أحب عائلتي كثيرًا لكن أنفر من إظهار مشاعرهم تجاهي والعكس، فما السبب؟

0 17

السؤال

السلام عليكم.

هل هناك سبب نفسي معين يجعل الشخص يشعر بالنفور من المشاعر العاطفية بين أفراد العائلة؟

أنا أحب عائلتي كثيرا، أكثر من أي شيء في العالم، لكن هذا الحب بداخلي فقط، كل المشاعر العاطفية الجميلة تجاههم لا أحب إظهارها أبدا، ولا أحب أن يظهروها لي هم أيضا، أشعر بنفور شديد، أو إذا صح التعبير، أشعر بالقرف! لا أحب مثلا أن أظهر قلقي عليهم أو أن أعبر عن حبي لهم سواء لفظيا أو جسديا، أشعر بنفور شديد من مجرد الفكرة، ولا أحب التلامس بيننا حتى لو صدفة، لا أحب أن أعبر عن حبي لهم بالكلمات ولا أحب أن يفعلوا هذا معي أيضا. ولا أحب أي موقف أو التواجد في أي موقف يستدعي وجود مشاعر عاطفية بيني وبينهم، أشعر بنفور وقرف وأحب أن يكون التعامل بيننا جافا، أن يكون تعاملا جيدا خال من التعبير عن مشاعر الحب والحنان، حتى المزاح بيننا أحب أن أفعله بطريقة جافة، وليس بطريقة تلقائية لأنني أشعر بنفور أيضا.

عندما تأتي والدتي مثلا كي تمزح معي أشعر بنفور ولا أتفاعل معها، إذا أرادت أن تحتضنني أو تقبلني قبل الذهاب إلى أي مكان مثلا، أشعر بنفور ولا أستجيب أبدا، وإذا فعلته مضطرا أفعله بجفاف عاطفي تام، لا أحب مثلا أن يظهر أخي قلقه علي ولا أحب أن أظهر له هذا أيضا ونفس الشيء مع مشاعر الحب والحنان وغيرها، أحب التعامل أن يكون جافا تماما فما السبب؟

مع أنني أحبهم فعلا وأخاف عليهم وأقلق عليهم كثيرا، فهل هذا طبيعي بين معظم العائلات وبعضها، أم أن هناك سبب لذلك؟ لأنني أخاف أن يأخذ الموت أحدا منهم مثلا وأندم على عدم التلقائية والتعبير عن المشاعر بحرية عن طريق الألفاظ أو المواقف، ولأنني أشعر أن هذا عائق، عموما عندما يأتي الأمر لبر الوالدين مستحيل أن أفعله بطريقة صحيحة، وأنا بهذا الوضع لكن لا أستطيع غير ذلك، قد يظهر من الرسالة أنني أعاملهم بشكل سيء، لكن أنا أعاملهم بشكل عادي، فقط بحدود كما ذكرت في الرسالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Amr حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أيها الابن الكريم- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على الخير والسؤال، نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقك للخير، وأن يصلح الأحوال، وأن يعينك على إظهار هذه المشاعر النبيلة.

أرجو أن أؤكد بأن الإنسان يحتاج إلى تدريب ليظهر مشاعره وليعلن عن حبه لمن حوله، والمبدأ النبوي هو أن نعلن مشاعرنا، فالنبي صلى الله عليه وسلم أعلن حبه لعائشة، وقال لمعاذ: (والله إني لأحبك، فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، وبينما رجل يجلس إلى جوار النبي مر رجل من الأنصار فقال: (أنا أحب هذا) قال النبي: (هل أعلمته؟) قال: (لا)، قال: (فأعلمه)، فانطلق إليه فقال: (إني أحبك في الله) فرد عليه: (أحبك الله الذي أحببتنا فيه).

ولذلك من المهم أن ندرب أنفسنا على إعلان المشاعر النبيلة، والحمد لله أنها موجودة في داخلك، لكن هذا الإظهار مهم جدا، ولكنه – كما قلنا – في بيئتنا يحتاج إلى بعض التدريب والتعود، فلذلك أرجو أن تجتهد في تغيير هذا الوضع، ولن تأثم من الناحية الشرعية ما دامت معاملتك طيبة وعادية لهم، فكثير من الناس يعبر عن حبه بالعطاء، يعني: حبه لوالده أن يأتي له بهدية، أن يقوم بخدمته، أن يقوم بخدمة الوالدة، كل هذه وسائل يعبر بها الإنسان عن حبه.

لكن هذا لا يغني عن الحب المباشر الذي يعلن فيه الإنسان بكلماته واهتمامه ونظراته واحتفائه بمن حوله، خاصة إذا كانوا من المحارم أو من الأصدقاء الصالحين، فإن الإنسان ينبغي أن يظهر العطف والتعاطف إذا مرت بهم أزمة أو وقعوا في محنة، كل ذلك مما ينبغي أن تعود نفسك عليه.

نحن نؤيد فكرة أن تبدأ في تعويد نفسك، ونرفض أن تنزعج من هذا الأمر، حتى لا يتحول إلى وساوس، والإنسان ينبغي أن يجتهد في بذل ما عنده وإخراج ما عنده، أيضا يستقبل من الناس مشاعرهم النبيلة، حتى ولو على سبيل المجاملة، حتى تتحول هذه المجاملة إلى ممارسة، وإلى سلوك، وإلى طبع للإنسان.

والحياة بدون هذه العواطف وبدون التعبير عن المشاعر تعتبر جافة وقاسية، ونحن نريد أن نقول: الله تبارك وتعالى ما جعل للإنسان عائلة إلا ليعيش معهم هذه المعاني، والإنسان مدني بطبعه، بمعنى أنه لو ملك أموال الدنيا لا يستطيع أن يعيش وحده بعيدا عن الناس. ومن هنا كان السجن الانفرادي من أصعب أنواع التعذيب بالنسبة للإنسان، مع أن هذا السجن الانفرادي أحيانا لبعض الكبار يكون مريحا ومكان معزولا فيه وربما عنده تلفاز، لكنه يعتبر سجينا ومعزولا، لأنه لا يشاهد والد ولا والدة ولا أطفال ولا إخوان ولا أصدقاء، وبالتالي الإنسان كائن مدني، يحتاج إلى من حوله.

ومهارة التواصل هي مهارة العصر، هي من أهم المهارات التي ينبغي أن يعتني بها الإنسان، وقدوتنا الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يحتفي بكل جلسائه، يوزع عليهم النظرات والابتسامات والألقاب والثنايا والاهتمام، وكان هذا الاهتمام يتجاوز الكبار ليصل الصغار، ويصل كل من عنده وكل من أمامه عليه صلاة الله وسلامه، بل كان إذا لقي الرجل فصافحه ولا ينزع يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزع، ولا يصرف وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرف، وما رؤيا عليه الصلاة والسلام مقدم رجليه بين يدي جليس له.

فكلنا مطالب – رجالا ونساء – بأن نجتهد في التأسي برسولنا صلى الله عليه وسلم في هذه المعاني الجميلة، وينبغي للمسلم أن يدرك أن حبه لأخيه (لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ .. أفشوا السلام بينكم)، ونحن نؤكد على الجانب الإيجابي، وهو موجود، هذه المشاعر في الداخل.

نحييك أيضا للمعاملة الجميلة العادية، لكن نريد أن تطور نفسك لترتفع هذه المعاملة، خاصة عندما تكون مع الوالدين أو بين الأزواج، وإن شاء الله أنت ستتزوج، أو مع الأطفال، أو مع الخالات والعمات، هؤلاء المحارم ينبغي أن يأخذن حظهن أيضا من الاهتمام وإظهار العواطف والتعاطف والمشاعر النبيلة.

ووقوف الإنسان مع الناس في أزماتهم أيضا؛ هذا تعبير دون أن يتكلم، ولكن إظهار المواساة أيضا في حالات الموت – وفي حالات كذا – من الأمور أيضا التي ينبغي أن يهتم بها المسلم، ولأجلها شرع الله التعزية، حتى يواسي الناس بعضهم بعضا ويعين بعضهم بعضا على تجاوز الصعاب والأزمات.

نسأل الله لنا ولك التوفيق، ونحن سعداء بهذا السؤال، ونكرر الترحيب بك في الموقع.

مواد ذات صلة

الاستشارات