بعد أن سجنت ظلما أصبحت أخاف من الشرطة، فهل من حل؟

0 154

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

أحسن الله إليكم، سجنت سابقا ظلما، ومنذ خرجت من السجن صرت أخاف من الشرطة خوفا شديدا، حتى صرت لا أخرج من البيت من شدة الخوف، هل من حل -بارك الله فيكم-؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ابن القيم المشرقي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله لك العافية والشفاء، ونرحب بك في استشارات الشبكة الإسلامية، وقد أفادك الأخ الشيخ عمار بما هو مفيد، فأرجو أن تأخذ بنصائحه، ومن ناحيتي أقول لك –أيها الفاضل الكريم-:

أولا: ما حدث لك من رد فعل هي مكونات نفسية وسلوكية، ولا أريدك أبدا أن تعتبر نفسك جبانا أو ضعيف الشخصية، السجن في بعض الأحيان قد يكون تجربة قاسية جدا على النفس البشرية، خاصة إذا دخله الإنسان ظلما كما هو في حالتك – حسب ما ذكرت – والذي يحدث من تجارب نفسية لحوالي عشرة بالمائة من الناس أنهم قد يصابون بحالة نفسية تعرف بـ (عصاب ما بعد الصدمة)، وهذا العصاب – وهو توتر نفسي شديد مصحوب بمخاوف، واسترجاع ذكريات سلبية ومؤلمة على النفس في اليقظة وحتى في المنام، وارتفاع درجة الحذر والتيقظ عند الإنسان، واهتزاز الثقة بالآخرين، والخوف من المواجهة. هذه علة أو متلازمة معروفة عندنا في الطب النفسي، وأعتقد أن هذا هو الذي أصابك.

أخي الكريم: التجربة هذه قد انتهت -بفضل الله تعالى-، وأن تكون مظلوما أفضل لك من أن تكون ظالما، الإنسان لا يريد كلاهما، لا أن يكون ظالما ولا مظلوما، لكن ضع نفسك أنك قد ظلمت واحتسب عند الله الأجر.

ثانيا: يجب أن تنظر إلى الشرطة بصورة إيجابية حتى وإن كانت هنالك ممارسات غير مقبولة قد يقوم بها بعض أفراد الشرطة، لكن الشرطة أيضا تمثل حماية للمجتمع إلى حد كبير، الشرطة حين تؤدي دورها على أفضل ما يكون تساعد الناس كثيرا، بعض أفراد الشرطة أشخاص جيدون يخافون الله، وليس كلهم سيئين، فأرجو ألا تبني مفهوما سيئا، ولا تلجأ لما نسميه في علم النفس السلوكي بالتعميم أو العالمية، بمعنى أنك نظرت للأمر بكليته وأن كل ما يتعلق بالشرطة هو سيئ؛ هذا خطأ كبير وخطأ جسيم.

الأمر الآخر: أريدك – أخي الفاضل الكريم – أن تتعرف على أحد الضباط أو أفراد الشرطة من الذين تعرفهم أو يعرفهم أصدقاؤك أو أهلك، هذا الفرد يكون من الأشخاص الجيدين، حين تلتقي به وتؤانسه ويؤانسك؛ هذا -إن شاء الله تعالى- يكسر هذا الحاجز النفسي تماما.

وأريدك – أخي الكريم – أن تختلط بالناس بصورة أوسع وأكثر، هذا مهم جدا، أن تحرص على صلواتك في المسجد، أن تتمسك بالدعاء، أن تكون شخصا منتجا في عملك، وفي تواصلك الاجتماعي.

بهذه الكيفية – أخي الكريم – تستطيع أن تعالج هذا الأمر تماما، وأبشرك أنه أيضا يوجد دواء ممتاز لعلاج ما يعرف بعصاب ما بعد الصدمة، الدواء اسمه (سيرترالين)، هذا هو اسمه العلمي، ويسمى تجاريا (زولفت) أو (لسترال)، وقد تجده تحت مسميات تجارية أخرى، الجرعة في حالتك جرعة صغيرة، تبدأ بنصف حبة (خمسة وعشرين مليجراما) ليلا لمدة عشرة أيام، ثم تجعلها حبة واحدة ليلا لمدة شهر، ثم تجعلها حبتين ليلا –أي مائة مليجرام– لمدة ثلاثة أشهر، ثم حبة واحدة ليلا لمدة شهر، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناوله.

الدواء ممتاز لعلاج المخاوف المصاحبة لعصاب ما بعد الصدمة، وذلك بجانب فوائده العلاجية الأخرى، فأرجو -أيها الفاضل الكريم- أن تلتزم بالجرعات والمواعيد الدوائية كما هي، كما أرجو أن تأخذ بكل ما أشرت لك إليه ونصحتك به، لأن العملية العلاجية بوتقة واحدة، ويجب أن تؤخذ على هذه الشاكلة، لتكون الفائدة ذات جدوى ومفيدة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
---------------------------
انتهت إجابة: د. محمد عبدالعليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-،
وتليها إجابة: د. عمار ناشر -مستشار شؤوون أسرية-.
---------------------------
أشكر لك – أخي العزيز حفظك الله– حسن ظنك وتواصلك مع الموقع، وأسأله تعالى لك التوفيق والسداد وأن يلهمك الخير والهدى والصواب والرشاد وسعادة الدارين والثبات على الدين والهداية إلى صراطه المستقيم.

- لا بد من تغيير وتصحيح نظرتك المبالغة تجاه الشرطة والناتجة عن ردة فعل عنيفة تجاه الظلم والسوء الذي وقع عليك, فالواجب مخالفة هذا الخوف أو الرهاب الاجتماعي والنفسي الذي يعيق حركتك وراحتك بالتدريج, ولا ينبغي لك القلق والاضطراب – أخي العزيز – حيث يمكنك – بإذن الله – التغلب على هذا الخوف والتخلص منه باتباع الأمور التالية:

- تذكر أن الله تعالى طبع الحياة الدنيا على الابتلاء والامتحان, وأن الصبر على البلاء واجب شرعي, وهو كفارة للسيئات ورفعة للدرجات (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين...)، وفي الحديث: (أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل... ولا يزال البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة)، وقال أيضا: (ما يصيب المسلم من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).

- قراءة القرآن وتدبر قصص الأنبياء والمرسلين, ودراسة السيرة النبوية بإمعان وتدبر واستحضار، والاعتبار بما لقيه الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- والصحابة الكرام من صنوف البلاء والأذى والظلم والاضطهاد من أقوامهم المكذبين والمستكبرين رغم ما أمدهم الله به من معجزات وآيات بينات, وحرصهم على نجاة أقوامهم من النار.

- إدراك أن عمل الشرطة والأمن عامة لا يتعرض قصدا وعمدا إلى ذاتك لذاتك, ولكن لشبهة عرضت عليهم خطأ, وأن الخطأ أو الظلم منهم وارد كغيرهم من الناس, وأن الواجب البعد عن أسباب الشبهات من جهة, وإدراك أن البريء مهما تعرض للظلم فلا بد من ظهور براءته, وكما يقال : "الذي لا يسرق لا يخاف".

- مواجهة الخوف بالتحلي بالإيجابية والتفاؤل والثقة, والحرص على الانتصار عليه وضرورة إزاحته عن تفكيرك، وإشغال نفسك بالأعمال التي تصرفك عن التركيز عليه والانشغال به وفي الحديث: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف... احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز, ولا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا كان كذا وكذا, ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن (لو) تفتح عمل الشيطان) رواه مسلم.

- تعزيز الثقة بالله تعالى طريقا إلى تعزيزها بنفسك وتقوية إرادتك والتخلص من مخاوفك, ولا شيء أفضل في تحقيق ذلك من تعميق الإيمان بالله وقدره خيره وشره حلوه ومره والتسليم بقضائه والصبر على بلائه, واستحضار حسن ثوابه وجزائه للصابرين والشاكرين, وأن المنح كثيرا ما تكون من خلال المحن كما قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، وقال سبحانه: (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم).

- المحافظة على الصلوات فرائضها ونوافلها لاسيما قيام الليل، وكذا المحافظة على الأذكار وقراءة القرآن والاستماع إليه؛ فإن ذلك مما يريح القلب ويشعرك بالأمان والراحة النفسية ويصرف عنك الخوف والمنغصات وكل مزعجات الحياة.

- ومما يسهم في طرد المشاعر السلبية أيضا: محاولة التنفيس عن خوفك بالحديث مع الشخص أو الأشخاص القليلين الذي تثق وتطمئن إلى دعمهم وحكمتهم، والذين يحرصون على نصحك وتذكيرك بالله وثوابه واصطحابك لرياضة المشي والتنزه ونحو ذلك.

- من المهم تحديد موعد مع الطبيب النفسي والحصول على المساعدة من المتخصصين لوصف العلاج الدوائي والسلوكي والمعرفي والذي ثبتت نجاعته -بإذن الله-, وإدراك أن لهذه الصدمات النفسية أمدا محددا ما يلبث أن يزول بعامل الوقت -بإذن الله- كما هو شأن كثيرين غيرك، فلا يخفى أن النسيان طبيعة بشرية وهو وإن كان نقصا من جهة إلا أنه نعمة من علينا بها الرحيم الرحمن, ولولاها للازمتنا الكثير من الهموم والأحزان.

- ولا أجمل وأعظم من اللجوء إلى الله تعالى بخالص الدعاء والابتهال إليه متحينا أوقات الإجابة كالدعاء في جوف الليل وفي الصلاة وأدبار الصلوات المكتوبة, كيف لا؟ وقد قال تعالى: (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)، وفي الحديث: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء).

- أوصيك بلزوم الأذكار, ومنها أذكار الصباح والمساء, وتكرار (حسبنا الله ونعم الوكيل) (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) والاستغفار.

أسأل الله أن يفرج همك ويكشف غمك ويتولى أمرك ويشرح صدرك ويقوي إيمانك وعزيمتك, ويدفع عنك السوء وأهله ويرزقك التوفيق والثقة والاطمئنان والسعادة والراحة والأمان في الدنيا والآخرة والنجاة من النار والفوز برحمته والجنان والرضوان.

مواد ذات صلة

الاستشارات