أشعر بالضياع الدراسي بسبب سوء تصرفي

0 10

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
سبق أن استشرتكم بسبب نفس المشكل وهو أني بعد تخرجي ترشحت للماجستير، وبسبب ظروف صحية وأخرى مني مثل الكسل ووضع الظروف الصحية ذريعة سحبت التسجيل.

السنة التي بعدها لم أواصل الدراسة أيضا، وهذه السنة أردت أن أعود للدراسة لكن كانت هناك ظروف فرضت علي أن لا أدرس بعيدا عن البيت.

أختي متزوجة تسكن خارج البلاد، وأخي يدرس في العاصمة، وأمي تبقى بمفردها، لا أريد أن أحزنها، ولا أن أتركها بمفردها، واخترت تخصصا قريبا من مدينتي أسافر يوميا، ولكن يا خيبة المسعى!

كان تخصصي العلوم الشرعية والآن أدرس التاريخ، للأسف التاريخ بنظرة المستشرق بالإضافة إلى النظرة السلبية لطالب العلوم الشرعية، لا أستطيع أن أدرس أو أن أكمل في هذه الجامعة، لأن مبادئي والمبادئ المعمول بها هناك لا تتفق حتى في الماجستير لن أستطيع أن أختار موضوعا يتماشى معهم، فإما أن أنافق أو أوافق، ولا أستطيع هذا، ولن أستطيع أن أبدع.

أريد العودة السنة المقبلة لجامعتي الأصلية، لأن أخي بعد أن فاتني أجل الترسيم في جامعتي، قال إنه لن يكمل الدراسة بعيدا عن البيت.

لذا أستطيع الدراسة أنا بعيدا، لكن ما يحزنني أنه بسبب تقاعسي ضاع من عمري نحو سنتين والآن ثالثة بدون جدوى، ولا أدري ماذا سأفعل هذه السنة؟!

أشعر بالإحباط والألم والندم، الحمد لله على كل حال، صارت نفسيتي متعبة كثيرا، ساعدوني بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
ما تعانين منه مقدر عليك من قبل أن تخلقي، يقول ربنا في محكم كتابه العزيز: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له اكتب، قال وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.

أقدار الله كلها خير للمسلم، وإن بدت له أنها شر محض، (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكانت خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكانت خيرا له).

الرضا بالقضاء والقدر جزء من الإيمان، والتضجر والتسخط ناتج عن ضعف الإيمان، ففي الحديث لما سئل عليه الصلاة والسلام عن الإيمان قال: (...أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره من الله تعالى).

وفي الحديث أيضا: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، فعليك أن ترضي بقضاء الله وقدره، وحذار أن تتسخطي، وإلا فالجزاء من جنس العمل.

عليك أن تعملي بالأسباب الشرعية التي توصلك لمرادك، وأن تدرسي القضية دراسة صحيحة، وتستشيري أهل الاختصاص، حتى تدخلي التخصص المرغوب فيه بصدر رحب، وادرسي الموضوع من كل الجوانب.

لا تجعلي الماضي يكبل رجليك عن الانطلاق نحو المستقبل، فاجترار الماضي للواقع المعاش له أضرار كثيرة، منها أنه يورث الحزن والتحسر، فلا داعي لاجتراره في حياتك، وإلا فستستمر تأثيراته وسيؤثر على دراستك في المستقبل.

اجعلي ما مضى نقطة انطلاق برغبة وجد ونشاط نحو المستقبل، واتخذي مما حدث دروسا وعبرا، وإذا قرأنا في سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام فسنجد أنه حدثت أزمات وانتكاسات وأخطاء من بعض الصحابة أدت إلى نكبات وأحزان، ومع هذا فكان عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام يأخذون من ذلك الدروس والعبر، فيجتنبوا أسباب الضعف، ويقوون جوانب القوة، واستمر عليه الصلاة والسلام بالعمل والتخطيط حتى قال يوم الخندق: (الآن نغزوهم ولا يغزونا).

ليس ثمة عيب في دراسة العلوم الشرعية أو التاريخ، لكن ينبغي أن يتخير الطالب التخصصات الدقيقة النادرة التي يحتاجها سوق العمل، ففي الجانب الشرعي المعاملات المالية والاقتصاد الإسلامي مهم للغاية، والتخصصات فيه قليلة.

كذلك في مجال تقنين الشريعة أو حتى دراسة القانون الدولي، فتخصصاته مهمة، وهكذا في مجال التاريخ.

توجه الطالب ورغبته في التخصص مهمة، خاصة إن كان تحصيله العلمي في مرحلة ما قبل الجامعة يساعده في اختيار ذلك التخصص.

أوصيك أن تجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح، فذلك سيجلب لك الحياة السعيدة، وسيجنبك الكثير من أكدار الحياة، يقول تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

أكثري من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، فذلك من أسباب طمأنينة القلب وراحته، يقول تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

ذنوب العبد قد تحول بينه وبين ما يريد، وتحرمه الكثير من الأرزاق، ففي الحديث الصحيح: (وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه).

ما يصيب العبد إما ابتلاء محض، وذلك في حالات قليلة من الناس الصالحين، يقول تعالى: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون)، وإما بسبب ذنوب ارتكبها ولم يتب منها، يقول تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).

لا بد أن تفتشي صفحات حياتك، فلعل ذنبا ما حصل في حياتك غفلت عن التوبة منه، وأنا هنا لا أتهمك بشيء ولكن من باب التذكير، وكلنا أصحاب ذنوب، وأصغرها الغيبة والنميمة، فإن وجدت فاستغفري الله، وإن لم تجدي فكثرة الاستغفار يمحو الذنوب.

الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد وسلي الله تعالى أن ييسر أمورك وأن يفتح لك أبواب الخير وأكثري من دعاء ذي النون: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

اطلبي الدعاء من أمك فدعاء الوالد مستجابة كما ورد في الحديث.

نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى لك التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات