وسواس وخواء في عقلي دمر حياتي!

0 12

السؤال

السلام عليكم

بداية: أشكر كل القائمين في الموقع على جهدهم الكبير، جزاكم الله خيرا، وجعله في ميزان حسناتكم، وأشكر الدكتور: محمد عبد العليم كثيرا.

أنا شاب عمري 16 سنة، حياتي كانت جميلة جدا، لما كان فيها من صحبة رائعة وتفاعلات في الدعوة إلى الله.

انقلبت حياتي، حيث انشغلت صحبتي بدراسة الثانوية، وكانوا يفوقونني بسنتين، تعبت كثيرا وحزنت، وكنت ألعب لعبة تدعى pupg وقل تفاعلي كثيرا.

وقبل 4 أشهر أصبت باكتئاب، وكنت أبكي دون سبب، ولكنه خف عني، وقبل شهرين ونصف إلى الآن أعاني من وسواس قهري يشككني في ديني، وأفكار غريبة جدا تدخلني في عقائد أخرى لا ينظر إليها عاقل، وربما أفكار لم يأت بها أحد، أشعر أحيانا بتصديقها، وأسئلة فلسفية، وشعور شديد بالبعد عن الواقع، وأبي عندما يرجع من سفره أحس أنه غريب.

يا ويلي عندما يجتمع البعد عن الواقع بالوساوس، ويضاف لهم (ضغط دم منخفض) أشعر أنني أريد الانتحار للتخلص من هذا الهم.

ذهبت لطبيب نفسي أعطاني دواء فافرين بجرعه 50 ثم 100 لكنني لم أحتمل 100 فاستمررت على 50، وأصبحت أشعر بشعور غريب جدا، أرجو منكم وصفه لي.

أتذكر الماضي كثيرا، وأتحسر على حاضري المؤلم، فعندما يهطل المطر مثلا أحس أنني أعيش الماضي وهذا يضايقني كثيرا، وأحيانا أحس بفراغ في عقلي، وتشوش في أفكاري، وكأن أفكاري سحبت من عقلي، ولا أستطيع التفكير، ولا أدرك ما حولي!

أرجو منكم وصف هذا الشعور، وهل مر عليكم من قبل؟ وأرى أحلاما غريبة جدا وأحيانا كوابيس.

أنقذوني قبل الضياع.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكر لك ثقتك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.

الموضوع في غاية البساطة، أنت لديك بالفعل وساوس قهرية، وبما أن مستواك الفكري -ما شاء الله- مرتفع، ولديك مقدرات معرفية ربما تكون فوق سنك، وبما أن الوسواس المكون الرئيسي له هو القلق النفسي؛ فإن الأشخاص الذين يتمتعون بقدر مرتفع من الذكاء يكون القلق لديهم مرتفعا وتتسابق عندهم الأفكار وتتداخل وتؤدي إلى تشويش كبير جدا في طريقة تفكيرهم، والإحساس بالأفكار الغريبة، وفي بعض المرات يأتي شعور بالتغرب كأن الإنسان ليس في ذاته، وربما تحدث أيضا ظواهر مثل إفراغ العقل فجأة من الفكر، وبعد ذلك تعود الأفكار في تسابق شديد، وهكذا.

هذا التأزم في طريقة التفكير -كما أحب أن أسميه- ظاهرة من ظواهر القلق الوسواسي، نشاهدها خاصة عند الشباب، ومن لديهم طاقات فكرية مرتفعة. أسأل الله لك العافية، وأسأل الله لك الشفاء.

الأمر لا يتطلب أبدا التفكير في الانتحار، فأنت رجل كنت حريصا على دينك، وأحسب أنك لا زلت حريصا، فكيف تفكر في مثل هذا التفكير؟! هذا تفكير خناسي، يجب أن تستغفر وتستعيذ بالله تعالى، وتسأل الله تعالى أن يصرف عن هذا الموضوع، وأن يطرد عنك هذا النوع من الفكر اللعين.

الحياة طيبة، وأنت في بدايات الحياة حقيقة، ومقدم على مراحل جيدة في حياتك، الوسواس يجب أن تحقره ويجب ألا تناقشه، ويجب أن تصرف انتباهك عنه، وهذا يتم من خلال تمارين سلوكية معينة، أنا متأكد أن الطبيب النفسي قد قام بشرح كل هذا لك، تمارين (توقف الأفكار)، تمارين (صرف الانتباه)، تمارين (التنفير الفكري)، هذه كلها تمارين مهمة جدا في علاج الوسواس القهري.

وفي ذات الوقت لا تترك أي فراغ زمني أو ذهني، وهذا يتطلب منك أن تحسن إدارة وقتك، أن تجتهد في دراستك، أن تمارس الرياضة، أن ترفه عن نفسك، أن يكون لك وجود حقيقي داخل الأسرة من خلال مشاركاتك الإيجابية، وتكون بارا بوالديك، وأن تنظر للمستقبل دائما بأمل ورجاء، وأن تعيش حاضرك بقوة؛ هذه هي الطرق الجيدة للتخلص من هذا القلق وهذا الفكر الذي تحدثت عنه.

ممارسة تمارين الاسترخاء مهمة جدا، هذا لا بد أن أكرره لك، ولابد أن أحثك على الالتزام بها.

بالنسبة للعلاج الدوائي: طبعا العلاج الدوائي مهم، والعلاج الدوائي رائع، وهو مطلوب في حالتك، (فافرين) بجرعة خمسين مليجراما لن يوصلك للمرحلة العلاجية الجيدة، هذه هي الجرعة التمهيدية، والجرعة العلاجية في حالتك على الأقل يجب أن تصل إلى مائتين مليجرام يوميا، ولا أعتقد أنك في حاجة للجرعة العلاجية الكاملة، وهي ثلاثمائة مليجرام يوميا.

بما أنك لم تستطع أن تصل إلى جرعة المائة مليجرام من الفافرين فأعتقد أن هذا سبب منطقي وتبرير سليم أن تنتقل إلى دواء آخر.

أرجو أن تتكلم مع طبيبك حول هذا الأمر، وأنا أرى أن عقار (سيرترالين) والذي يسمى تجاريا (زولفت) أو (لوسترال) سيكون دواء مفيدا جدا بالنسبة لك، قليل الآثار الجانبية، ممتاز الفعالية، وسوف يساعدك كثيرا.

عملية استبدال الدواء سهلة جدا، تبدأ في تناول السيرترالين بجرعة نصف حبة -أي خمسة وعشرين مليجراما من الحبة التي تحتوي على خمسين مليجراما- وبعد ذلك تزيدها إلى حبة (خمسون مليجراما) بعد عشرة أيام، وتتوقف عن الفافرين.

هذا كله سوف يوضحه لك الطبيب -إن شاء الله تعالى-.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
+++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان، وتليها إجابة د. عقيل المقطري الاستشاري التربوي والشرعي:
++++++++++++++++++

فمرحبا بك أخي الكريم، وردا على استشارتك أقول:

الوساوس بجميع أنواعها مصدرها الشيطان الرجيم، وهو ألد عدو للإنسان كما قال الله تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)، فهذا أمر من الله تعالى باتخاذ الشيطان عدوا، وقد أمر الله تعالى كذلك بعدم اتباع خطواته فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر).

ما من أحد إلا ويوسوس له الشيطان ولكن تعامل الناس مع تلك الوساوس على قسمين:

الأول يحتقرها ولا يسترسل أو يتحاور معها ويقطعها فور ورودها، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فهذا الصنف ييأس منه الشيطان؛ لأنه أبان للشيطان قوته ومعاداته له.

وأما القسم الثاني: فهو يستقبل تلك الوساوس ويسترسل ويتحاور معها، فهذا يفترسه الشيطان؛ لأنه أبان ضعفه للشيطان.

من أسباب تسلط الشيطان على الإنسان المعاصي التي يقع فيها كما قال عليه الصلاة والسلام: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه) ومن الرزق أن يوفق للانتصار على الشيطان ووساوسه.

بعض الألعاب الإلكترونية تكون سببا في تلك الوساوس لما تحمل في طياتها من الأفكار المنحرفة والإيحاءات الخطرة، فبالإدمان يتشبع العقل بتلك الأفكار، فتستولي على الشخص.

الغفلة عن ذكر الله تعالى من أسباب الوساوس، فالغافل عن الذكر يستولي الشيطان على قلبه -والعياذ بالله- يقول سيدنا ابن عباس رضوان الله عليه: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس).

الذي ننصحك به أن تحتقر تلك الوساوس، وأن تقطعها فور ورودها، وألا تحاورها أبدا، واستعذ بالله من الشيطان الرجيم مباشرة، وقم من المكان الذي أتتك، وأنت فيه وتذهب إلى مكان آخر وتشغل نفسك بأي عمل مفيد يلهيك عن تلك الوساوس.

حافظ على الصلوات الخمس في أول وقتها، وصلها في جماعة، وحافظ على أذكار اليوم والليلة، واجعل لسانك رطبا من ذكر الله تعالى؛ فذلك سيجلب لقلبك الطمأنينة، وسيكون حرزا لك من شر شياطين الإنس والجن.

اجتهد في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح؛ فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة كما قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

ابتعد عن المعاصي صغارها وكبارها وتب إلى الله من أي ذنب وقعت فيه، فذلك سيجلب لقلبك السعادة.

الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)، وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).

تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وتحين أوقات الإجابة، وسل ربك أن يصرف عنك الشيطان الرجيم ووساوسه، وأن ينصرك عليه وأكثر من دعاء ذي النون: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

ما يخص وساوس العقائد، فعلاجها أن تحتقر تلك الوساوس، وأن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن تقول: (آمنت بالله، الله أحد، الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحدا)، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يأتي الشيطان إلى أحدكم فيقول هذا الله خلقنا فمن خلق الله! فإذا أتى أحدكم فليقل: آمنت بالله الله أحد... إلخ.).

شعورك أحيانا أنك تصدق تلك العقائد الفاسدة ليست منك، إنما هي وساوس الشيطان لست محاسبا عليها، ولكن عليك أن تجاهد نفسك وتجتهد من أجل الانتصار على الشيطان الرجيم.

شعورك بأن والدك شخص غريب كذلك من وساوس الشيطان الرجيم، فهي وساوس متداخلة، وهذا عمل الشيطان الرجيم أنه يدخل من أصغى له من وسواس إلى آخر.

احذر من اتباع خطوات الشيطان الرجيم، فالانتحار ليس حلا؛ لأنك ستنقل من بلاء محتمل إلى بلاء غير محتمل، فالانتحار محرم، ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات