كلما أبدأ عملا لا أكمله وأعود من البداية.

0 167

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكلتي كلما أبدأ عملا أو أي شيء خاص بي لا يكمل، وأجد نفسي أعود إلى نقطة البداية، وسوف أتكلم عن مشكلتي بالتفصيل، فقد تخرجت عام 2009 وفي عام 2013 جاءني إيفاد من الجامعة للدراسة خارج الدولة، وكان أحسن حدث في حياتي، وفعلا أكملت إجراءاتي وسافرت، ولكن بسبب مشاكل بلادي وسفارة بلادي، وبسبب عدم درايتي ومعرفة كيف تجري الأمور، أقفلت ملفي ورجعت إلي بلادي، حاولت كل المحاولات للرجوع وإكمال دراستي لكن دون جدوى بسبب ظروف بلادي وعدم وجود دعم من عائلتي!

أصبحت أقنع نفسي أنه لا يوجد نصيب في الدراسة، أنا الآن تعودت على البقاء في المنزل ولاستقرار وعدم الخروج من المنزل، هل هذا شيء طبيعي؟

للعلم لم أعمل بشهادتي أبدا، كل ما أبدأ عملا أحبه وأرغب فيه يحدث فيه مشكلة أو يغلق، والآن جاءني عمل لا أحبه ولا أرغب فيه، ولا أفهم فيه شيئا، فماذا أفعل؟

للعلم ليس فقط في الدراسة والعمل، حتى في حياتي الشخصية أعود إلى نفس نقطة البداية، وأجد نفسي في منزل مع الروتين حتى تعودت عليه، فهل حياتي هذه طبيعية؟ وهل أعاني من مشاكل؟

شكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

- لا يخفى عليك –أختي العزيزة– أن الابتلاء سنة إلهية كونية تجري على الإنسان حتى يلقى ربه (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه) وهذه هي طبيعة الحياة الدنيا لا تخلو من المصائب والمنغصات المختلفة (ولنبلونكم شيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين).

- والحكمة من البلاء هي تكفير سيئات المؤمنين ورفع درجاتهم, وقد صح في الحديث: (ما يصيب المسلم من وصب ولا نصيب ولا هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) والمسلم بطبيعة إيمانه يؤمن بقضاء الله وقدره حلوه ومره (واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك, رفعت الأقلام وجفت الصحف), ولهذا فهو يحتسب ثواب البلاء منشرحا صدره مطمئنا باله (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ولا يكون ذلك لأحد إلا للمؤمن, إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) رواه مسلم.

- ومما يعينه على تخفيف حدة البلاء عليه استحضار عظيم نعم الله عليه الظاهرة والباطنة مما يحمله على الاستحياء من الله أن يبدي بعض التأفف والتضجر من البلاء مهما عظم (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار) فيقابل البلاء بعبادات الصبر والشكر والرضا وعدم التضجر والتذمر والتحسر.

- وعليه فلا يجوز لك –وفقك الله– أن تتحسري على فوات مطلوب أو مرغوب، وارضي بما قسم الله لك وقضاه وقدره مستحضرة حسن الظن والثقة به، وأن ما يقدره لعبده فيه المنفعة والخير ودفع المفسدة والشر والضير, كما قال تعالى: (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم)، (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) ذلك أن أقدار الله تجري وفق كمال علمه وحكمته سبحانه كما قال جل جلاله: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما).

- هذا وأوصيك –أختي العزيزة– بالحذر من التزام العزلة عن الأهل والمجتمع؛ لما لها من أثر سلبي نفسي, وتعطيل لمصالح الحياة, واحرصي على السعي إلى إكمال دراستك إذا أمكن، واحرصي على التزام الآداب والضوابط الشرعية كالعفة والحجاب وقصد نفع النفس والمجتمع، وعدم السفر إلى الخارج من غير محرم أو التواصل مع الرجال الأجانب فيما يخالف آداب الشرع.

- وإذا توفر لك عمل مناسب أو زوج صالح في دينه وخلقه وأمانته, فلا تترددي في قبوله بعد تمام الاستخارة لله تعالى والاستشارة لأهل العلم والفضل والحكمة والمروءة، واحرصي –حفظك الله– على كسر حاجز العزلة والقلق والهم بلزوم الصحبة الطيبة التي تعينك إلى صلاح دينك ودنياك (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)؛ إذ ليس من الطبيعي لزوم البيت لزوما خارجا عن حد المألوف والعادة لاسيما بعد أن أصبت بنوع انتكاسة في انقطاع الدراسة, ومن الجميل لذلك بمزاولة رياضة المشي والنزهة المباحة والقراءة الجادة والمثمرة.

- وكونك تشتكين غياب التوفيق في بعض أمور حياتك فيبقى الحل دائما في الجد والاجتهاد والمثابرة والمصابرة وتعزيز الثقة بالله سبحانه ثم بالنفس وعدم الاستسلام للضغوط أو الخضوع لتحديات الواقع (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف, استعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا كان كذا وكذا ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل, فإن (لو) تفتح عمل الشيطان).

- واستعيني –بارك الله فيك- بسلاح الدعاء, وهو سلاح لا يخذل صاحبه, وخير عدة حين الرخاء والشدة (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) فاحرصي –حفظك الله– على تحين وتحري أوقات الإجابة كالدعاء عند السجود وفي جوف الليل.

- وفي التزام الرقية الشرعية, كقراءة الفاتحة والإخلاص والمعوذتين وآية الكرسي والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة, وعموم آي القرآن الكريم, وكذا أعمال اليوم والليلة وأذكار الصباح والمساء, ففي ذلك الشفاء من الأمراض النفسية والمعنوية خاصة (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)، (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين), كما وفي التزام الذكر والعبادة والإيمان طمأنينة للنفس وراحة للبال (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر االله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) . وهو من أسباب وعوامل القبول والرحمة والعصمة والقوة والبركة بإذن الله تعالى ؛ فمن كان مع الله كان الله معه, فيسر أمره وشرح صدره وفرج همه ورزقه التوفيق والسداد وألهمه الخير والرشاد.

- رزقك الله العلم النافع والعمل الصالح والزوج والذرية المباركة وأعانك على ذكره وشكره وحسن عبادته وأسعدك في الدنيا والآخرة.

مواد ذات صلة

الاستشارات