أعيش في حالة تململ وأن الله لن يغفر لي إساءتي.

0 18

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اعذروني على لغتي العربية فأنا تربيت في السويد، مشكلتي كبيرة جدا وقد فات الأوان.
مشكلتي أنني كنت أطمح في دخول الطب عندما كنت صغيرة، ولكن بعد انتقالنا للعيش في السويد كان عمري 13 عاما تحطم كل شيء، وذهب حلم الطب، فكان تعلم اللغة صعبا جدا والحياة الجديدة، أبي تخلى عن مسؤوليتنا من أول يوم أتى بنا إلى هنا، وكان دائما وراء رغبته وشهوته، كان أهلي مشغولين بالمشاكل فلم أجد من ينصحني ويرشدني في الغربة.

المشكلة الأكبر عندما كنت في الثانوية التقيت بطالبة متفوقة في العلمي، وكنت أعتقد أنها ستدخل الطب، ولكن صدمت عندما قالت لي إنها ستدخل كلية الحقوق؛ لأن علاماتها كلها ممتازة، فصرت أنا أيضا أفكر في هذا المجال، الكلية هنا صعبة، ويجب أن يكون الطالب حاصلا على امتياز في جميع المواد لكي يدخلها.

ظلت فكرة القانون في بالي، وفعلت كل ما بوسعي لكي أدخل هذا المجال، ولم أجد من ينصحني بشيء، لا أهل ولا أقارب، فأنا كنت صغيرة ولا أفرق بين الصح والخطأ، وحصلت أيضا مواقف كثيرة في حياتنا من ظلم فأردت أن أدرس في هذه الكلية لكي أساعد عائلات مظلومة، انتظرت دخولي الجامعة مدة سنتين، فكلما كنت أسجل بالمجال ولا أقبل؛ لأن الكلية عليها تنافس كثير، فكنت دائما أسخط على ربي كثيرا والعياذ بالله واستمررت في سخطي مدة سنتين.

في آخر مرة سجلت فيها بهذا المجال قبلتني الجامعة وفرحت جدا، ومن أول أسبوع في الجامعة كرهت كلية الحقوق، وأردت الخروج منها، ولكن أهلي رفضوا الأمر، وقالوا: انتظرت سنتين والآن تريدين ترك الجامعة، قلت لهم الآن تهتمون لأمري! فأنا كنت دائما أريد نصيحتكم، والآن بعد خمس سنوات علاماتي سيئة، ومكتئبة منذ أن بدأت دراسة هذا المجال.

علمت أنها عقوبة من الله، وأنه كان يمنع عني لخير، حياتي توقفت تماما، ضحيت بحياتي كلها من أجل أهلي، أبي حرمنا الوطن، والآن يريد أن يرجع لوطنه، ونحن نبقى هنا، وأنا وحيدة بغربتي لا يوجد لي أقارب هنا، ولا أهل مهتمين، وأنا التي أذوق الألم كل يوم بسبب اختياري وتسخطي.

لا أستطيع العمل في مجالي ببلد آخر، وأنا لم أنتفع بهذا العلم، وأشعر بعجز وخوف بأنني درست شيئا محرما، وأن الله يعاقبني كل يوم على تسخطي في السنتين.

أدوية الاكتئاب لم تنفع، وأنا الآن في تسخط أكبر على الله؛ لأنه يعاقبني أنني لم أستخيره، فأنا أستحق اللوم كثيرا، فأنا لم أستخر الله، أعيش حالة رعب من عقاب الله لي، وأنني لن أستطيع أن أعمل ببلد آخر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مادلين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك ابنتنا الفاضلة في الموقع، ونشكر لك حسن العرض للسؤال، ونبشرك بأن الله تبارك وتعالى ما سمى نفسه (توابا) إلا ليتوب علينا، ولا سمى نفسه (غفورا) إلا ليغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا.

لا يخفى عليك أن التوبة تجب ما قبلها، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب لها، وأن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، والتسخط على الله والرفض لأقداره كبيرة من الكبائر، لكن الإنسان يستطيع أن يصحح كل الكبائر بتوبته ورجوعه إلى الله تبارك وتعالى.

هذا الإحساس الذي عندك من التقصير في جنب الله تبارك وتعالى إحساس جميل ينبغي أن يتحول إلى توبة لله نصوح، تستأنفي معها حياتك الجديدة بأمل جديد وبثقة في ربنا المجيد سبحانه وتعالى، والحمد لله أنت في سن يؤهلك للفهم والتعامل مع من حولك، فلا تحملي نفسك ما لا تطيق، واعلمي أن الظروف الصعبة التي تمر على الإنسان أحيانا تصنع منه إنسانا قادرا على مواجهة الصعاب، لأنه تدرب عليها، وهذا هو الجانب والاتجاه الذي ينبغي أن تسيري فيه.

واعلمي أن الإنسان إذا أصلح ما بينه وبين الله تبارك وتعالى أصلح الله ما بينه وبين الناس، وعليه فنحن ندعوك إلى ما يلي:

أولا: الدعاء، ثم الدعاء، ثم الدعاء.

ثانيا: تعجيل التوبة، وأرجو أن تكون نصوحة وصادقة فيها مع الله، والتوبة النصوح تبدأ بالصدق مع الله، والإخلاص فيها لله، والتوقف عن الخطأ، والندم على ما حصل، والعزم على عدم العود.

ثالثا: ننصحك أيضا بالبحث عن صديقات صالحات ناصحات.

رابعا: ننصحك أيضا كذلك بالاهتمام بالصلاة والسجود لله تبارك وتعالى، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصلاة نور، والصلاة أيضا باب للرزق والخير.

خامسا: ندعوك إلى اكتشاف ما عندك من مهارات، يعني: نقاط القوة التي عندك، ومنها هذه القدرة على الصبر والتحمل والعزيمة والإصرار.

أخيرا: أحب أن ننبه إلى أن الدراسة في هذا المجال ليست محرمة، والإنسان لا يمكن أن يعرف الحق إلا إذا درس مثل هذه الأمور، وإذا كنت قد درست دراسات حقوقية أو قانونية ونيتك نصرة المستضعفين، فاصدقي في هذا المجال، واجتهدي في فهم الجانب الشرعي الذي تستطيعين أن تنصحي فيه وتؤثري على من حولك، لأن الشريعة توافق على رد الحقوق للمظلومين، دون أن يكون في ذلك تجاوز، وأنت قادرة بإذن الله تبارك وتعالى على التمييز بين هذه الأمور.

الخوف من الله تبارك وتعالى والخوف من التقصير؛ هذا عمل إيجابي، لكن ليس نتيجته الإحباط والاكتئاب، بل نتيجته الصحيحة المزيد من العمل، ومزيد من الاجتهاد، ومزيد من ذكر الله تبارك وتعالى والإنابة إليه، ونبشرك بأن الله غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى، فأشغلي نفسك لما خلقت لأجله من العبادة، واعلمي أن الدنيا يدبرها الله القائل: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها}.

وإذا كان الوالد مقصرا فلا تقصروا أنتم فيما عليكم، فإن الله يسأل من يقصر على تقصيره، أما بالنسبة للآخرين فتذكري قول الله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.

لا شك أن الأزمات تؤثر على الإنسان، لكن بالاستعانة بالله واللجوء إليه، والرضا بقضائه وقدره، ومعرفة النعم التي ننغمر فيها، أي إنسان عنده صعوبات لكنه ينغمر في نعم إذا عرفها ورصدها وأدى شكرها – مع أنه لا يستطيع عدها – فإن الله يزيده عليها، قال الله تعالى: {وإذ تأذن ربكم لأن شكرتم لأزيدنكم}، وقال: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}، ولعل من نعم الله قدرتك على التواصل، وكتابة هذا الكلام المركز، وشعورك بهذا التقصير، كل هذه نعم، فعندك نفس لوامة تدعوك إلى التصحيح، والمجال أمامك واسع.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات