هل الطموح يعارض الإخلاص؟

0 12

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله.

سؤالي هو: هل الطموح يعارض الإخلاص؟ فمثلا أنا أحب أن أقرأ لله تعالى أولا، وأحب أن أكون قارئا مشهورا (ليس همي الشهرة والمال وإنما طموح)، وأنا أحب الجماعة، وأحب أن أصلي بالناس، لا ليروني إماما عظيما لكن لأريحهم بصوتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Abraham حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابننا الفاضل-، وشكرا لك على هذا السؤال الرائع، فإنما شفاء العي السؤال، نسأل الله أن يرزقنا وإياك الإخلاص في أقوالنا وأفعالنا وأحوالنا، فإن الصدق في الأفعال أبلغ من الكذب في الأقوال، {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}، ونسأله تبارك وتعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا.

الإخلاص كلمة غالية، كلمة عزيزة، والمخلص يستوي عنده مدح الناس وذمهم، والإخلاص هو تصفية العمل من مشاهدة المخلوقين ومن مشاهدة النفس، وإذا فاز الإنسان بالإخلاص فإنه ينال أعلى الرتب، ويحقق الطموح الذي يريده، والمهم هو أن يجعل الإنسان نيته لله تبارك وتعالى، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انفصل وانقطع، وأي طموح أعظم من طموح أهل الإيمان، قال الله على لسان نبيه سليمان: {رب اغفر لي وهب لي ملكا لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب}، وها هو رسولنا يعلمنا الطموح العالي: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى)، كما قال عليه صلاة الله وسلامه، وذاك هتاف الأخيار : {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}، كان من الممكن أن يقول: (واجعلنا من المتقين)، لكنهم قالوا: {واجعلنا للمتقين إماما}.

ونحب أن نؤكد لك أن المخلص يحقق الشهرة، ويحقق ما يريد، ويرتفع عند الله تبارك وتعالى، ويفوز برضا الله، ثم تقبل قلوب الخلق عليه، لأنه أخلص لله. فاجعل الإخلاص لله تبارك وتعالى في البداية وفي النهاية وفي أثناء العمل، تأكد من هذا المعنى العظيم، فإن فيه الرفعة، وبه يتحقق الطموح العالي بالإخلاص لله تبارك وتعالى.

وأرجو أن تعلم أن أهل الإخلاص اشتهروا، وأن أهل الإخلاص ارتفعوا، وأن أهل الإخلاص نالوا الدنيا وفازوا بها، رغم أنهم ما أرادوا هذا، ولا قصدوا هذا، لكن هذه حكمة الحكيم، إذا أقبل الإنسان بقلبه على الله أقبل الله بقلوب الخلق إليه، بل كانوا يهربون من الشهرة التي وصلوا إليها والرفعة التي نالوها.

ولذلك أنا أريد أن أقول: هذا سؤال رائع، فإذا أخلصت لله تبارك وتعالى نلت كل ما تريد، والفلاح في أن يكون هذا هو الهدف الأصلي، وبعد ذلك بقية الأهداف تتحقق تباعا، تشتهر، ترتفع، يعجب الناس بصوتك، يعطي الله القبول لكلامك، كل ذلك لأنك مخلص، والمخلص – بكسر اللام – يتحول إلى مخلص – بفتح اللام – وهي رتبة أعلى، قال الله تعالى: {إنه كان من عبادنا المخلصين}.

ولذلك أرجو أن تتأكد من الإخلاص قبل العمل، وأثناء العمل، وبعد الانتهاء من العمل، وفكر بما شئت من طموحات عالية، بعد أن يكون الأساس هو الإخلاص. بل أنا أريد أن أقول: المخلص لو لم يرد الشهرة سيشتهر، لو لم يرد الرفعة سيرتفع، لو لم يرد إقبال الناس عليه سيقبلوا عليه، قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} حبا وقبولا عند الناس، يعني محبة في قلوب الناس، فنسأل الله أن يعينك على الخير.

إذا أحب أن أقول: اجعل الإخلاص ديدنا لك، وبعد ذلك ستتحقق لك كل الطموحات، ولا مانع من أن يطمح الإنسان في أن يكون في أعلى الرتب طالما يريد بذلك العلو وجه الله، طالما يريد بتلك الرفعة التواضع لخلق الله وليس التعالي عليهم والافتخار عليهم، لأن الإنسان إذا صعد أعلى السلم ينبغي أن يتذكر الموفق الذي رفعه وأعانه وأقامه وأقعد غيره.

فشكرا لك على هذا السؤال، ونسأل الله أن يرزقنا وإياك حسن القصد وحسن الفهم، وأن يجعلنا من المخلصين المخلصين، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وشكرا لهذا السؤال.

مواد ذات صلة

الاستشارات