أصبحت عصبية لدرجة الجنون حتى مع أطفالي

0 191

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

أنا امرأة متزوجة، ولدي أطفال، عادة أكون هادئة مع أطفالي، ولكن في هذا الشهر الفضيل أصبحت عصبية لدرجة الجنون حتى مع أطفالي، وأنا أعلم السبب، وهو الضغط المادي والاجتماعي.

في رمضان تقريبا كل عائلة زوجي تجتمع عند تناول الفطور، وأنا من النوع الذي لا يحب التقرب من الناس كثيرا؛ لأني كلما اقتربت رأيت السلبيات فيهم، ورأيت كم يسعون لإحزاني.

أنا أتعب في كل سنة بهذه الفترة (رمضان، العيد، العطلة الصيفية) نفسيتي تتعب، في رمضان لا أستطيع النوم لأني أصحو مبكرا لأجل الأطفال، وفي الليل أصحو لأجل طفلي الصغير، وفي ساعات متأخرة بالليل عندما أخيرا أشعر بأنني سأغفو يأتي زوجي من عند أهله بعد سهر، ويجعلني أقوم لتحضير الطعام له، أو حتى يوقظني بدون سبب.

عندما يصبح موعد الفطور عند أهله أقوم بإطعام أطفالي وبمساعدتهم في دخول الحمام، حتى تستد نفسي عن الطعام بعد يوم طويل من الصيام.

زوجي يرفض مساعدتي خاصة بموعد الفطور، تعبت لا أنام ولا آكل مثل الناس، والضغط المادي، وعندما أريد الوصول إلى هدف معين زوجي يمنعني أو فجأة يحصل شيء يجبرني أن أوقف أهدافي، كنت متفائلة ولكن عندما أرى أحلامي تتلاشى أحزن واكتئب.

ماذا يمكنني أن أفعل لأتجنب الاكتئاب والعصبية؟ أصبحت لا أطيق شيئا.

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لينا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

قرأت رسالتك أكثر من مرة، ولم أجد فيها السبب الكافي لعصبية تصل لدرجة الجنون حسب تعبيرك.

استوقفتني في رسالتك عدة نقاط:
1 ـ العصبية الزائدة التي تشعرين بها في هذا الشهر الفضيل، علما أنه شهر العفو والحلم وحسن الخلق، وهو فرصة للتدرب على ضبط النفس وتأديبها، والإحسان في التعامل مع الآخرين، وزوجك وعائلته أولى الناس بذلك.

2 ـ ألا يمكنك أن تنظري إلى اجتماع العائلة على الإفطار، والتي تسبب لك العصبية الزائدة كما ذكرت من زاوية أخرى، انظري إليها على أنها عبادة وتقرب من الله سبحانه وتعالى، عن زيد بن خالد الجهني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

3 ـ ذكرت في رسالتك أنك لا تحبين التقرب من الناس كثيرا؛ لأنك ترين سلبياتهم، وكذلك هم يسعون لإحزانك!! وهنا أذكرك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف [حسن رواه الطبراني]، فابدئي بنفسك، ومدي جسور الألفة والتواصل معهم، بالكلمة الطيبة، والخلق الحسن، والسلوك الودود، ومع مرور الوقت سترين كيف سيردون المعروف بالمثل، فالإساءة لا ترد بالإساءة، بل بالإحسان وهذا نهج تعلمناه من قرآننا الكريم، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم *وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}.

قد تقولين هذا صعب، ربما، ولكنه ليس مستحيلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه" رواه الدارقطني، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "فإن قلت: هل يمكن أن يقع الخلق كسبيا؟ أو هو أمر خارج عن الكسب؟ قلت: يمكن أن يقع كسبيا بالتخلق والتكلف حتى يصير له سجية وملكة".

4 ـ أما السلبيات التي ترينها عند التقرب من الآخرين، فكوني على يقين أنه لا يوجد إنسان كامل، فلكل منا سلبيات وإيجابيات، فالصواب أن نركز على السلوك الإيجابي لدى الآخرين، ونعززه ونبني عليه، لا أن نتجاهل ونركز على الجانب السلبي ونحكم من خلاله على الشخص.

قال الإمام الشافعي:
لسانك لا تذكر به عورة امرئ ..... فكلك عـورات وللناس ألسن
وعينك إن أبدت إليك مساوئا .....فصنها وقل يا عين للناس أعين
وعامل بمعروف وسامح من اعتدى..... وعاشر ولكن بالتي هي أحسن.

5 ـ ذكرت أنك قليلة النوم لأجل أطفالك، بل إنهم لا يتركون لك فرصة الاستمتاع بالطعام عند الإفطار، وهذا دأب الأمهات، وبعضهن لا تشعر بذلك ولا تتململ، بل تقوم بذلك، وهي في قمة السعادة يدفعها حبها لأطفالها للتجاوز والتغاضي، ويطغى شعور الأمومة الدافئ على أي ردة فعل غاضبة اتجاه طلبات أطفالها المتكررة على الطعام، أو حرمانها من النوم.

6 ـ أما أن يوقظك زوجك لإعداد الطعام، ألا ترين أن هذا من أبسط الأمور التي ينبغي أن تأخذيها بروح طيبة تدفعك إليه المودة والمحبة التي تجمعك بزوجك، بل عليك أن تكوني أنت المبادرة ولا تنتظري أن يوقظك، وأنت بكامل التألق والسعادة، وترتسم على وجهك بسمة الرضا والحنان، فبقدر ما تعاملين زوجك بإحسان وتسارعين إلى تلبية طلباته قبل أن يطلبها، وتشعرين باحتياجاته وتقدميها له دون أن يسألها بقدر ما تأسرين الزوج برقي تعاملك فيسعى جاهدا لإرضائك وتقديم المساعدة لك في كل شيء لا في إطعام الأطفال فحسب.

6ـ أما عن تحقيق أهدافك، نعم لكل منا خطط وأهداف يسعى لتحقيقها، ولكن هناك أولويات لا بد من ترتيبها، اجعلي هدفك الأكبر في المرحلة الحالية أن تربي أطفالك تربية إسلامية، واحرصي أن يكونوا ناجحين ومتميزين فأي نجاح لهم هو نجاح لك، وستشعرين بالسعادة والسرور حين ترينهم متألقين وناجحين في حياتهم، وكذلك اجعلي من أهدافك: أن يعم الحب والوئام والسلام عائلتك الصغيرة، وكرسي لذلك جهدك وطاقاتك، وإن كنت لا تملكين الوسائل والأساليب فلا بأس اطلعي واقرئي واسألي ذوي الخبرة، وكوني على يقين أن ذلك سينعكس سعادة وراحة وطمأنينة على نفسك وسيكون علاجا شافيا لما تعانين منه من الاكتئاب والعصبية.

7 ـ نصيحة أخيرة أهديها إليك: حافظي على الصلوات في أوقاتها، واجعلي لنفسك وردا من القرآن الكريم، والاستغفار، وحافظي على أوراد الصباح والمساء، والتزمي الدعاء لنفسك ولزوجك ولأولادك.

أسأل الله أن يرزقك سكينة القلب وطمأنينة النفس، ويلهمك الحكمة واللين، ويجعلك وعائلتك من سعداء الدارين اللهم آمين.

مواد ذات صلة

الاستشارات