المقارنة بيني وبين الآخرين جعلتني حقودة.

0 16

السؤال

السلام عليكم.

برغم أن الله رزقني من النعم ما يفوق أغلب من حولي من مال وجمال وعائلة وتفوق دراسي خطيب صالح -سوف يتم عقد قراني عليه الشهر القادم-، إلا أنني أعاني من مرض المقارنة، أقارن نفسي دوما بمن حولي، أحزن لخطبة إحداهن بمن هو أحسن من خطيبي، أحزن لحصول إحداهن على شيء أكثر مني، أو حتى مثلي، أنظر دوما لما ليس عندي، أقارن حالي بأحوال الجميع دوما، مما ولد عندي عدم الرضا، ومن ثم الحقد، وأشعر إني في صراع دائم وعدم ارتياح، وقلب غير مستقر.

تعبت، والله تعبت من نفسي، وتعبت من الدنيا، أريد حلا عمليا، علما بأني حاولت بكل الطرق، جاهدت نفسي، دعوت الله، شغلت نفسي بما يلهيها، عملت كل ما أستطيع عمله في سبيل أن أتخلص من هذه الصفات الذميمة، لكني أفشل دوما وأعود كما كنت، حقودة، غير راضية، أنانية، ذات قلب أسود لا يتمنى الخير لأحد، أنا أكره نفسي حقا، أعتذر على الإطالة، فهل من حل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Sara حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا- الفاضلة، ونسأل الله أن يقدر لك الخير، وأن يطهر نفوسنا من الشقاق والنفاق وسيء الأخلاق، وأن يهدينا لأحسن الأخلاق والأعمال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.

أرجو أن تنتبهي للمعيار والتوجيه النبوي الشريف عندما أمرنا دائما في أمور الدنيا أن ننظر إلى من هم أقل منا، إلى من هم دوننا، فقال: (انظروا إلى من هو دونكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، كيلا لا تزدروا نعمة الله عليكم)، فالإنسان في أمور الدنيا ينبغي أن ينظر إلى من هم أقل منه، حتى يشكر نعم الله، ويعرف نعم الله عليه، وكلنا غارق في النعم، أما في أمور الدين فننظر إلى من هم أفضل منا وأحسن منا، نتأسى بهم، نتشبه بهم (فتشبهوا بهم إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالكرام فلاح).

هذا المعيار ينبغي أن يكون واضحا أمام كل مسلم ومسلمة، واعلمي - يا ابنتي الفاضلة - أن نعم الله مقسمة، وقد أسعدنا أنك أشرت إلى أن الله أنعم عليك نعم تفوق من حولك، فاشكري الله تبارك وتعالى، وإذا وجدت نعمة تنزل على زميلة أو صديقة أو جارة فاحمدي الوهاب ثم توجهي إليه تسأليه من فضله، كما فعل زكريا - عليه وعلى نبينا صلاة الله وسلامه - عندما دخل على مريم، وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف، ووجد عندها أرزاق، ووجد عندها خيرات، هو المتكفل لكنه لم يأت بها، قال: {يا مريم أنى لك هذا؟} قالت: {هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب}، لم يتمن زوال النعم، ولم يكره تلك النعم، ولكن توجه إلى الله بالدعاء وهو في المحراب، قال الله تعالى: {هنالك دعا زكريا ربه}، يشكر النعم، ثم يسأل الله مثلها، يسأل الله من فضله، {هنالك دعا زكريا ربه}، كأنه يقول: "يا من أعطيت هذه المسكينة، يا من أكرمتها أكرمني" {هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء}.

فالمؤمنة إذا وجدت نعم الله تنزل على الناس فرحت، وشكرت الله عليها، ثم سألت الله تبارك وتعالى من فضله.

ولا تنزعجي من هذا الموجود في نفسك، فإنها صراع، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (لا يخلو جسد من حسد)، ولكن المؤمنة تدافعه وترفضه وتخالفه، والمنافق يبديه، فيظهر هذا الحسد في شكل غيبة أو نميمة، أو تمني زوال نعمة، أو إصابة هؤلاء بشر، أو أن يصبحوا معدمين، وأنت -إن شاء الله- بعيدة من هذا.

فاستمري في مجاهدة نفسك، وتذكري نعم الله عليك، فسعيد من عرف نعم الله عليه، وكلنا غارق في النعم، سبحان الله، من حكم هذه النعم أنها موزعة، أنها مقسمة، فالله يعطي هذا أشياء، ويعطي الآخر أشياء أخرى، ولكن العاقل يعرف النعم التي هو فيها ثم يؤدي شكرها، فإذا شكرنا الله نلنا بشكرنا الله المزيد، فانتبهي لنفسك، وابتعدي عن هذه المقارنات، وإذا وجدت نعمة تنزل على زميلة، صديقة، جارة؛ فاشكري الله - كما قلنا - واسألي الله تبارك وتعالى من فضله، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياك ممن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر وإذا أذنب أو قصر استغفر.

شكرا لك على هذه الاستشارة، ونسأل الله أن يتم لك أمر الزواج بخير، وأن يجمع بينك وبين هذا الخاطب بخير، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مواد ذات صلة

الاستشارات