وسواس عدم إنكار المنكر شتتني وضيع مستقبلي الدراسي، فما الحل؟

0 26

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا طالب جامعي، أصبت بوسواس قهري في عدة أمور، منها الطهارة، ولم أهتم به في البداية، إلى أن أتاني وسواس في إنكار المنكر، وأصبحت هواجس، وأصبحت أفعل أمورا غريبة، وأصبحت غير مهتم بأهدافي وأحلامي، وأكثر من النوم، فقدت هدفي الذي هو نصرة الإسلام بالعلم، أصبحت غير مجتهد فيه، كنت آخذ ثلاث دورات، الآن لا شيء، مع أني أنكر بعض المنكرات، لكن الهواجس التي تأتيني كثيرة جدا، ولم أعد أحفظ القرآن والعلم الشرعي كما كنت بسبب هاجس: كيف تصبح حافظا لكتاب الله وأنت لا تنكر أو سيكون الأمر عليك أكبر في الإنكار؟!

لفترات كنت لا أحب مخالطة الناس والزيارات بسبب الهواجس ووسواس إنكار المنكر، وهذا سبب لي الاكتئاب، تركت كل شيء تقريبا، وكنت أنام فقط وأضيع الوقت، الآن تحسنت حالتي -والحمد لله-.

هنالك أشياء أخرى، مثلا أتيت إلى مجموعة في السكن، ولديهم (واي فاي) يستعملونه في الدراسة وفي أشياء محرمة، وأنا بعد أن فعلوا الخدمة اشتركت معهم، فهل أكون معاونا لهم؟ وهل أستمر في الأشهر القادمة؟ وهل إذا لم أكمل حصتي من النت واستخدمها الآخرون، هل أكون عاونتهم؟

هم -الحمد لله- منهم من يصلي صلاه الصبح في المسجد.

الآن بسبب هذه الهواجس أصبحت أتابع الناس ومنكراتهم، وأصبح رأسي مشتتا، نادرا ما أتوقف عن التفكير، حتى أوراد الأذكار وأشياء كثيرة أصبحت سيئا فيها بسبب غفلتي عن نفسي، حتى مستواي الدراسي انخفض، أريد أن أركز في نفسي، وهل يعتبر ما قلته شكوى لغير الله؟

والداي لم أعد معهما كما أريد.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله تعالى أن يعجل لك بالشفاء من هذه الوساوس، والتي علاجها –أيها الحبيب – متيسر وسهل -بإذن الله- فننصحك بالأخذ بالأسباب في مدافعة هذا القدر المكروه، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء)، وقال: (تداووا عباد الله)، وهذا الدواء يتكون من شقين:
الشق الأول: الجانب الروحي المعنوي، وهذا سهل يسير، متمثل في نصائح نبوية ثلاث:
أولها: الاستعاذة بالله كلما داهتمك هذه الأفكار واللجوء إليه سبحانه وتعالى ليحميك منها.
والثانية: الإعراض التام عن هذه الوساوس وعدم الاهتمام بها والاشتغال بما فيها، وتحقيرها.
والثالث: الإكثار من ذكر الله تعالى.

والشق الثاني من الدواء هو: الدواء الحسي بتناول الأدوية التي تعيد للجسم اعتداله، وتصلح ما فيه ما قد يكون حصل فيه من خلل، وفي هذا ينبغي الرجوع إلى الأطباء، وخصوصا المتقنين منهم، وسيفيدك – بإذن الله تعالى – بعض الأطباء على موقعنا بما ينفعك.

وكل هذه الوساوس التي ذكرتها – أيها الحبيب – لا ينبغي لك أبدا أن تشتغل بها وتتفاعل معها وتبحث عن إجابات لأسئلتها، ولهذا نحن ننصحك بأن تعرض عنها تمام الإعراض، وليس من الصواب أن نخوض في نقاشها معك، لأن ذلك سبب أكيد في ترسيخها وتقويتها، والخير كل الخير في إعراضك عنها تماما.

وما تجده من فعل بعض الناس للمنكرات أمر معتاد، فالناس لا بد أن يخطئوا وأن يقعوا في محرمات، ولهذا خلقهم الله تعالى، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم)، فالناس ليسوا معصومين، و(كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، وأنت إنما يطلب منك إنكار المنكر بما تقدر عليه إذا رأيته، وهذا الإنكار في حدود القدرة، إنكار لتغيير المنكر باليد، وهذا ليس من خصائصك أنت، وإنما من خصائص من له السلطان والقوة، وإنكار باللسان إذا كنت تستطيع بيان حكم ما تراه من المنكر بعد أن علمت بأنه منكر، والمرتبة الثالثة: إنكار بالقلب بكراهتك لهذا المنكر.

فهذا هو الإنكار الشرعي المطلوب منك، أما أن يصير هاجس إنكار المنكرات معيقا عن المضي في طريق نجاحك وفي طريق إنجازاتك في طريقك إلى الله تعالى وفي طريق نفع نفسك ونفع أمتك؛ فهذا لا شك أنه مزلق ينبغي لك أن تحذر منه، وأنت بنفسك تلاحظ أن ثمت فارق كبير بين حالك قبل إصابتك بهذه الوساوس وبين حالك بعدها، مما يؤكد لك أن هذه الوساوس ليست من الخير الذي يحبه الله تعالى ويريد منك الاشتغال به.

وما ذكرته من كونك اشتركت مع زملائك في خدمة (الواي فاي)؛ فإن هذا مما لا إثم عليك فيه، لأن هذه الخدمة تستعمل في الخير والشر، فإن استعملها إنسان ما فيما لا يجوز له فإثمه على نفسه، ونصيحتنا لك إذا أن تأخذ بالأسباب التي ذكرناها بمدافعة هذا المقدور المكروه.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يذهب عنك كل مكروه.
----------------------------------------------
انتهت إجابة: الشيخ أحمد الفودعي -مستشار الشؤون الأسرية-
تليها إجابة: د. محمد عبدالعليم -مستشار الطب النفسي وطب الإدمان-.
----------------------------------------------
أرحب بك في استشارات إسلام ويب.

أرجو أن تقرأ الإجابة البليغة والمتميزة التي أجابك بها الشيخ أحمد سعيد الفودعي - حفظه الله - اقرأها، ويجب أن تقتنع بما فيها، لأنها بالفعل تجيب على كل تساؤلاتك الوسواسية الشرعية.

ومن الناحية النفسية -أيها الفاضل الكريم-: هذه الوساوس معروف أنها تتسلط على الإنسان، وهي سخيفة، وهي حقيرة، وهكذا يجب أن يتعامل معها الإنسان، من أخطر ما يجعل الوساوس تستحوذ وتهيمن وتسيطر هو التهاون معها، والرسول -صلى الله عليه وسلم- حين اشتكى بعض الصحابة من الوساوس نصحهم بأن قال لهم: (قولوا: آمنت بالله، ثم انتهوا)، لا تحاور، لا تناقش، لا تحلل، اقطع الطريق أمام الوسواس وقل: (آمنت بالله)، وأنا أدعوك مع الاستغفار أن تقول: (آمنت بالله).

والوسواس -أيها الفاضل الكريم- يواجه سلوكيا من خلال ثلاثة تمارين بسيطة جدا:
- اكتب هذه الوساوس التي تعاني منها في ورقة، ابدأ بأضعفها من حيث التكوين الوسواسي، ثم انته بأشدها.

- طبق التمارين على كل فكرة، وابدأ بالفكرة الأولى.

- التمرين الأول نسميه بـ (إيقاف الأفكار)، خاطب الفكرة قائلا: (قف، قف، قف، أنت وسواس حقير، أنت تحت قدمي، أنا لن أهتم بك) كأنك تكيل شتائم لشخص أمامك -أنا أعرف أن هذا ليس من خصالك-، فيجب أن تحقر الفكرة الوسواسية، ويجب أن تكرر هذا التمرين لمدة دقيقتين، وبالمناسبة هذا التمرين يجب أن يطبق بجدية في مكان هادئ، تغلق باب الغرفة عليك، وتخصص وقتا للعلاج لا يقل عن ثلث ساعة.

- ثم تنتقل للتمرين الآخر، وهو (استبدال الفكرة الوسواسية بفكرة أخرى) فكرة تكون جميلة وطيبة، وهذا نسميه بـ (صرف الانتباه)، العقل الإنساني يقسم إلى درجات وطبقات، الطبقة التي سنهتم بها ستكون هي الطبقة الأولى، فإذا اسحب هذه الفكرة الوسواسية من الطبقة الأولى في التفكير، وائت بطبقة أخرى، مثلا: تأمل في التنفس لديك، هذا مثال جميل دائما نضربه للناس، تأمل كيف يدخل الهواء في الرئتين، وكيف أن نسبة الأكسجين 21%، ولماذا حددت هذه النسبة هكذا، وهذه لحكمة يعلمها الله، كيف أن الأكسجين ينتشر في الدم، وكيف أنه يزودنا بالطاقات، وهكذا، ثم بعد ذلك قم بعد التنفس لديك.

- التطبيق الثالث يسمى بـ (التنفير) ومن خلاله تربط الوسواس بشيء منفر، مثلا: قم بالضرب بيدك بقوة وشدة على جسم صلب -كسطح طاولة- واربط هذا الألم بالفكرة الوسواسية، كرر هذا التمرين 20 مرة متتالية.

هذه تمارين ممتازة جدا، وإذا طبقت بجدية سوف تجد منها فائدة كبيرة جدا، وسوف تنتهي هذه الوساوس عنك -بإذن الله تعالى-.

الأمر الآخر هو: يجب أن تحسن إدارة وقتك، ولا تترك مجالا للفراغ.

النقطة الأخيرة: أبشرك بأن العلاجات الدوائية رائعة جدا في القضاء على مثل هذه الوساوس، وفي عمرك يوجد دواء سليم جدا يسمى (فافرين)، واسمه التجاري (فلوفوكسامين)، تبدأ في تناوله بجرعة خمسين مليجراما ليلا لمدة عشرة أيام، ثم تجعلها مائة مليجرام ليلا لمدة أسبوعين، ثم مائتي مليجرام ليلا لمدة ثلاثة أشهر، ثم مائة مليجرام ليلا لمدة شهرين، ثم خمسين مليجراما ليلا لمدة شهر، ثم خمسين مليجراما يوما بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم تتوقف عن تناوله.

دواء رائع وممتاز وسليم، وغير إدماني، وهو من الأدوية التي تفكك الوساوس.

إذا الحمد لله تعالى أمامك تطبيقات كثيرة وتمارين مهمة ومفيدة، بجانب العلاج الدوائي.

أسأل الله لك العافية والشفاء، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات