فشلت في الحياة فأصبحت حياتي كابوسا.

0 11

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة في السابعة والعشرين من عمري، عندما كنت طفلة كنت أدرس جيدا لكنني أهملت دراستي في الثانية إعدادي دون سبب، أي أنه لا علاقة لأصدقاء السوء أو المشاكل بالأمر، أصبت باكتئاب في البكالوريا، ثم عدت السنة الثالثة نجحت بميزة مشرفة، ولكنني مرة أخرى تخوفت من متابعة حلمي؛ لأنني لا أجيد الفرنسية، ودرست في مجال الكمبيوتر وأنا أكرهه وعدت للكسل.

مرت خمس سنوات بعد الدبلوم وأدركت أن الكثير من الناس أكملوا الإجازة بمستوى مقبول فأدركت أن فكرة الميزة شرط أساسي كان كذبة بين الطلاب لا غير، خمس سنوات أخرى ضائعة، جربت أن أقدم ملفي لأكمل السنة الثالثة وقبلت، لكنني أضعت الفرصة مجددا، والآن بعد أن وجدت نفسي في هذا السن وأضعت فرصة إكمال الدراسة، وفرص العمل عمدا رغم أنني طالما كنت أنتظرهم كأنني أنتقم من نفسي، إضافة لأنني لم أعش في شخصيتي طيلة السنوات تلك، فمنذ فترة المراهقة كنت لا أفعل الأشياء التي تريحني بل العكس تعبت كثيرا، ولم أعد أستطيع التحمل تسع سنوات من مرض الاكتئاب، أضعت جزءا كبيرا من شبابي في عيش الحياة على الكآبة وعلى ما يريد المجتمع وليس ما أريده أنا.

ألوم نفسي باستمرار، وأخاف ألا تأتيني الفرصة من جديد، كما أنني أقول دائما ليتني درست بجد لأكمل الدراسة في سن أصغر وأتفرغ للعمل، أو الزواج، أو أرتاح على الأقل، أصبحت شخصا مليئا بالعقد!

ثم لدي سؤال آخر: هل ما حدث من فشل بسبب الإهمال أو تضييع الفرص كان قدرا أم اختيارا؟

شكرا لكم وبارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية، وتقبل الله صيامكم وطاعاتكم.

الإنسان يجب ألا يتأسف ولا يأسى على ما مضى مهما كان الذي فقده أو افتقده، الشيء المطلوب هو أن يعيش الإنسان الحاضر بقوة والمستقبل بأمل ورجاء.

أنت تحدثت عن عدة تراكمات في الطفولة، وموضوع الإنجاز الدراسي لم يكن على المستوى المطلوب، والتعليم أصلا هو رغبة وفرصة وقدرة، ونحن نضعها في مختصر كلمة (رفق)، والآن يمكن أن تنمي رغبة، يمكن أن تبحثي عن فرصة، والقدرة إن شاء الله موجودة، مهما كانت المسببات فيما مضى، لكنك الآن أكثر إدراكا وأكثر نضوجا، ويجب ألا تأسي أبدا على ما مضى.

طبعا الاكتئاب النفسي والتقلبات المزاجية كثيرا ما تعيق الإنسان خاصة في التقدم الأكاديمي والدراسي، لكن الإنسان يجب أن تكون لديه الإصرار والعزيمة والهمة من أجل أن ينجز.

خلاصة الأمر: أكرر مرة أخرى، لا تأسي على الماضي، أنت صغيرة في السن، في سن الشباب، الله تعالى حباك بطاقات كثيرة جدا، اعزمي أمرك، خططي، تحركي حسب ما هو متاح، وإن شاء الله تعالى تصلين إلى مقاصدك.

والآن الفرص في الحياة أصبحت كثيرة، خاصة فيما يتعلق بالتعليم، حتى الإنسان إذا لم يتعلم تعليما أكاديميا منتظما يمكن من خلال الكورسات، الحصول على الشهادات، التدريب المفيد، وهذه كلها تفتح للإنسان آفاقا، والفرص من وجهة نظري أصبحت أكثر مما مضى، أو على الأقل من الزمن الذي كنا فيه في الدراسة.

لا تلومي نفسك أبدا، بل ابحثي في إمكانياتك ومقدراتك: ما هي الأشياء الإيجابية التي تميز شخصيتك وحاولي أن تطوريها، أن تثبتيها.

وهنالك أشياء مهمة جدا في الحياة، يجب أن تكون نمطا لحياتك: أولا التفاؤل، حسن إدارة الوقت، التواصل الاجتماعي، الحرص على العبادات، ويا حبذا لو دخلت في مشروع لحفظ القرآن أو أجزاء من القرآن، هذا أيضا يعتبر مشروع حياة. حسن التواصل الاجتماعي، ممارسة الرياضة، ... هذه كلها أنماط حياتية مهمة، تساهم في نجاح الإنسان حتى في المجالات الأخرى.

أنا لا أستطيع أن أقول أن ما حدث هو فشل بسبب الإهمال أو تضييع الفرص، حقيقة هي أمور متجمعة مع بعضها البعض، هنا وهناك، كثيرا الإنسان لا يقدر أهمية التعليم، وهذا قد يؤدي إلى الإخفاق، أو يتهاون في استغلال الفرصة، أو محيطه لا يساعده. فمن وجهة نظري: لا تشغلي نفسك فيما مضى أبدا، قفي الآن على أرجلك وانطلقي، وسل الله تعالى أن يوفقك، ولو تابعت أيضا مع طبيب نفسي في حالة احتياجك لدواء هذا سيكون أمرا جيدا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
-------------------------------------------------------------------------------
انتهت إجابة د/ محمد عبد العليم..........استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة د/ عقيل المقطري ................ مستشار العلاقات الأسرية والتربوية.
---------------------------------------------------------------------------------
مرحبا بك -أختنا الفاضلة- وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله تعالى:
لا يوجد أحد ليس له ماض مؤلم في حياته، حتى أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام بل هم أشد الناس بلاء، ومع هذا كانت تلك المعاناة كأدوات لصقل عقولهم واستخراج مكنون صفاتهم لتعويدهم على تحمل المشاق الأكبر، ولذلك استحقوا نيل مقام النبوة حينما بلغوا أشدهم، واستوت عقولهم، فلا غرابة أن يعاني أتباعهم من الآلام ولهذا يقال: (من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة).

الصحابة الكرام رضوان الله عليهم عانوا في حياتهم معاناة مرة لا يتصورها العقل؛ والسبب هو أنهم رسموا لأنفسهم هدفا في هذه الحياة، وخالفوا ما عليه القوم من عبادة الأوثان، ومع ذلك لما ذاقوا حلاوة الهدف انقلب عندهم العذاب إلى عذوبة، فاقرئي ما حصل لبلال بن رباح، واقرئي كيف عذب عمار وأسرته، واقرئي كيف كانت حياة مصعب بن عمير حيث تربى في بيت عز وغنى وكان يعرف الناس أنه مر في هذا الطريق أو ذاك بالرائحة الزكية التي يجدونها في الهواء، ولما أسلم حرم من ذلك كله حتى إنه يوم مات لم يجدوا ما يكفنونه به.

اقرئي في سير العظماء الذين غيروا نمط حياة الإنسان، والذين اخترعوا الهاتف والمصباح والكهرباء وغير ذلك، وإلى يومنا هذا ستجدين أن معظم هؤلاء ولدت إبداعاتهم من رحم المعاناة التي عاشوها في صغرهم، وعليك هنا أن تسألي لم يكتئب هؤلاء ولم لم يتوانوا أو يتكاسلوا أو يرضخوا لضغوطات الواقع؛ ستجدين أن السبب في ذلك هو وجود العزيمة والهمة العالية.

أختنا الكريمة، أنت لا ينقصك الذكاء والدليل على ذلك نجاحك في البكالوريا بمرتبة مشرفة، ولا ينقصك الإصرار والدليل أنك جاهدت نفسك لإكمال دراستك رغم أنك لم تنجحي في إحدى السنين، وهذا ينبئ أنك إن بدأت من جديد فسيكون لك شأن -بإذن الله تعالى-.

أوصيك ألا تجتري الماضي إلى حياتك الحالية؛ لأن اجتراره لن يفيدك شيئا سوى الآلام والكآبة والحزن، فالماضي يجب أن ينسى أو يتناسى، ويجب أن نستفيد منه دروسا وعبر، فما كان حسنا استمرينا فيه وبنينا عليه، وما كان خطأ حذرنا من الوقوع فيه مرة أخرى.

صحيح أن ما حصل لك كان أمرا مقدرا لك ولكنك أنت من فعل السبب، فلم تكوني مجبرة على ذلك بل فعلت ذلك بمحض إرادتك، وقد علم الله تعالى أنك ستفعلين ذلك فكتبه عليك، لكنه سبحانه وتعالى لم يجبرك على هذا، ومثال ذلك العبد الذي يرتكب المعصية فإن الله سبحانه قد حذر عباده من ذلك وأمرهم باجتناب المعاصي، وأمرهم بعمل الطاعات لكنه لم يجبر أحدا، بل بين سبيل الخير وسبيل الشر فأمر باتباع سبيل الخير، وأمر باجتناب سبيل الشر، ثم ترك الاختيار للعبد، وقد علم سبحانه من سيسلك هذا السبيل أو ذاك فكتب على كل شخص ما سيفعله بمحض إرادته.

اجعلي هذه السنوات التي مرت فترة راحة وابدئي الانطلاق من جديد مستعينة بالله تعالى ومتوكلة عليه، فإن من استعان بالله أعانه ومن توكل عليه كفاه.

رفع الهموم التي يمر بها الإنسان أمر سهل، وذلك من خلال: الإكثار من تلاوة القرآن الكريم فتلاوته تشرح الصدر، وتريح النفس، وتجلب للقلب الطمأنينة، كما قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

استعيني بعد الله تعالى بالمحافظة على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها فهي معينه للعبد لقضاء حوائجه، قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين).

عليك بالصبر فإنه من الأخلاق الفاضلة التي يتحلى بها الكبار والصبر أنواع (صبر على الطاعة، وصبر على البلاء، وصبر عن المعاصي).

لا تنظري للمحن من منظور سطحي، وعليك أن تنظري إليها بعمق، فإن في حنايا المحن منح ربانية لمن استطاع الاستفادة منها، وأمعني معي النظر في حادثة الإفك وهي اتهام زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بعفتها، فلو نظرنا إليها نظرة سطحية لقلنا هذا شر محض، ولكن الله أنزل على نبيه عليه الصلاة والسلام في تلك الحادثة: (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم).

الإنسان الذكي الفطن هو الذي يقتنص الفرص إذا سنحت له كما قال الشاعر:
إذا هبت رياحك فاغتنمها ** فعقبى كل خــــــــــــــــافقة سكون.
ولا تغفل عن الإحسان فيها** فلا تدري السكون متى يكون.

لا تربطي موضوع تعليمك باللغة الفرنسية ولا بالإنجليزية فيمكنك إكمال تعليمك باللغة العربية والذي تحتاجين له هو البحث عن الفرص المتوفرة سواء في بلدك أو في العالم الافتراضي عبر شبكة الإنترنت، فهنالك معاهد وأكاديميات وشهاداتها معتمدة دوليا.

العمر ليس هو العائق بل العائق هو دنو الهمة، هنالك مقولة للمدرب إبراهيم الفقي قال له شخص أنا بلغت من العمر ستين عاما وأريد أن أكمل الماجستير والدكتوراه ولكن عمري موشك على الانتهاء، فقال له الفقيه: الموت (جاي جاي) فمت إن شئت كما أنت، أو مت وقد نلت الدكتوراه، وصدق فالإنسان يمضي في تحقيق الهدف ومتى جاء الموت فلن يستطيع أحد إيقافه.

أوصيك أن تستنهضي الصفات الكامنة في نفسك، فأنت عندك الطموح، والهمة، والإصرار وغير ذلك من الصفات فإن استنهضتها وبدأت بالخطوة الأولى فستجدين نفسك تنطلقين، وما هي إلا سنين معدودة حتى تنالي ما تمنيته بإذن الله تعالى.

الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم، وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).

التفاؤل مبدأ مهم في الحياة، ولذلك حثنا ديننا عليه فمن النصوص التي تعلمنا وتحثنا على التفاؤل قول ربنا جل في علاه: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم) وقوله: (إن رحمت الله قريب من المحسنين).

من الأحاديث التي تحثنا على التفاؤل قول نبينا عليه الصلاة والسلام: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله) وقوله: (إن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) وفي الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي فلا يظن بي إلا خيرا).

لقد كان التفاؤل سمة من سمات شخصية نبينا عليه الصلاة والسلام وهو أسوتنا وقدوتنا، كما قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)، ومن صور التفاؤل وحسن الظن بالله ما جرى أثناء هجرته عليه الصلاة والسلام إذ قال له أبو بكر رضي الله عنه حين دخلوا في الغار وجاء المشركون يبحثون عنهما ووصلوا إلى باب الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا!، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما).

كان نبينا عليه الصلاة والسلام يحب الفأل الحسن ويكره التشاؤم، فروى الإمام أحمد في مسنده أنه : ( كان يحب الفأل الحسن ، ويكره الطيرة). والطيرة: هي التشاؤم بالشيء. وعند مسلم: (... وأحب الفأل الصالح) ، وعند البخاري: ( ويعجبني الفأل الصالح؛ الكلمة الحسنة).

علاج اليأس والقنوط هو إعادة صياغة الحياة على التفاؤل، وحسن الظن بالله، والنظر إلى الحياة بتفاؤل، واستبدال الرسائل السلبية التي كبلتنا عن الانطلاق، وتحمل الصعاب برسائل إيجابية، أمعني معي النظر في قول الصحابة حين أتي برجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكثر من شرب الخمر فقال الصحابة لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به، لما كان لهذه الرسالة السلبية تأثير على نفسية الرجل تجعله يستمر في الإدمان محى عليه الصلاة والسلام تلك الرسالة بأخرى إيجابية تعزز من ثقة الرجل بنفسه وتدفعه نحو التغيير فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوه إنه يحب الله ورسوله)، فكيف تتصورين نفسية هذا الرجل بهذه الشهادة من النبي عليه الصلاة والسلام، ولما أتاه بعض الصحابة وكانوا قد تركوا الخطوط الأمامية للمواجهة في القتال فقال لهم من أنتم قالوا: نحن الفرارون قال بل أنتم العكارون يعني المنحازون إلى قائد الجيش.

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، وسلي الله تعالى أن يعينك ويوفقك لنيل ما تريدين، وألحي بالدعاء، واستحضري قلبك أثناء الدعاء، وكوني على يقين أن الله لن يخيب رجاءك.

أحسني الظن بالله تعالى فإن الله عند ظن عبده به ففي الحديث القدسي يقول الله جل في علاه: (أنا عند ظن عبدي بي؛ فليظن بي ما شاء فإن ظن بي خيرا فله، وإن ظن بي شرا فله) والمعنى كما قال القرطبي في (المفهم): قيل معنى ظن عبدي بي: ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها، تمسكا بصادق وعده، ويؤيده قوله في الحديث الآخر: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة".

أكثري من دعاء ذي النون (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى لك التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات