أنا شاب ودواعي الانحراف كثيرة، ما نصيحتكم؟

0 8

السؤال

السلام عليكم.

يا شيخى أرهقت نفسي وأرهق قلبي من كثرة كبت وإخماد ما فيهما، ومن شدة الاحتياج نفسيا وجسديا لأنيسة صالحة أتشارك معها ما في قلبي ونفسي.

الحمد لله طول فترة الجامعة وأنا أتقي الاختلاط أو التحدث مع زميلاتي تماما، وأحاول جاهدا غض بصري سواء في الشارع أو لما يظهر لي على الهاتف ابتغاء لبركة الحلال، ولأني أعرف أني ضعيف، وأخاف أن أدخل في دوامة الصداقات والحب.

كل هذه الأمور المرهقة للقلب والنفس أكثر، حتى انتشر عني أني منغلق ومتشدد، ولا أعرف كيف أتعامل مع البنات أصلا، وحذفت جميع مواقع التواصل الاجتماعي على الرغم من ما فيها من فوائد، ولكن نفسي كانت ربما تحتاج لمجرد قراءة كتاب يتكلم عن مثال لأسرة مسلمة يسودها الود والرحمة والتعلق بالله مثلا.

الحمد لله أنا مواظب على قيام الليل قبل الفجر والدعاء والتضرع والبكاء لله، وكذلك محاولة التدبر في القرآن أثناء القراءة في القيام بالإضافة للاشتراك في مساقات طلب العلم الشرعي أسأل الله الثبات على هذا كما هداني إليه بعد أن كنت كثير الذنوب.

أعلم أنه ليس هناك حل لمشكلتي إلا الصبر والتصبر والالتجاء والتضرع لله، ولكني أخاف أن تمل نفسي وتضعف وأنساق لوساوس الشيطان فأهلك وأظلم نفسي وأكن من الخاسرين، ووالله لو خيرت بين الموت أو الخضوع لوساوس الشيطان لاخترت الموت، وأحيانا عندما يشتد على الأمر أقول يا الله اقبض روحي قبل أن تكتب لي الزلل فيما يوسوس لي به الشيطان.

أنا لا أنوي قول هذا ثانية، ولكني بعد أن ذقت حلاوة الإيمان بالله والقرب منه صار الموت أحب إلي من أن أعصيه فعلا.

يا شيخي أكتب لك هذا لعلي أجد عندك من الكلمات ما تصبرني، وآسف جدا على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك – ولدنا الحبيب – في استشارات إسلام ويب.
لقد سررنا كثيرا حين قرأنا ما كتبته مما وفقك الله تبارك وتعالى إليه من الأعمال الصالحة والوقوف عند حدود الله تعالى، وهذا من فضل الله تعالى عليك ورحمته بك، ونسأل الله تعالى أن يثبتك ويزيدك صلاحا وإيمانا وتقى.

مما يعينك على الثبات على ما أنت فيه – أيها الحبيب – أن تعلم بأنك في مرحلة العمر التي هي موضع لجهاد النفس والهوى وغلبة الشيطان، فهذا الموسم الذي أنت فيه هو الموسم الأعظم التي تقع فيه هذه المعاني، وهو الموسم الثاني من عمرك.

يقول ابن الجوزي – رحمه الله تعالى – في كتابه "مواسم العمر": (بصيانة هذا الموسم يحصل القرب من الله عز وجل، وبالتفريط فيه يقع الخسران العظيم، وبالصبر فيه عن الزلل يثنى على الصابرين، كما أثنى الله فيه على الصابر يوسف الصديق، إذ لو زل من كان يكون؟).

اجعل هذا النموذج قدوة لك وإماما، وابحث عن جواب لهذا السؤال الذي وضعه ابن الجوزي – رحمه الله – وتفكر جيدا في هذا الموقف، لو زل يوسف هل كان سيصل إلى هذه المرتبة التي وصل إليها؟ وهل سيجعل الله تعالى له هذا الذكر الحسن إلى يوم القيامة والمرتبة العظيمة في الدنيا والآخرة؟ الجواب: لا.

تذكر أيضا – أيها الحبيب – أن قضاء اللذة وتحصيل الشهوة يفوت ويذهب، ولكن تبقى المذمة، وتبقى الندامة، فإذا تذكرت هذه المعاني سهل عليك بعون الله تعالى الصبر والثبات على ما أنت فيه من الخير.

تذهب الشدائد، وتذهب الطاعات بشدتها ويبقى الثواب، وتذهب المعاصي بلذتها ويبقى العقاب، ولأن هذا الموسم الذي أنت فيه موسم يحتاج إلى صبر شديد ومجاهدة كبيرة؛ فإن الله تعالى جعل الثواب فيه على الصبر أعظم من الثواب في غيره من مواسم العمر، ولذلك أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، منهم (شاب نشأ في عبادة الله)، ومنهم أيضا (رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله).

هذا السن الذي أنت فيه إذا صنته وحفظته وابتعدت فيه عما يغضب الله تعالى ويسخطه عليك فإنك تبلغ بهذا مرتبة عالية ودرجة عظيمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – في المسند: (عجب ربك من شاب ليست له صبوة)، فالشاب حين يصون نفسه عن محارم الله ويجتنب ما يسخط الله فإنه يبلغ هذه المرتبة عند الله.

داوم – أيها الحبيب – على ما أنت فيه من الخير، واستعفف يعفك الله، فهذا وعد الله تعالى لمن يستعفف، النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه الجملة: (ومن يستعفف يعفه)، والله تعالى قال في كتابه الكريم: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله)، فهذا فيه إشارة إلى أن فرج الله تعالى بعد الاستعفاف، قريب، وأن الله تعالى وعد من يستعفف بأن يغنيه، وأن تحصل له حاجته، فكن مع الله يكن معك.

لا تيأس، ولا تضجر من شدة الطريق، فإنه سلكه قبلك الموفقون ففازوا وظفروا.

اصحب الصالحين، وأكثر من مجالستهم، وأكثر من مدارسة العلم الشرعي، والإكثار مما أنت فيه من النوافل، فإن هذا كله يعينك على الثبات على ما أنت فيه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات