أشعر بعدم الثقة بشخصي وعملي، فبماذا تنصحونني؟

0 56

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخي الكريم: أسأل الله كما دأبتم على قضاء حوائج الناس أن يقضي حوائجكم في الدنيا والآخرة.

عزيزي: أنا -ولله الحمد- في صحة بدن، ورزق كريم، في ظل رحمة الواحد الأحد، وقد أدمت مطالعة الكتب، فأنا أقضي ساعات يوميا في القراءة والاطلاع، ولكني ذو شخصية قلقة إلى حد مرضي، وقلقي أشبه بكائن حي ما إن أنزع مخالبه من موضوع حتى ينشبها في آخر، حرصت دائما على أن أغطي هذا القلق بالاعتذار له، إنه طبيعي، وإنه حرص زائد، وما إلى ذلك من تلك الألفاظ التي تحول دون الاعتراف بالمرض والتداوي منه، إلى أن أصبح هذا ظاهرا لكل من يصحبني أسبوعا فما فوق، وقلقي الآن متشبث برزقي ووظيفتي، والخوف من الفشل وفقدها.

رغم أن كل من حولي يثنون على أدائي المتميز، لكن القلق سمم حياتي، حتى أني لم أعد أطيق الحديث عن وظيفتي أو حولها، زملائي يثنون كثيرا على معرفتي وثقافتي العالية جدا، أعجبهم أني لا أستخدم معرفتي، ولم أبرز ذاتي كما يليق بثقافتي، فأنا أخشى المواجهة كثيرا، بل إن أكثر ما استفدته من اطلاعي هو معرفتي بمدى جهلي، وأنه يجب أن أخفيه قدر ما أستطيع.

ثقتي في نفسي معدومة، رغم أني أتخذ دائما الإجراء الصحيح في تعزيز نقاط قوتي، والعمل على تقوية ضعفي ما أمكن، لكن عقدة الاستكمال تلاحقني، فإن لم تكن الأشياء كاملة ألحقت بنفسي التأنيب والتبكيت، فقد كنت أكتب لإحدى الصحف مقالا أسبوعيا يعجب به محررها، وعندما اطلعت على تعليقات القراء تركت ذلك بالكلية، أنا أفهم نفسي، وأعلم أن ما أصابني أخرني وضيع علي الكثير من الفرص، فبم تنصحني؟

بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك التوفيق والسداد، ويسعدنا أنك من المطلعين والذين يحبون المعرفة، وهذا أمر جيد.

ما ذكرته عن قلق ينتابك، وبعض ما يمكن أن نسميه بالتوجه الوسواسي في التفكير، فما أسميته بالبحث عن عقدة الاستكمال: هذا نمط من التفكير الوسواسي، وحادثة أنك كنت تكتب لأحد الصحف مقالا أسبوعيا وكان الأمر يسير بصورة ممتازة، ولكن عندما اطلعت على تعليقات القراء تركت ذلك بالكلية، هذا – يا أخي – حقيقة قرار وسواسي، أصحاب الوساوس يأخذون الأمور بشيء من التدقيق الشديد، ولا يقبلون حلولا وسطية، وهذا يجعلهم يكونون أكثر قلقا.

من وجهة نظري – وأنت كما تفضلت – أنت رجل ناجح، تسعى للخير، وتسعى للمعرفة، لكن لديك احتقانات نفسية، قلقية، توترية، وسواسية، وهذه – أخي الكريم – أنصحك حقيقة بأن تكون أكثر مرونة مع نفسك، وأكثر وسطية في كل شيء، حتى في القراءة والاطلاع، وهذا يتم من خلال – أي الوسطية – حسن إدارة الوقت، هذا مهم جدا.

مثلا – على سبيل المثال – ما هو الوقت الذي تقضيه في الرياضة؟ يجب أن تطرح على نفسك هذا السؤال.

كم من الوقت تقضي مثلا في العبادة، الصلاة، تلاوة القرآن، الأذكار؟ كم من الوقت تقضيه في التواصل الاجتماعي المثمر والقيام بالواجبات الاجتماعية؟ كم من الوقت ترفه فيه عن نفسك؟

فيا أخي الكريم: حسن إدارة الوقت مطلوبة في حالتك؛ لأنها هي التي توصلك إلى شيء من التوازن الوسطي في أدائك ومزاجك وترتيب حياتك، وبهذه الكيفية تستطيع أن تكسر حقيقة موضوع التوجه الوسواسي في نمط حياتك.

ولابد – أخي الكريم – أن تقبل شيئا من عدم الانضباط في حياتك، لا أقول لك في الأمور الأخلاقية والأمور الاجتماعية والالتزام بأمور دينك، لكن إن أخفقت في شيء، إن أخلفت في شيء، إن لم تؤدي شيئا في وقته، هذا يحدث للناس، فأنت محتاج لشيء من هذا، لا تكن صارما مع نفسك بهذه الحدة والشدة.

ويا أخي الكريم: التحاقك أيضا لعمل جماعي ثقافي، أو اجتماعي، أو تطوعي، هذا أيضا يروض نفسك للأخذ بروح الجماعة، والجماعة ليست كلها على سيرة واحدة.

فإذا من خلال هذا التشابك الاجتماعي والتعلم من الآخر تستطيع أن تكون أكثر مرونة في تعاملك مع نفسك، وتزداد قناعاتك بمقدراتك.

أخي: قد تستغرب، لكن حالتك هذه أيضا تستفيد كثيرا من أحد الأدوية المضادة لقلق الوسواس، أنا سأعرض عليك عقار يسمى علميا (سيرترالين)، وأترك لك الخيار في تناوله من عدمه، لكن لو كنت في مكانك سوف أتناوله، خاصة أنه سليم وغير إدماني.

الجرعة التي تحتاجها جرعة صغيرة جدا، وهي: أن تبدأ بخمسة وعشرين مليجراما – أي نصف حبة – ليلا لمدة عشرة أيام، ثم تجعلها حبة واحدة ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة ليلا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناوله، على الأقل يجب أن تجرب هذا الدواء.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات