كيف أتعامل مع الوسواس وأتخلص منه فهو ملازمني منذ الطفولة؟

0 9

السؤال

السلام عليكم.

د/ محمد عبدالعليم جزاك الله خيرا، لقد أحببتك في الله دون أن أراك لما قرأته في الاستشارات لك.

أنا مريض بالوسواس القهري منذ الطفولة، ولقد دمر هذا المرض حياتي تماما، وأنا أحدثكم بعدما وصلت لمرحلة بالغة من اليأس، تقريبا كل عوامل وأسباب الإصابة بالوسواس القهري التي قرأتها على الإنترنت موجودة في حياتي، فمثلا: العنف من الأهل، والقسوة الشديدة، والقلق والتوتر المبالغ فيه الموجود في حياتي، واضطراب مزاجي، والطفولة القاسية، وأظن غير ذلك أيضا مما لا أتذكر.

المهم الوساوس التي تأتيني غاية في الذكاء، حيث أني بعد أن يئست من زيارة الطبيب تماما، بسبب أهلي (حسبي الله ونعم الوكيل) رغم أنني حاولت إقناعهم بشتى الطرق، وإحضار مقالات لهم لقرائتها، ولكن السبب ليس الإقناع، فهم لا يريدون ذهابي لسبب لا أعلمه ولا أفهمه، وحتى لم يستمعوا لكلام إخوتي الأكبر مني، والغريب أنه ليس أبي فقط بل أمي أيضا، ولم أكسب من إخبارهم غير السخرية.

الوساوس أصبحت تأتيني بعدما يئست من زيارة الطبيب أنني لا يمكن أن أبدأ حياتي أبدا بدون زيارة الطبيب، وأنه يجب علي التفكير بطريقة معينة لحين زيارته، ورغم أن حالتي في مقاومة الأفكار والوسواس بدأت تتحسن بعد تناولي لدواء مضاد للاكتئاب وهو (فيلوزاك 20)؛ لأنه رخيص الثمن مقارنة بالدواء الذي غالبا أقرأه في الاستشارات (بروزاك)، ولكن الوسواس عندي ذكي جدا، وأصبح يرهقني بشتى الطرق، حيث يقول لي: إنه يجب أن يكون هناك قانون لتفكيري، وهذا لا أستطيع وصفه لحضرتك، وأيضا يقول يجب أن أفكر أو أفعل شيء بشكل مؤقت لحين حصول شيء معين.

تأتيني وساوس قهرية إن هذه الأفكار حقيقة وليست وسواسا، وأن من يحدد ذلك هو الطبيب وليس أنا، ولكني لا أستطيع زيارة الطبيب مطلقا لظروف وأسباب شخصية وأسرية، فهل يمكنني أن أعرف الفكرة الوسواسية من الحقيقية بدون زيارة الطبيب؛ لأن هناك وساوس تأتيني أنني لا يجب أن أبدأ حياتي وأعيش بصفاء في التفكير إلا بعد أن أزور الطبيب، وأعاني من الوساوس بمختلف أنواعها في حياتي، أي تقريبا معظم أنواع الوسواس القهري إن لم يكن كلها أنا مصاب بها، فماذا يجب علي أن أفعل؟ وهل يمكن أن تصف لي أرخص وصفة علاجية أو بدائل لها ممكن أن أشتريها وتكون متوفرة في مصر؟

ذهبت إلى الطبيب وأخبرته أنني أعاني من تكرار الأفعال، والتأكد من أشياء تافهة ليس لها أي جدوى، والمرض له أبعاد مختلفة كثيرة، فحاولت أن أشرح له أنني مصاب به، وأيضا أنا أخبرته أنني لا أطيق الأصوات حتى المهموسة، فقال لي: إني غير مريض بالوسواس القهري، ولدي اضطراب قلق عام وبسيط، وأنا أخبرته بعكس ذلك، ولكنه لم يكتب لي أي دواء لعلاج الوسواس القهري، علما أن هذه هي الجلسة الأولى.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية.

لا شك أن الذي تعاني منه هو وسواس قهري، والوساوس القهرية دائما تكون مصحوبة بدرجة من القلق تتفاوت في شدتها وحدتها من إنسان إلى آخر، فلا أعتقد أن هنالك خلاف أو تناقض فيما تراه فيما ذكره الطبيب الذي قال لك أنك تعاني من القلق، القلق النفسي هو الأساس وبعد ذلك تأتيك هذه الأفكار الوسواسية بصورة متفاوتة ومن وقت إلى آخر.

طبعا أهم نقطة علاجية هي ألا تدخل في حوارات وسواسية، وأريدك أن تحقر الوسواس، أن تتجاهله تماما، وأن تنفر نفسك منه. هذه هي الأسس العلاجية الثلاثة.

أنت تسأل عن كيفية أن تفرق بين الفكر العادي والفكر الوسواسي؟
الوسواس دائما يكون مبغوضا للنفس ومكروها للنفس، لكنه يلح ويفرض ذاته على الإنسان، أما الأشياء الثانية فهي ليست مرفوضة عند الإنسان، غالبا تكون الفكرة مقبولة حتى ولو اختلف الإنسان معها. كما أن الوسواس فكرة سخيفة أصلا، ولن تصل إلى أي نوع من النهايات بالنسبة لها.

لكن – يا أخي – لا أريدك أن تلجأ لهذا المنهج لتفرق بين ما هو وسواس وغيره. أنت لديك وسواس، وحين تبدأ في التعمق والتحليل لهذه الأفكار؛ هذا سوف يزيد من الوساوس ويدخلك في وضع نسميه بالتمكين، أي أنك قد مكنت الوساوس منك، وذلك بمحاولة تحليلها وتفسيرها وإخضاعها للمنطق.

فيا أخي الكريم: مبادئ التجاهل مبادئ أساسية، وكذلك مبادئ إيقاف الأفكار، ويمكن أن تضع برنامج علاجي سلوكي بسيط جدا، تقوم بكتابة كل هذه الأفكار الوسواسية، ابدأ بالفكرة البسيطة وانتهي بالفكرة الشديدة، اكتبها في ورقة، ثم اخضع كل فكرة للمناهج العلاجية الثلاثة:

المنهج الأول نسميه بـ (إيقاف الأفكار)، وذلك بأن تجلس في مكان هادئ بهدف جلسة علاجية، وتخاطب الفكرة قائلا: (أقف أقف أقف، أنت فكرة وسواسية حقيرة)، تخاطبها بجدية، وعدة مرات، وهذا التمرين يجب أن يستغرق دقيقتين إلى ثلاثة، بعض الناس يطبقون هذا التمرين بصورة جيدة جدا، يقولون: (أقف، أقف) حتى يحسون بالإجهاد.

التمرين الثاني هو تمرين (صرف الانتباه)، وذلك بأن تستجلب الفكرة الوسواسية، وفجأة تدخل في فكرة أخرى مخالفة لها، تفكر في شيء جميل، في شيء طيب في الحياة، تقوم مثلا بعد التنفس لديك لدقيقتين، وتتأمل في كيفية دخول الأكسجين وخروجه، هذا نسميه (صرف الانتباه).

التمرين الثالث هو (التنفير)، أن تجلب هذه الفكرة الوسواسية وتفكر في بداياتها، وبعد ذلك مثلا تقوم بالتفكير في كارثة حصلت كاحتراق طائرة مثلا، أو مثلا تقوم بشم رائحة كريهة – إن كان ذلك ممكنا – أو تقوم بالضرب على يدك بقوة وشدة على جسم صلب حتى تحس بالألم، ويجب أن تربط بين هذا الألم أو الرائحة المنفرة أو الحدث الكارثي والوسواس، هذا الربط يؤدي إلى إضعاف الوساوس.

هذه طرق علمية رصينة جدا ومهمة ومفيدة جدا، لكنها تتطلب الجدية في التطبيق، أحسن إدارة وقتك، تجنب الفراغ، اجتهد في دراستك، كن شخصا إيجابيا في كل مناحي الحياة.

بالنسبة للعلاج الدوائي: الـ (فلوزاك) دواء ممتاز جدا، وهو الـ (فلوكستين)، ارفع الجرعة إلى أربعين مليجراما، واستمر عليها على الأقل لمدة ستة أشهر، ثم خفض الجرعة بعد ذلك إلى عشرين مليجراما يوميا لمدة ستة أشهر أخرى، ثم عشرين مليجراما يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

وأريدك أن تدعم الفلوكستين بدواء آخر رخيص جدا يسمى تجاريا (موتيفال)، تناوله بجرعة حبة واحدة ليلا لمدة ثلاثة أشهر، سوف يفيدك كثيرا في علاج القلق والتوترات، أيضا طبق تمارين الاسترخاء، فهي مفيدة جدا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات