متعبة جدا فأنا لا زلت أقسو على نفسي وأفكر هل قبلت التوبة أم لا؟

0 16

السؤال

السلام عليكم.

ما هي حقيقة التوبة، أي هل التائب من الذنب كمن لا ذنب له قولا وفعلا حقيقة لا مجازا؟
تبت من ذنوبي لكني لا أكاد أنفك عن تذكر ذنبي، الذكرى التي تدفعني للاستغفار والعبادة لا القنوط، لكني أجد لها في نفسي وقعا شديدا ومؤلما جدا ومخيفا وندما لا يطاق، هل هذا علامة على خير أو شر؟ أم هي وسوسة شيطان؟

المذنب (لم يكن تاركا للعبادة) إذا تاب من ذنبه، وصلح حاله وترك الذنب وكرهه، وازداد في طاعته وعبادته، يعد صالحا مرة أخرى؟ لا أزال احتقر نفسي، يراني الجميع على خير ودين ولا يعلمون ما ستره الله علي، ولا أستطيع تجاوز الحزن على ذنبي، أشعر بالحياء من نفسي طوال الوقت، وأهاب الحديث عن الدين لأني تائبة من ذنب فلست أهلا للحديث، هل أنا أقسو على نفسي؟

في كل مرة أمر بآيات فيها ثناء لأهل الطاعة أشعر بألم، ولا أعد نفسي منهم لأني أذنبت، وأخاف أنني كنت أحسب نفسي على خير والله يستدرجني، ولكن الله أمهلني ومن علي بالتوبة والاستقامة، فهل هذه علامة خير؟ أخاف كثيرا كثيرا أن أكون ممن هان على الله، أخاف أن يكلني إلى نفسي، أخاف أن يعرف أحد عن ذنبي، أضيع وقتا كثيرا جدا في التفكير حتى لو كنت أذكر الله أو أعمل، لا ينفك عني التفكير.

أبحث عن دليل قبول التوبة وأجدها في لكني أخاف أن أستبشر، أشعر أنني أعيش في جلد للذات دائم، حتى لو أحسست أحيانا براحة وانفكاك غمي بأن أستقبل أيامي وأركز فيها أعود لما كنت عليه حال تذكري الذنب، ولكن هذا لا يقعدني عن العبادة، أنا متعبة، أشعر أنني أسيرت ذنوبي، وأنني سأبقى على هذا الحال عمري كله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله تعالى أن يزيدك صلاحا وهدى، وأن يتقبل توبتك.
ونحن نوصيك – ابنتنا العزيزة – بوصايا نأمل إن شاء الله أن تأخذيها مأخذ الجد، وتعملي بها.

أول هذه الوصايا: أن تفرحي بتوفيق الله تعالى لك بالتوبة، فإن الله تعالى لم يوفقك للتوبة إلا لأنه تاب عليك، فتوبتك أنت بعد توبة من الله تعالى عليك، كما قال سبحانه وتعالى: {ثم تاب عليهم ليتوبوا}، فليس كل أحد يوفق للتوبة، فالتوبة نفسها علامة إن شاء الله على أن الله تعالى أراد بهذا الإنسان خيرا، ولذلك وفقه للتوبة، فينبغي أن تستحضري هذا المعنى وتتذكريه دائما، وتشكري هذه النعمة، فإن نعم الله تعالى تحتاج إلى شكر، والنعم الدينية أعظم من النعم الدنيوية، والقرآن مليء بالآيات التي تذكرنا بنعم الله الدينية وأنها تحتاج منا أن نشكرها.

فأكثري من شكر الله تعالى على هذه النعمة، نعمة التوفيق للتوبة، بأن تحبي الله تعالى بقلبك، وتعرفي فضله ورحمته وكرمه وجوده حين وفقك لهذه التوبة، وتستحضري أيضا أنه سبحانه وتعالى أراد بك الإكرام والخير، فالله تعالى يفرح بتوبة العبد إذا تاب، ويحب التوابين ويحب المتطهرين، يفرح ليكرمه ويثيبه، فتذكري هذا، فإنه أمر مهم.

الوصية الثانية: أن تحافظي على ما أنت فيه من الخوف من الذنوب، فإن المؤمن في هذه الحياة مطلوب منه أن يجمع بين الخوف من الله والطمع في فضل الله تعالى، وثوابه، وعفوه، مسامحته. وهذا الخوف والطمع كالجناحين للطائر، فالطائر لا يطير إلا بجناحين، والمؤمن لا يمكن أن يسلم إلا إذا جمع بين هذين الجانبين (الخوف والرجاء).

فلا أنت مطالبة بأن تتركي الخوف بالكلية، ولا أنت مطالبة بأن تخافي فقط دون أن تطمعي في فضل الله، فإن الإنسان في حقيقة أمره لا يجازى بدخوله الجنة بسبب عمله، وإنما يكون ذلك برحمة الله تعالى وفضله، وإلا فأعمالنا لا تساوي شيئا أمام نعمة واحدة من نعم الله تعالى علينا، ولكننا نؤمل ونرجو رحمة الله تعالى وفضله وكرمه وجوده وإحسانه.

هذا الذي نرجوه ونأمله من الله تعالى، وهو سيدخلنا جنته بهذا الرجاء، فإن الله تعالى يقول في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء).

فأحسني ظنك بالله، فإن الله تعالى يتوب على العصاة والمجرمين والفاسقين والمفسدين، والقرآن مليء بالآيات التي تنادي عتاة المجرمين بالتوبة، وأن الله يبشرهم برحمته إذا تابوا، فالذين سبوه وشتموه ونسبوا له الولد والزوجة دعاهم الله تعالى إلى التوبة: {أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم}، فهو يعدهم بالمغفرة ويعدهم بالرحمة إذا هم تابوا من هذا الجرم الكبير، فكيف بالعبد المسلم الذي يشهد لله تعالى بالوحدانية ولنبيه بالرسالة، ويحب الله، ويعظمه، كيف لا يقبله سبحانه وتعالى ولا يتوب عليه ولا يغفر له بعد توبته واستغفاره؟!

ينبغي أن تغيري ظنونك هذه في الله تعالى، فإن الله تعالى أهل لأن نظن به الظن الجميل، فهو الكريم، المنان، العفو، الغفور، الرحيم، الودود، الذي يتودد إلينا بأنواع النعم لنحبه ونطيعه، فقط ليكرمنا بعد ذلك بالثواب والجزاء الحسن، وإلا فإنه غني عنا، ليس بحاجة إلينا.

الوصية الثالثة: اعلمي – أيتها البنت الكريمة – أن الإنسان بعد التوبة قد يكون حاله أحسن مما لو لم يقع في هذا الذنب، فلهذا كثير من العلماء يرى بأن التائب أفضل من الشخص الذي لم يقع في الذنب، لأن هذا التائب تجتمع له أمور كثيرة تدعوه وتحفزه إلى العمل الصالح والإكثار من الحسنات، ونرجو الله تعالى أن تكوني أنت من هؤلاء الذين يكون حالهم بعد التوبة أفضل مما لو لم يقعوا في الذنب.

وقد أحسنت – أيتها البنت الكريمة – حين بدأت كلامك بأن هذا الحال يدفعك للاستغفار وللعبادة لا إلى القنوط، فنحن ندعوك إلى تأكيد هذا المعنى. وأما أن تتهيبي الكلام عن الدين لأنك تائبة من ذنب وأنك لست أهلا للحديث؛ فهذا خطأ أيضا، لأنه كما قال الشاعر:
ولو لم يعظ العاصين من هو مذنب ... فمن يعظ العاصين بعد محمد

فالناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ما منهم من أحد إلا وله ذنوب تاب منها، وبعضهم له ذنوب لم يتب منها، فكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.

نسأل الله تعالى لك المزيد من التوفيق والهداية والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات