم الله منها كالأنبياء -عليهم السلام-، يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، ويقول: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بأقوام يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم).

هذا الانفصام النكد الذي تجده في حياتك ناتج عن الازدواجية في نظرتك لنفسك، فأنت تنظر إلى نفسك حين كنت قبل أن ترتكب الذنوب كإنسان طاهر لم يدنس حياته بالذنوب، وتنظر على واقعك المعيش فتجد شخصا مذنبا خطاء مقصرا في حق الله تعالى، والعلاج الناجع لهذا الانفصام هو التوبة النصوح، والتي من شروطها: الإقلاع عن الذنوب، والندم على ما فعلت، والعزم على ألا تعود إليها مرة أخرى، فإن تبت محا الله عنك الذنوب، وأبدلها لك حسنات، كما قال تعالى: (والذين لا يدعون مع الله إلٰها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ۚ ومن يفعل ذٰلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولٰئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ۗ وكان الله غفورا رحيما)، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

احذر أن يصيبك الشيطان باليأس من التوبة أو يثبطك عنها، فمهما كانت تلك الذنوب، ومهما كان التقصير، فإن الله تعالى يغفر الذنب ويعفو عن التقصير، فقد جاء المشركون للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا إن هذا الدين الذي تدعو إليه حسن، لو أنا نعلم أن ربك يغفر لنا ذنوبنا فإنا قد قتلنا النفس، وزنينا فأكثرنا، وشربنا الخمر فأسرفنا، فأنزل الله تعالى قوله: (قل يا عبادي الذين أسرفوا علىٰ أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ۚ إن الله يغفر الذنوب جميعا ۚ إنه هو الغفور الرحيم).

أنت لست شخصين بل أنت شخصية واحدة مرت في طورين، الطور الأول: طور الطهر والعفاف والبعد عن المعاصي، والطور الثاني: هو طور الوقوع في العصيان، وهذا أمر طبيعي يمر به كثير من الناس، لكن الشيطان الرجيم يريد أن يشغلك بهذا التفكير عن التوبة والعودة إلى الجادة وإلى الاستقامة، فلا تستسلم لوساوسه وخواطره، وإياك أن تسترسل معه وتحاوره، بل اقمعه بالاستعاذة بالله منه ومن وساوسه فإنه ضعيف، ولا يواجه إلا من ضعف أمامه، ولذلك يلجأ إلى الخواطر، وذلك هو كيده وغاية ما يمكن أن يفعله مع الإنسان، والله تعالى قد وصف كيده بأنه ضعيف، فقال: (إن كيد الشيطان كان ضعيفا).

عليك أن تنسى الصورة القاتمة لنفسك، واهتم بالصورة المشرقة، واجتهد في تنميتها ورعايتها، وقو إيمانها واربطها بالله تعالى، ووثق علاقتها به، فاجتهد في أداء ما افترض الله عليك، وأكثر من نوافل الصلاة والصوم، واعمل الصالحات، فهذه الأعمال ستقوي إيمانك بالله، وستجلب لك الحياة الطيبة، كما قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

أكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم كلما جاءك بوساوسه وخواطره؛ فسوف ينخنس عنك، وجاهد نفسك في هذا الباب، فإن فعلت هداك الله تعالى لأقوم سبيل قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ۚ وإن الله لمع المحسنين).

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وسله أن يتوب عليك، وأن يذهب عنك ما تجد وكن على يقين أن الله سيستجيب لك.

أكثر من تلاوة القرآن الكريم يطمئن قلبك كما قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ۗ ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

ارق نفسك صباحا ومساء بسورة الفاتحة، وآية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، والمعوذات وسورة الإخلاص، مع بعض الأدعية التي يمكنك أخذها من كتيب حصن المسلم للقحطاني.

داوم على أذكار اليوم والليلة، ولا تنس أن تأتي بأذكار النوم وأنت قاعد على فراشك قبل أن تضع جنبك، وأنا على يقين أنك سوف تجد راحة تامة، وسيزول عنك ما تعانيه شريطة أن تلتزم بما ذكرت لك.

مارس حياتك بطريقة اعتيادية، وصاحب الأخيار الذين يأمرونك بالمعروف ويدلونك ويعينونك عليه، ويأخذون بيدك إن زللت أو كدت، وابتعد عن الأشرار فهم سم زعاف، فالصاحب يؤثر في الشخص سلبا وإيجابا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، ويقال في المثل: الصاحب ساحب.

عاود التواصل بنا بعد العمل بهذه الموجهات، ونسأل الله أن يسمعنا عنك خيرا.

مواد ذات صلة

الاستشارات