والدتي بعد وفاة أخيها أصيبت باكتئاب توتري.

0 81

السؤال

السلام عليكم..


بداية: أشكر الله ثم أشكركم على ما تقدمون من استشارات مباركة، وقضيتي كالتالي:

والدتي عمرها 68 سنة، لا تعاني ضغطا ولا سكرا ولا أمراض قلب -بحمد الله- ومنذ عامين تقريبا بعد فقد أخيها في حادث مروري أصبحت علامات الاكتئاب تظهر عليها، وأصبح تعاني من تشجنات قولون وآلام معدة، وقد ذهبنا إلى العديد من المستشفيات؛ فتم عمل تحاليل دم وغدة درقية وأشعة تلفزيونية ومنظار على المعدة وفحص جرثومة المعدة، وكل النتائج سليمة! ويميل أغلب الأطباء إلى أنها تعاني اكتئاب توتري، ولا تعاني مرضا عضويا، وهذا ما نعتقده.

لقد ساءت حالتها مؤخرا، وأصبحت لا تنام بالليل إطلاقا، وتخاف من الوحدة، حتى أننا عطلنا أعمالنا لأجلها، فقد أصبحت مراجعتنا للمستشفيات الخاصة والحكومية شبه يومية مطاوعة لرغبتها، والمنطلقة من اعتقاد أن الإبر والمسكنات الوريدية تفيدها، وصارت تخاف من الجلوس لوحدها ولو لدقائق معدودة.

ولم نعد نخرج إلا بالتناوب، وإذا حصل ظرف ما يجبرنا على الخروج سويا تتصل علينا واحدا واحدا متى ستأتون؟! وهي ساكنة لوحدها في منزل مجاور لمنازلنا أنا وإخوتي، وبمجرد القيام من النوم في الغالب نحضر إليها. وقد راجعنا بها العيادة النفسية فأعطونا لها ديبرالكس وحبوبا أخرى لا أعرف أسماءها، إضافة إلى الدوغماتيل، ولكنها تتحرز من أكلها في بعض الأحيان، قائلة: هذه علاجات لا فائدة منها، وإذا أكلت منها أصبحت أفضل نوعا ما، والآن بعد أن انتهت الإجازة اضطررنا أن ننام مبكرا، وبعضنا يعمل في مدينة أخرى، ولم تعد لدينا الطاقة للسهر معها والذهاب لأعمالنا فتوترت، وأصبحت تقول لنا ماذا سأفعل ليلا. فحاولنا معها أن تعدل نومها، ولكن يبدو أنها تخاف من الليل وتفضل النوم نهارا، وصرف لها أحد الأطباء حبوب نيميرون نصف حبة ليلا، ورغم أكلها فهي لا تنام إلا بعد الفجر مع ظهور الضوء، وأحاول بعد أن آتي من العمل ظهرا أن أجعلها تصحو إلا أنها تقول: أنا متعبة، ولا أستطيع القيام من الفراش، رغم قولها أإها لم تنم بالأصل، فأدعها على رغبتها، ولما تصحو في العصر هذه الأيام في الغالب نذهب بها للمستشفى كما تريد، وهكذا حياتها.

ولعلني أذكر أنها لم تكن بحالة نفسية جيدة منذ كنا صغارا، فلا تتواصل اجتماعيا، وتميل إلى الإنطوائية، إلا أنها قائمة بواجباتها الزوجية مع أبي، وواجباتنا كصغار، لكنها تشاؤمية في نظرتها للحياة، فبمجرد أن تسمع صيحات الإسعاف تطلب منا أن نتصل على الخارج منا أو إخوانها للاطمئنان عليهم، وهي الآن دائمة الإطراق للأرض، لا تتحدث إلا عند السؤال، وأحيانا كأنها لا تريد أن تتحدث، المهم أن تجد عندها أحدا، ورغم ذلك فهي قادرة على العناية بنفسها، بل ونجدها قد أعدت القهوة، وأردنا منها أنا وإخوتي أن تترك منزلها لتكون معنا فرفضت، بحجة إزعاج أطفالنا الذين لم تعد تريدهم، وإذا اقتربوا منها تحاول الابتعاد؛ مما جعلنا لا نحضرهم لها مراعاة لخاطرها.

أعلم أنني أطلت، ولكن أنا وإخوتي أصبحنا بحالة جسدية ونفسية متعبة بسبب ما ألم بوالدتنا، ونخشى عليها من ازدياد حالتها سوءا؛ مما قد يجعلها تفكر بأشياء لا تحمد عقباها مما يفكر بها المكتئبون، وننتظر رؤيتكم.

وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سلامة حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

ففي السن والعمر الكبير -أو عند كبار السن- هناك شيئان يجب التأكد منهما، أولهما: معرفة هل الذكرة سليمة أم لا، أي لم يحصل تأثير على الذاكرة. والشيء الثاني: معرفة وجود أعراض اكتئاب نفسي؛ لأن مرض الاكتئاب النفسي كثير الحدوث عند كبار السن، وعلاجه متوفر وميسر، والاستجابة له طيبة.

وواضح أن تشخيص حالة والدتك -أخي الكريم- قد يكون أقرب إلى مرض الاكتئاب النفسي، وكثير من مرضى الاكتئاب النفسي يكون عندهم أعراض قلق وتوتر، يقال إن أكثر من ثلث مرضى الاكتئاب تكون عندهم أعراض قلق وتوتر، وهذا ما يحصل مع والدتك، وأهم شيء هو أخذ العلاج -أخي الكريم- تناول العلاج والاستمرار فيه؛ فإن هذا يساعد بدرجة كبيرة على علاج الاكتئاب، ولذلك يجب أن تحرصوا على هذا الشيء، وأن يباشر علاجها واحد منكم تثق فيه، يوميا يتأكد من تناولها للعلاج -مضاد للاكتئاب- وإذا تحسن الاكتئاب فالنوم سيتحسن.

الشيء الآخر -أخي الكريم-: هناك أيضا عند كبار السن سلوكيات تظهر فجأة أو تظهر عند كبار السن، مثل الطلب الشديد من الأولاد الذين يكونون بجانبها، وأيضا العناد، وعدم مغادرة المنزل حتى ولو كانت تعيش لوحدها، كل هذا من صفات كبار السن، -وكما ذكرت- فإن والدتك منذ وهي في عمر صغير عندها أعراض انطوائية وبعض الأشياء الأخرى؛ فهذه أيضا عندما يكبر الشخص تزداد وتضخم، يقال إن سمات الشخصية التي في الصغر تتضخم وتزداد عندما يكون الشخص كبيرا.

على أي حال: تحتاجون إلى طريقة معينة للتعامل معها، ومنها: يجب ألا يكون على حسابكم وعلى حساب عملكم، يجب أن توضحوا لها هذا بكل وضوح، ويجب أن يكون بينكم مناوبة وتبديل أدوار فيما بينكم تجاه خدمتها ورعايتها، ولا يكون هناك واحد يضحي أكثر من الآخرين، لأنكم إذا لم تحافظوا على صحتكم وعلى هدوئكم فإنكم لن تستطيعوا أن تراعوا والدتكم، يجب أن توضحوا لها هذا بكل وضوح وبكل أدب واحترام لها، وإذا كان هناك الاستعانة ببعض الناس الذين يعرفون التعامل مع كبار السن مثل الممرضين والأخصائيين الاجتماعيين أو الأخصائيين النفسانيين الذين لهم خبرة في التعامل مع كبار السن، لو استطعتم التعاون مع أحد من هؤلاء، أو يحضر مثلا للوالدة عدة أيام في الأسبوع، ويمكث معها، فهذا أيضا مفيد جدا.

وفقكم الله وسدد خطاكم.

مواد ذات صلة

الاستشارات