صدمت بوفاة أبي فأصبحت عالقة بين الماضي والحاضر

0 6

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة، وعمري 25 عاما، لا أستطيع أن أقول إنني كنت شخصا عاديا، ولكنني شديدة القلق (لا أظن أنني وصلت إلى مرحلة الوسواس القهري) وشديدة الحساسية والخجل.

أحيانا أشعر بعدم الوجود، ولكنني كنت أشعر بهذه الحالة في مرات قليلة جدا، لم تكن مستمرة، ولم تزعجني كثيرا إلى أن توفي أبي في يوم 14يونيو 2016، بعد تخرجي بـ 28 يوما (أكتبها ولكنني لا أستطيع أن أنطقها، فلم أستوعبها بعد)، فقد كان يعمل في بلد آخر، وآخر مرة رأيته فيها كانت منذ 4 سنوات، وكنت أنتظر قدومه كثيرا، بل كان اكتمال سعادتي مرتبطا بذلك.

بعد ذلك اليوم تغيرت حياتي كلها، أشعر بأنني دخلت في دوامة أو متاهة لها بداية وليس لها نهاية. أشعر أني لا أنتمي لأي زمان أو مكان، وأنني عالقة بين الماضي والحاضر، ولا أستطيع عيش الحاضر ولا تصديق ما حدث في الماضي. كنت أشعر باضطراب الأنية يوميا وباستمرار لمدة سنة ونصف تقريبا، وهو الشعور بعدم الوجود، وكأنني أشاهد كل من حولي في فيلم، ولا أعي ما أقول وما أفعل، وأشعر بسرحان.

كانت هذه الحالة مؤلمة وصادمة بالنسبة لي، ولكنني كنت أستعملها كوسيلة دفاعية لكي تساعدني على الشعور باللامبالاة وعدم التوتر، مثلا في مقابلات العمل، وأيضا عدم الشعور بالألم، وساعدتني في بداية عملي كثيرا منذ 8 أشهر، ولكنني أريد التخلص منها فهي مؤذية بالنسبة لي.

منذ أشهر لم تعد مستمرة، بل أصبحت أشعر بها بأقل حدة وبصفة منقطعة، ولكن ما أشعر به بصفة دائمة هو أنني جسد بلا روح، وكأنني آلة، أشعر بفجوة كبيرة ومظلمة في صدري، وأحيانا بالألم وعدم القدرة على التنفس (نوبات قلق). لا أستطيع الاستمتاع بالحياة، ولا الشعور بالفرح.

لا أنكر أنني أعيش ظروفا صعبة الآن، ولكنني أخاف من فكرة عدم القدرة على السعادة مجددا حتى وإن حققت ما أتمناه، وهو شعور مخيف.

مررت أيضا بحالات اكتئاب، كنت أنام كثيرا، وأحب البقاء في مكان مظلم دون الاستماع أو التحدث لأحد، ورغبة مستمرة في الاختفاء من الوجود؛ كل هذه المشاعر تلازمني منذ سنتين.

مع العلم أنني أعمل منذ 8 أشهر مسؤولة في شركة، وأقوم بعملي على أكمل وجه، وأتواصل مع زملائي والزبائن بطريقة طبيعية، ولكن في وقت قيامي بكل هذا أشعر بكل تلك الاضطرابات والمشاعر التي وصفتها من قبل. لا أظن أن هناك حلا، كنت أظن أن الحل بالخروج والعمل، ولكن لا فائدة!

ما زال لدي أمل واحد وهو أنني أنتظر حدوث شيء ما بشدة في حياتي، ربما إذا حدث يستطيع إعادتي كما كنت مجددا -بإذن الله-.

إنني أتصارع يوميا مع نفسي؛ لأظهر بكل هذا الهدوء والطبيعية والصمود بالرغم من كل تلك الجنود التي توجد في رأسي وتحاربني، وكل تلك البراكين التي أشعر بها في صدري، فهل يوجد حل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله لك العافية والشفاء، وأسأل الله الرحمة والمغفرة لوالدك ولجميع موتى المسلمين.

اعلمي أنه (إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، فكوني بارة بوالدك –أيتها الفاضلة الكريمة– بعد وفاته بالدعاء له، فهذا يخفف من أحزانك كثيرا -إن شاء الله تعالى- وتصدقي عنه ولو بالقليل.

ما تعانين منه بالفعل هو نوع من اضطراب الأنية، وأعتقد أنه مرتبط بحالة الحزن والكرب التي مررت بها، والأمر الآن أصبح ذا طابع اكتئابي أكثر من أي شيء آخر.

الشيء الجيد أن فعالياتك جيدة، وأداءك لعملك جيد، لكن مشكلة المشاعر والأفكار هي التي تؤرقك الآن، وهذا ما نسميه بـ (ازدواجية التوجه)، يعني: أن لديك علة في الفكر والمشاعر، لكن هذا جيد؛ حيث إن الإنسان له ثلاث مكونات من الناحية السلوكية وهي الأفكار والمشاعر والأفعال.

أيتها الفاضلة الكريمة: أبشري ما دمت تؤدين عملك على أكمل وجه فهذا أمر جيد، وهذا يجب أن يكون محفزا لك ويعطيك مردودا إيجابيا؛ لأن المردود الإيجابي أكثر شيء يغير فكر الإنسان ومشاعره ويجعلها من سلبية إلى إيجابية. هذا من ناحية.

من ناحية أخرى: التفاؤل، وأن تكوني حسنة التوقعات، فالله تعالى خلق الكون في ثنائية عظيمة، كل شيء يقابله شيء، فالكدر تقابله الفرحة، والشر يقابله الخير، والمرض تقابله الصحة، فلماذا لا يتشبث الإنسان ويصر على ما هو إيجابي وما هو طيب؟!، والإصرار على الشيء مع حسن التوقع يؤدي إلى تغيير فكري ومزاجي كبير. وهذا ليس خداعا للنفس – أيتها الفاضلة الكريمة -.

الأمر الثاني: بعض الممارسات التي تعدل من كيمياء الدماغ وتجعلها أكثر إيجابية مهمة، وعلى رأسها ممارسة الرياضة، مارسي أي رياضة تناسب الفتاة المسلمة، وقد وجد علماء السلوك أن أفضل الناس من حيث الارتقاء بالصحة النفسية هم الذين لديهم نسيج اجتماعي فعال، والذين يقومون بواجباتهم الاجتماعية، فهؤلاء هم أفضل الناس من حيث المفاهيم الحديثة للصحة النفسية، فاجعلي لنفسك نصيبا من هذا.

الحرص على الصلاة في وقتها، والورد القرآني، والدعاء والذكر، خاصة أذكار الصباح والمساء، يضيف للإنسان إضافات عظيمة، والنوم المبكر ليلا، والاستيقاظ المبكر، لأن البكور فيه خير عظيم، وكثير من المواد الإيجابية الدماغية تفرز في فترة الصباح.

هذه الأمور – أيتها الفاضلة الكريمة – أعتقد أنها سوف تساعدك كآليات إرشادية أرجو أن تحاولي تطبيقها.

أعتقد أنه سيكون من الجميل أيضا لو تناولت أحد محسنات المزاج. هنالك دراسات تشير إلى أن عقار (فالدوكسان) ربما يكون هو الأمثل والأنسب في حالتك. فراجعي طبيبا نفسيا وشاوريه حول هذا الدواء، وتناوليه بالصورة المطلوبة. تناول هذا الدواء يتطلب فقط أن تجري فحصا للتأكد من وظائف الكبد؛ لأنه في حوالي 2% من الناس ربما يؤثر على أنزيمات الكبد.

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، وأشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مواد ذات صلة

الاستشارات