مشكلتي المقارنة السلبية بيني وبين الآخرين، فكيف أعالجها؟

0 9

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحسن الله إليكم ووفقكم لما فيه خير.
أنا شاب ملتزم، وأطلب العلم، ولدي همة في طلب العلم، لكن لدي إشكالية كبيرة وهي أنني عندما أرى بعض الإخوة الأفاضل ممن فتح الله عليهم في العلم والدعوة؛ خاصة بعد وسائل التواصل أشعر بالغيرة من الدور الذي يؤدونه، وأيضا أشعر بالإحباط، وهذا شعور خطير قد يؤدي إلى الحسد، وأيضا أحيانا أقول لنفسي إن الحرص على التميز العلمي، وكثرة المتابعين سبيل لنشر الخير، فالحرص عليه ليس مذموما، فهل هذه مخادعة فقط من نفسي أم حرص على الخير؟

فقررت أن أبتعد عن متابعة كل شخص تؤدي متابعتي له إلى هذا الشعور السيء؛ لأحافظ على سويتي النفسية، ورأس مالي سلامة القلب، مع مواصلة طلب العلم ونشره بالمتاح لي، وأقول لنفسي أن المطلوب هو بذل الوسع فقط ولست مسؤولا عن النتائج.

لكن أشعر أحيانا أن هذا ضعفا مني، وأنه ليس الحل الأنسب، فما توجيهكم حول مقارنة طالب العلم نفسه مع الآخرين خاصة في مثل هذه الحالة هل تؤدي لمثل هذه المشاعر السلبية، أم أنه من المطلوب أن يقارن الإنسان نفسه بالمتميزين ليسعى إلى التميز؟ وهل يدرك طالب العلم الجاد مراتب العلماء إذا بذل وسعه ثم لم يتح له أن يصير عالما؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابننا الكريم- في الموقع، ونشكر لك هذا الحرص على الخير، ونهنؤك على طلب العلم، فإن سبيل العلم هو سبيل الفلاح والخير، إذا قصد بطلب العلم وجه الله تبارك وتعالى، أما إذا قصد بطلب العلم الشهرة فويل ثم ويل لمن يفكر بهذه الطريقة.

ونحن لا نريد أن ندخل في نيات من يبث أنشطتهم عبر مواقع التواصل، فهم يشكروا على ذلك، ونحن ينبغي أن نسلك كل سبيل في نشر هذه الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وندخل بها إلى كل الميادين، نستطيع بها أن نوصل كلمة الله، ونسمع الدنيا كلام الله تبارك وتعالى، لكن من المهم أن تكون النيات خالصة لله تبارك وتعالى، وإلا فالعالم الذي همه أن يقول الناس (عالم)، وأن يقول الناس (قارئ)، ومن الثلاثة الذين تسعر بهم جهنم والعياذ بالله.

وإذا وجدت مثل هؤلاء الذين ينشروا علمهم فعليك أن تدعو الله تبارك وتعالى لهم، وتسأل الله لهم الثبات، واجتهد فيما أنت فيه من الطلب، واعلم أن الإنسان أولا يطلب العلم، ثم يسعى في بذله، والإنسان ينبغي أن يبذل ما علمه، فربما يبلغ الأوعى من سامع، (وبلغوا عني ولو آية)، فعود نفسك أن تبلغ من حولك، وأن تجتهد في إيصال المعلومة إلى أي مدى تستطيع، شريطة أن يكون كل ذلك لله تبارك وتعالى، لأن هذا هو مكان الفلاح، بل إن الإخلاص في بذل الكلمة له أثر كبير في قبولها عند من ندعوهم إلى الله تبارك وتعالى، فكلام المخلص تجاوز الأذان، ليصل إلى القلوب، بخلاف كلام الإنسان الذي لا يريد إلا أن يشتهر لنفسه، أو لا يبتغي بعمله وجه الله تبارك وتعالى، فإنه حتى لو نفع غيره - والعياذ بالله - يكون كالذين جاء الحديث في خبرهم: (يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه).

فالعبرة في هؤلاء أن يكون الإنسان مخلصا لله تبارك وتعالى، وإذا أخلص الإنسان لله تبارك وتعالى وصدق مع الله تبارك وتعالى فإنه ينال الشهرة أيضا، وينال أيضا الأجر والثواب عند الله، ويؤثر بعمله. لكن الإنسان أيضا ما ينبغي أن يجعل هذا معيارا، لأن المعيار هو الإخلاص لله تبارك وتعالى والسير في هذا الطريق.

والإنسان إذا وجد أي نعمة عند إنسان فإنه يشكر الله عليها، ثم يسأل الله من فضله، لا مانع من أن يسأل مثيل النعمة دون تمني زوالها، وهذه هي الغبطة، يعني: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلمها)، وفي رواية: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل، وآناء النهار، فسمعه جار له، فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل).

فلا مانع من الشعور بالغبطة - يعني تمني مثيل النعمة - دون أن يتمنى الإنسان زوالها وحرمان أهلها منها.

إذا فالعبرة فيهم وفيك أن تكون النية صادقة لله تبارك وتعالى، والإنسان محتاج إلى أن يجاهد نيته السالبة لتكون لله تبارك وتعالى، واعلم أن نعم الله مقسمة، فهناك من فتح عليه في الكلام ونشر الدعوة، وهناك من فتح عليه في العمل والاستفادة من العلم، وأيضا هناك من فاق هؤلاء جميعا فحوله علمه إلى ممارسة، لأن المطلوب من العلم هو أن نعمل ونبتغي بعملنا وجه الله تبارك وتعالى، ولذلك لما تكلم طلاب الإمام أحمد عن معروف الكرخي وأنه ليس عنده علم كثير، زجرهم الإمام وقال: (وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف!!) فرحمهم الله جميعا، وألحقنا بهم في طلاب العلم وحملته، الذين يريدون بعملهم وجه الله تبارك وتعالى.

نكرر لك الشكر، وأرجو ألا تتوقف عن الطلب لأي سبب، فإن للشيطان مداخل مختلفة، لكن تحسس نيتك، واجتهد في أن تكون لله، واجتهد بعد ذلك في بذل العلم ونشره، تحققت لك الشهرة أو لم تتحقق، العبرة هو أن تكون مخلصا لله، لكن المخلص لله هو الذي يربح في النهاية، وهو الذي يكون أيضا لكلامه بركة.

نسأل الله لنا ولك ولكل داع للخير التوفيق والإخلاص والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات