تائه في الدنيا بسبب المعاصي وتفرق أسرتي!

0 16

السؤال

السلام عليكم

قصتي طويلة قليلا لكنني سأختصر قدر الإمكان.

أنا من سوريا، عمري 28 سنة، ولدت لأب وأم لم يتفقا، وتطلقا عندما كنت في الثالثة من العمر، وعاشت أمي مع أهلها، وأبي سافر للعمل في السعودية، لكن الله لم يكتب له التوفيق، وبسبب الكفيل حرمنا من رؤيته لمدة سبع سنوات، ولكنه عاد بعد طول غياب.

بعد ١٠ أيام بالضبط من عودته قبض الله روحه إثر حادث دراجة نارية، ولي أخت واحدة فقط أصغر مني بسنة ونصف، تربينا في بيت جدي الذي كان قاسيا جدا علينا أحيانا، جسديا ولفظيا، باختصار تسبب لي ولأختي بمشاكل نفسية كبيرة، منذ صغري دمر ثقتي بنفسي، وكسر معنوياتي بكثير من المواقف، لكن هو بين يدي الله الآن، وأسأل الله أن يغفر له ويرحمه، ومع العلم تربينا تربية إسلامية وسطية جلها من جدتي الحنونة، جعلها الله من أهل الجنة، وعشنا الحرب، وتفرقت عائلتنا كحال كل السوريين.

الآن أنا أعيش وحيدا في ألمانيا منذ ٥ سنين كلاجئ، وبسبب سفري لم أر أهلي منذ أكثر من ٦ سنوات، قبل أن أسافر كنت مستقيم الحال، مقيم الصلاة، وقارئا للقرآن، لكن بعدما أتيت غرتني الدنيا، فتركت الصلاة، وفعلت الفواحش والكبائر، ظننت بأنني وحيد هنا فهذا إذن لي -لأعوض المتعة التي فقدتها من قبل-!!

الآن تركت الكبائر لكنني لا زلت أعصي الله بالخلوات، وغالبا ما أكون محتاجا ماديا، وأشعر بأنه عقاب، أشتاق لأهلي، ولكن ما باليد حيلة، هل حياتي عقاب أم اختبار من الله؟

يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أحب الله عبدا ابتلاه" هل أنا منهم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ باسل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أيها الابن- في الموقع، ونشكر لك حسن العرض للسؤال، ونسأل الله أن يصلح الأحوال، وأن يجمع شمل الأسرة، وأن يرحم أمواتكم وأموات المسلمين، هو ولي ذلك والقادر عليه.

لا شك أن من عاش المعاناة ثم وفقه الله -تبارك وتعالى- ينبغي أن يحمد الله تبارك وتعالى الذي يسر له الأمور، ونسأله -تبارك وتعالى-أن يكشف الغمة عن الأمة، وأن يرفع الحروب والمصائب والبلايا عن بلاد المسلمين في مشارق وفي المغارب.

أرجو أن تعلم أن بداية التصحيح تبدأ بالتوبة لله تبارك وتعالى، ومهما حصل من الإنسان من تقصير فإن رحمة الله وسعت كل شيء، وباب التوبة مفتوح، ورحمة الرحيم تغدو وتروح، و(التوبة تجب ما قبلها)، و(التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

كما لا يخفى على الفضلاء من أمثالك أن للمعاصي شؤمها وآثارها المدمرة والخطيرة، ومن آثارها ضيق الصدر، وبغض في قلوب الخلق، وظلمة في الوجه، وتقتير في الرزق، وصعوبات تواجه الإنسان في حياته، لأن الله يقول: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا}.

اجتنب الكبائر، واترك الفواحش، وتب إلى الله -تبارك وتعالى-، وأبشر بالخير.

الإنسان بعد أن يتوب قد فعلا يتعرض لاختبارات وابتلاءات أيضا ليتبين الصدق الذي عنده، وصدق الرجوع إلى الله -تبارك وتعالى-.

البلاء يصيب الإنسان العاصي والمطيع، لكنه بالنسبة للمطيع لله -تبارك وتعالى- يعتبر رفعة للدرجات، ويصدق عليه أن الله أحبه فابتلاه، أما بالنسبة للعاصي فهو عبارة عن عقوبة وتنبيه له ليعود إلى الله -تبارك وتعالى-.

على كل حال: هذه الدنيا لا تخلو من الصعاب، ولا تخلو من المصائب، لكن الذي يسعد فيها هو المطيع لله، إذا أطاع الله -تبارك وتعالى- سعد في كل الأحوال، سعد بالرخاء، وسعد بالشدة والضيق؛ لأن المؤمن يجعل شدته صبرا فيؤجر، ويجعل رخائه والنعم التي عنده شكرا فيؤجر، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له).

نسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، ونسأله أن يجمع الشمل، ويعينك على الخير.

أرجو أن تبدأ مسيرة التصحيح بتوبة لله نصوح، ببعد عن الذنوب الظاهرة وذنوب الخلوات، بتوجه وخضوع لرب الأرض والسموات، ونسأل الله أن يصلح حالك وأحوالنا وأحوال المسلمين، وأن يجمع شمل الأسرة، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مواد ذات صلة

الاستشارات