لا أريد العيش بعد وفاة والدي وأفكر بالانتحار

0 11

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا مريضة بالوسواس القهري في الدين، وفي بعض الأشياء الدنيوية، الطبيب المعالج وصف لي علاجا مهدئا أتناوله عند الشعور بالخنقة، الآن مضى 10 أيام على وفاة أبي، أرجو له الرحمة والعفو.

لست بخير وفقدت أعصابي، وصرت عصبية لأبعد الحدود، لا أطيق سماع أي أحد، أشعر وأن جسدي يأكل بعضه، وأهز رجلي لكي يقل جسدي عن أكل نفسه، لا أستطيع السيطرة على أعصابي، وأضرب رأسي في الحائط، وأضرب نفسي، وأصرخ ولا أتوقف عن البكاء، أتناول حبوبا مهدئة لكي أهدأ، ولكنها لا تفعل شيئا، لا أعلم ماذا أفعل، أنا متعبة جدا، انصحوني لوجه الله.

لا أعلم ماذا أفعل؟ ولا أستطيع تحمل ما أعانيه، فكرة الانتحار تراودني دائما، وأدعو بالدعاء الذي أمرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم عند تمني الموت، ولكني أريد الموت لكي أرتاح، ولأنني أكره الدنيا، أشعر وكأنني سجينة فيها، ولا أريد الموت قبل أن يصلح الله حالي، أنا -الحمد لله- فتاة صالحة في قلبي مع الله، أشعر بأنني لست ككل العباد عند الله، أشعر أنني حالة خاصة عنده، أتحدث معه كثيرا، ولكن الآن لا أستطيع قول يا رب، أصبحت أجمع الصلوات، وكنت أحب سماع القرآن حتى أهدأ، أما الآن لا أحب سماع القرآن، ولا يفعل معي شيئا، كنت أحب سماع شيوخ الدين، والآن لا أستطيع سماعهم، لا أستطيع ذكر الله، تدهورت حالتي جسديا ونفسيا، وعلاقتي مع الله كذلك.

لا أستطيع الجلوس والعيش في البيت بعد موت أبي، وبدأت الدراسة ولم أذهب، ولا أعرف عنها شيئا، أريد أن أعيش في دار الأيتام، أو أي مكان، خسرت الدنيا والآخرة، أريد الموت بشدة، كنت ومازلت أتمنى لو أنني لم أخلق، هل تشعر بي -يا شيخ-؟ لا أستطيع وصف ما يحدث معي غير أني متعبة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نهى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله تعالى لوالدك الرحمة والمغفرة، ولجميع موتى المسلمين.

تدارست رسالتك بكل دقة واهتمام، والتفاعلات النفسية السلبية الكثيرة التي تحدثت عنها يمكن أن نقسمها لقسمين: القسم الأول، هو الظرف النفسي الذي تمرين به الآن، والذي قطعا مرده وفاة والدك -عليه رحمة الله- فالأحزان يعبر عنها بطرق مختلفة عند مختلف الناس، لكن دائما الصبر هو الأفضل.

والمكون الآخر، أنه في الأصل -كما تفضلت- لديك وساوس قهرية، ومحتوى وساوسك حول الدين، وطبعا الوسواس القهري في حد ذاته يكون دائما مصحوبا بالقلق والتوترات وعدم الارتياح النفسي، طبعا الوسواس لا بد أن يعالج، وهنالك علاجات دوائية ممتازة، وكذلك علاجات سلوكية، تناول المهدئات ليس أمرا جيدا إلا في حالات الضرورة، ما كتبه لك الطبيب من دواء أنت لم تذكري اسمه، لكن قد يكون أحد مكونات ما يسمى بالـ (بنزوديازيبينات benzodiazepines)، وهذه تعطى في حالات القلق الحاد، ويستعملها الإنسان عند اللزوم، لكن قطعا ليست هي العلاج المثالي للوسواس القهري.

الحمد لله كل مضادات الوساوس هي مضادات للاكتئاب أيضا، فإن كانت لك الرغبة الحقيقية في تناول أحد الأدوية، فأنا أنصحك بالفعل أن تتناولي أحد الأدوية الممتازة المضادة للاكتئاب، إن استطعت الذهاب إلى الطبيب فسوف يصف لك الطبيب الدواء المناسب، وإن لم تستطيعي الذهاب فأنا أعتقد أن دواء (سيرترالين) سيكون دواء ممتازا، والسيرترالين له مسميات تجارية كثيرة، منها الـ (لوستيرال)، و(زولفت)، و(مودابكس)، سوف أذكر لك الجرعة في حالة أنك لم تستطيعي الذهاب إلى الطبيب.

ابدئي بنصف حبة -أي خمسة وعشرين مليجراما- يوميا، يتم تناولها لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلي الجرعة حبة واحدة يوميا -أي خمسين مليجراما- لمدة شهر، ثم حبتين يوميا -أي مائة مليجرام- لمدة شهرين، ثم خمسين مليجراما يوميا لمدة شهر، ثم خمسة وعشرين مليجراما يوميا لمدة أسبوعين، ثم خمسة وعشرين مليجراما يوما بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقفي عن تناول الدواء.

الدواء سليم وفعال جدا، وغير إدماني، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، وعليك الالتزام التام بتناوله في وقته، وحسب الجرعة المطلوبة، لتحصلي على الفائدة الكلية للدواء.

طبعا حديثك عن الانتحار وتمني الموت: أعتقد أن هذا تفاعل ظرفي حقيقة، مع احترامي الشديد لمشاعرك، أنت مؤمنة، وأنت مسلمة، وأنت في بدايات الحياة حقيقة، فيجب ألا تفكري في هذا الأمر أبدا، فكري في الحياة وفي جمال الحياة، وذكري نفسك دائما أن الله لطيف بعباده ورحيما بهم، لقوله: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}، والموت آت ولا شك فيه، فلماذا يستعجله الناس ويتحدثون عن أساليب بشعة وشنيعة وتؤدي إلى مآل أسود -والعياذ بالله-، وأعني بذلك الانتحار، وأنا أعرف تماما أنك لن تقدمي أبدا على هذا الفعل الشنيع، ولا أريدك أن تفكري فيه، أريدك أن تسألي الله تعالى الرحمة لوالدك والمغفرة، وتنظمي وقتك، وتجتهدي في دراستك، وتكوني إنسانا فعالا مفيدا لنفسه ولغيره، وهذا ممكن تماما.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات