أعاني من اضطراب نفسي وديني

0 5

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أرجو من فضيلتكم أن تجيبوني على ما سأطرحه عليكم -إن شاء الله-.

أنا أصبت بجميع أنواع وسواس العقيدة، شبهات، طهارة ألخ... وأصبت بنكسات وفتور وتفويت عبادات، ومرة أنجح في التغلب عليها -بإذن الله- وكثير من المرات لا أنجح، وكلما أريد أن أسأل عن شيء في الدين إلا ويتبع سؤال آخر حتى وضعت نفسي في الحرج.

ذهبت عند أطباء نفسيين وأعطوني أدوية وهدأت نفسي لكن أثرت في تلك الأدوية في زيادة الوزن بشكل كبير وسرعة الغضب وأصبحت أخاف من التجمعات، وبعد مرور سنين على هذا الحال قررت أن أقطع الأدوية ولا أتناولها ولم أسلم أيضا!

أصبحت أخاف على ديني، أي مكان يتكلم عن الدين أصبحت أخاف منه، وأصبح كما قال الله تعالى في القرآن: "ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون"، أي حديث أسمعه عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- إلا وتأتي أفكار فيها أشياء سيئة جدا لدرجة أني لم أعد أستطيع قراءة أي حديث، نفس الشيء للقرآن الكريم، وأصبت باليأس، وقرأت في فتوى لكم أن الله ييأس العبد من رحمته لأنه ضال ومضل ويستحقها مثل أبو لهب.

والله لم أعد أعرف ما أفعل، لم أعد أستطع فعل أي شيء عجزت، لم أعد أستطيع الدعاء كأن شيئا يمنعني، حتى وضوئي وطهارتي أصبحت شيئا صعبا جدا، وعند قراءتي للفتوى تصعب علي العمل بها وأشتد ضياعا وحيرة وشكا، وصلاتي بكثرة الخوف لم أعد أعلم كم من ركعة ركعتها.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في استشارات إسلام ويب.

لا شك أن التعايش مع الوساوس القهرية لفترات طويلة من الزمن وعدم علاجها بصورة صحيحة وجادة يؤدي إلى تعقيدات مثل التي حدثت لك، فأنت الآن أصبحت حتى الآيات القرآنية تؤولها تأويلات خاطئة.

فأخي الكريم: أريدك أن تأخذ علاج الوسواس بجدية، والعلاج يتكون من العلاج الدوائي، والعلاج السلوكي، والعلاج النفسي والاجتماعي، وكذلك العلاج الإسلامي. هذه الأربع مكونات للعلاج: (الدوائي، السلوكي، النفسي الاجتماعي، والإسلامي)، يجب أن تكتمل وتكون مجتمعة.

بالنسبة للعلاج النفسي: يجب أن تكتب كل هذه الوساوس في ورقة، تبدأ بأقلها وأضعفها وتنتهي بأشدها، وبعد ذلك تطبق ثلاث تمارين على كل مكون وسواسي.

التمرين الأول نسميه بـ (إيقاف الفكرة الوسواسية): تتأمل وتتدبر في فكرة وسواسية دون الخوض في تفاصيلها، وتقول للفكرة (أقف، أقف، أقف، أنت وسواس حقير، أنا لن أهتم بك، أنت تحت قدمي)، تكرر هذه القولة خمسين مرة، وكأنك تخاطب شخصا يقف أمامك. هذه العلاجات تتطلب أن تخصص لها وقتا، وأن تكون في مكان هادئ جدا، وبعد أن تنتهي من الفكرة الأولى تنتقل بعد ذلك للفكرة الثانية، وهكذا.

التمرين الثاني نسميه (صرف الانتباه عن الفكرة الوسواسية): تأمل في فكرة وسواسية، في بداياتها، ثم اصرف انتباهك عنها، قل: (بدل أن أفكر في هذه الفكرة لماذا لا أقوم بعد التنفس لدي مثلا لمدة دقيقتين؟ لماذا لا أتأمل وأتفكر في كيفية النظر وعدم العيون)، وشيء من هذا القبيل. إذا صرف الانتباه من خلال شيء أهم.

التمرين الثالث نسميه (تنفير الوسواس): أن تربط الوسواس – فعلا كان أو وفكرة – بشيء مخالف له، وقد وجد أن إيقاع الألم بالنفس هو من أفضل الأشياء، مثلا: تجلس أمام طاولة وتقوم بالضرب على يدك على سطح الطاولة، لدرجة أنك تحس بألم شديد.

اربط ما بين هذا الألم وبدايات الفكرة أو الفعل الوسواسي. كرر هذا التمرين عشرين مرة متتالية بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء. علماء السلوك وجدوا أن الأشياء المتضادة لا تلتقي في حيز فكري واحد، حيث إن الألم شيء مبغوض ومرفوض لدى النفس، وحين نربطه بالوسواس سوف يضعف الوسواس. وهذا التمرين يمكن أن يطبق بطرق أخرى، مثلا: تقوم بشم رائحة كريهة، وفي نفس الوقت تستجلب الفكرة أو الفعل الوسواسي. أو تقوم بوضع رباط مطاطي على رسغ يدك وتشد هذا الرباط المطاطي بقوة ثم تتركه لتشعر بألم ينفرك من الفكرة أو الفعل الوسواسي.

إذا هذه التمارين السلوكية يجب أن تلتزم بها التزاما تاما، وتستمر عليها لفترة من الوقت، وستجد أن الوساوس قد ضعفت وتلاشت -بإذن الله تعالى-.

بالنسبة للعلاجات الأخرى: أيضا تقوم على مبدأ صرف الانتباه، فلا بد أن تتخلص من الفراغ لأن الوساوس تتصيد الإنسان في وقت فراغه، والذي يكون منشغلا بما يفيده في دين أو دنيا لا تجد الوساوس إليه سبيلا، ولا بد أن تحسن إدارة وقتك، ولا بد أن تمارس رياضة، ولا بد أن تتواصل اجتماعيا، وأنت ذكرت أنك بدون عمل الآن، لا، لا بد أن تعمل، العمل مهم جدا، وقيمة الإنسان في العمل، ونفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، والوساوس من الباطل.

فأخي الكريم هذا أمر يجب أن تعالجه – أي أن تجد عملا – وأنصحك ألا تتخلف عن واجب اجتماعي أبدا، إذا دعيت لفرح (عرس) مثلا يجب أن تلبي الدعوة، وإذا كان هنالك عزاء يجب أن تقدم واجب العزاء لأهل الميت، وإذا علمت عن جنازة فاذهب واحضرها واحضر دفنها، لك على ذلك قيراطين من الأجر، والقيراط مثل جبل أحد، وإذا سمعت عن مريض – أو تذهب إلى المستشفى – وزرته، وصل رحمك، واخرج مع أصدقائك من أجل الترفيه الطيب والجميل ... هذه كلها علاجات، انصراف تماما عن الوساوس.

أما العلاج الإسلامي: أن تكثر من الاستغفار، أن تكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، أن تكثر من قول (آمنت بالله، آمنت بالله، آمنت بالله) عدة مرات، وأرجو أن تلتزم بصلواتك في وقتها مع الجماعة، والأذكار، وتلاوة القرآن، لأن من شغل نفسه بذكر الله فإن الوساوس تذهب عنه، قال تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون}، وقال: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا}.

العلاج الآخر هو العلاج الدوائي، الأدوية مهمة جدا، وأنت تحتاج لدواء واحد يسمى (فافرين) هذا علاج جيد، اسمه العلمي (فلوفوكسامين)، تبدأ في تناوله بجرعة خمسين مليجراما ليلا لمدة أسبوعين، ثم تجعلها مائة مليجرام ليلا لمدة أسبوعين آخرين، ثم تجعلها مائتين مليجرام ليلا، وهذه جرعة علاجية ممتازة، تستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم تجعلها مائة مليجرام ليلا لمدة ستة أشهر أخرى، ثم خمسين مليجراما ليلا لمدة أسبوعين، ثم خمسين مليجراما يوما بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم تتوقف عن تناول الدواء.

وتوجد أدوية أخرى كثيرة، لكن الفافرين هو الدواء الأفضل، وقليل الآثار الجانبية.

طبق الإرشادات وتناول الدواء، وأسأل الله أن تنتفع بما ذكرنا، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

ويمكنك مراسلة قسم الفتوى لمعرفة الأحكام الشرعية: https://www.islamweb.net/ar/fatwa/

مواد ذات صلة

الاستشارات

لا يوجد استشارات مرتبطة